لا نريد التحدث عن الحرب الأهلية التي جرت بين الجبهة القومية لتحرير جنوب اليمن المحتل من جهة وبين جبهة تحرير جنوب اليمن المحتل من جهة ثانية، فهذه الحرب لا تقل شراسة وبشاعة عما لحق بعدها من مجازر بين الرفاق في اطار الجبهة القومية والحزب الاشتراكي الذي جاء امتداداً لها وأكتفي بعبارة قالها حينها الشيخ العلامة (محمد بن سالم البيحاني) في ندائه للجبهتين المتناحرتين والذي وجهه من راديو عدن يوم 4 نوفمبر 1967م قائلاً:وتمشيا مع تطورات الزمن غير الجيش اسمه إلى القوات العربية المسلحة لجنوب اليمن المحتل واستكملت عملية تطهير الجيش من الضباط العوالق التي كانت قد بدأت خلال القتال بعد بضعة أيام من ذلك التاريخ عندما طلب من 74 ضابطا منهم بأن يستقيلوا واخذوا تقاعدهم وإكراميات وغادر معظمهم إلى مشيخة العوالق العليا ومن عدة نواح كانوا محظوظين وبقي كبير الضباط العرب ( إذ كانت القوة لا تزال تحت القيادة الاسمية للبرجادير داي ) من العوالق وكان العقيد محمد أحمد العولقي يدين بولائه فقط للجيش واستمر كعميد منتخب).وحسب وصف الصليب الأحمر المعايير المحلية كان عدد القتلى عاليا جدا ولم يكن هناك إحصاء موثوق به لعدد القتلى لكنه من المرجح أنهم زادوا على ثلاثمائة من بينهم عشرون جنديا وقد جرح المئات وبعد وقت قصير نفد الدم لدى المستخدمين في مستشفى الملكة اليزابيث الذين كانوا يعملون ليل ونهار وأذاعوا بأنه لا طائل من وراء إحضار الجرحى دون متبرعين بدمائهم ومع ذلك كانت تمر عبر بوابة المستشفى سيارات أجرة ملطخة بالدم لتفريغ حمولاتها الرهيبة من الموتى أو الذين هم على وشك الموت للحصول على أية معالجة ممكنة وفي اليوم الأول من القتال أتت عصابة من الرجال المسلحين واختطفت اثنتين من الممرضات تحت بصر المستخدمين المذعورين لقد نقلا على عجل إلى حي الشيخ عثمان للاعتناء بالجرحى من الجبهة القومية لتحرير جنوب اليمن المحتل ثم أخذا فيما بعد إلى داخل البلاد للقيام بنفس العمل وبعد ذلك ثم إحضار المزيد من رجال الشرطة لإيهام المستخدمين الموظفين مع الجبهة القومية لتحرير جنوب اليمن المحتل أما أولئك الذين كانوا لا يزالون يكنون الاحترام لجبهة تحرير جنوب اليمن المحتل فقد تناسوها بسرعة .وبينما كان القتال الرئيسي يدور في أحياء الشيخ عثمان والمنصورة ومجمع دار سعد وقعت معارك في أماكن أخرى في (ستيمر بو ينت) انتقلت الجبهة القومية لتحرير جنوب اليمن المحتل إلى تومسون ورجاله بينما كان رجال البحرية والصحفيون يشاهدون القتال من مكانهم في (( كلوك تاور هيل )). وفي عدن الصغرى أطلق قتلة من جبهة تحرير جنوب اليمن المحتل النار من سيارة على شرطي موال للجبهة القومية لتحرير جنوب اليمن المحتل كان جالساً مع عائلته خارج منزله ولم يبق هادئا سوى حي كريتر الذي كان موالياً تماماً لجبهة تحرير جنوب اليمن المحتل وتحت السيطرة المحكمة لقوات (( ارجليزز )) وكان هناك تخوف حقيقي من انه ٍإذا أرادت الجبهة القومية لتحرير جنوب اليمن المحتل أن تسيطر فإن عليها أن تحول كريتر إلى ساحة حرب أخرى وتمت إزالة الخطر من قبل جيش الجنوب العربي والشرطه اللذين كانا يتنقلان بهدوء من باب إلى باب ويعتقلان كبار شخصيات جبهة تحرير جنوب اليمن المحتل وبينما كانت قوات ( ارجليز) تسيطر عليه لم تحرك ساكن وكأن هناك اتفاق مسبق بذلك ونود أن نورد هذه القصة لارتباطها بالحدث، فقد ورد عن مخالفات قوات ارجليز الآتي: 1 - كان هناك جانب قائم لأعمال قوات ارجليز. ففي يناير 1981م حكم على ثلاثة جنود من قوات ارجليز وسزر لاند هايلاندر لقتلهم ثلاثة من المزارعين خلال خدمتهم في ايرلندا الشمالية وقد تمت إدانتهم بعد أن كشف عنهم أحد زملائهم الجنود الذي أقلقه أن يكون أحد الرجال المشتركين في الجيش عن عملية القتل ريبر من ورد كشاير ولم يكشف علنا عن اسمه وخلال التحقيقات أعطى الخبر أيضاً تفاصيل إلى فرع التحقيق الخاص في الجيش عن أعمال وحشية مزعومة ارتكبت في حي كريتر عندما كانوا هناك قبل انسحاب بريطانيا من جنوب اليمن . وحسبما تأكد لم يتخذ أي إجراء بهذا الخصوص. وفي الأسابيع التي تلت المحاكمة تقدم الجندي الذي فصل من الخدمة إلى صحيفة (جلاسكو سنداي تايمز) التي أجرت تحقيقاً دقيقاً وشاملاً وتمت مقابلة العشرات من الجنود السابقين وأكد العديد منهم بأنه لم يحدث سوء تصرف وفي النهاية وقع 12 على بيانات أقسموا فيها اليمين وأعطوا تفاصيل عن أعمال السرقة والقتل التي ارتكبها الضباط والجنود واعترف أحد الجنود بأنه أطلق النار شخصياً على خمسة من العرب غير المسلحين في حوادث مختلفة زعم العديد بقتل أشخاص بواسطة حقنهم بالمورفين واطلاق النار عليهم وادعى آخرون بأنهم شهدوا بألم وحزن الطريقة الوحشية التي قتل فيها شخص في سن المراهقة وجد في مقهى بعد سريان مفعول نظام منع التجول وطعن بالحربة حتى الموت وبناء على أوامر أحد الضباط وزعموا أن مهمة سد الطرق كانت تفسح المجال للقيام بعدد من السرقات وقد نشرت كافة هذه الأخبار وغيرها في صحيفة (صنداي ميل) في طبعاتها الصادرة في 26 ابريل ومايو 1981م وفي الأيام التي تلت النشر فكت الصحيفة خطين تليفونيين مفتوحين لمعرفة رد الجمهور وقد كانت عدة مكالمات بذيئة لكن عدداً من تلك المكالمات من جنود أيدوا تلك المزاعم ومن بينهم بعض أولئك الذين أنكروها من قبل. وأرسل الملف إلى جنود أيدوا يونجر وزير الدولة لشؤون اسكتلندا في ذلك الوقت والذي كان هو بنفسه في السابق أحد جنود ارجليز وأحاله إلى الجهات القانونية للتحقيق وبعد مرور فترة 23 شهراً كتب وكيل التاج المعتمد إلى محرر صحيفة (صنداي ميل) نيابةً عن كبير محامي التاج الذي قرر بعدم رفع دعوى لقد استغرق التحقيق وقتاً طويلا وكما تدركون فعلاً كانت هناك صعوبة في محاولة العثور على بعض الضباط والرجال الذين كانوا في الخدمة العسكرية عام 1967م والذين تركوا الجيش منذ ذلك الوقت طلب مني كبير محامي التاج أن أشكر ( صنداي ميل) على استرعاء انتباهه لهذه المسألة (صنداي ميل 27 مارس 1983م) وقد أخذ أيضاً في الاعتبار المدة الزمنية القانونية المتعلقة بمقاضاة جرائم ارتكبت منذ وقت طويل في أرض أجنبية. وطوال إذاعة هذه المزاعم لم يصدر اقتراح أو تأكيد بأن القائد المسؤول اللفتانت كيرنل كولن ميتشل قد علم أو اشترك في أي من تلك الأعمال الوحشية المزعومة ورفض بثبات أن يعلق على تلك المزاعم. وطلب جنود الارجليز أنفسهم في التحقيق وفي القيادة العسكرية العليا في قصر ستير لنج تعرض أوسمة الشرف العسكرية والذكريات الحربية التي تضم تاريخاً طويلاً من الأعمال المجيدة وان الإشارة إلى عدن ضعيفة ومكبوتة للغاية. وردت القصة في كتاب (الرمال المتحركة الفصل الحادي عشر - هكذا الرحيل - 2/ نوفمبر - 29/نوفمبر/1967م - لكاتبه الضابط السياسي البريطاني ديفيد ليدجر 1983م) وقد أخذت بعض المعلومات الواردة من هذا الكتاب.وحالما تمت لها السيطرة قامت الجبهة القومية لتحرير جنوب اليمن المحتل التي غالبا ما كان يصحبها رجال الجيش الاتحادي أو الشرطة بعمليات اعتقال علنية في المستعمرة لأولئك الذين كانت تشتبه بتعاطفهم مع جبهة تحرير جنوب اليمن المحتل أو البريطانيين ولم يكن أي شخص بأمان حتى أفراد الجيش وفي 8 نوفمبر قتل حوالي عشرين ضابطا وجنديا أثناء الليل واقتيدوا إلى زنجبار للتحقيق معهم وكان الرائد محمد صالح وهو من أصغر أعضاء أسرة ألفضلي الحاكمة يقف خارج مطعم الضباط في سيدر سير لا ينز عندما حاول ثلاثة من المدنيين المسلحين التابعين للجبهة القومية لتحرير جنوب اليمن المحتل إلقاءه في المكان الفارغ الخلفي لأحدى الشاحنات لكنه تخلص منهم وهرب إلى غرفة العمليات التي كان يديرها عربيان وضابط بريطاني ووقف ثلاثة جانبا بينما تم جر الرائد إلى الخارج وبحدوث مثل هذه الأشياء في الجيش لم يكن هناك أي أمل لأي شخص آخر .وأخيرا قام كين جونز مدير الخدمات الصحية وآخر مدني بريطاني كان لا يزال يعمل مع حكومة الجنوب العربي بترك عمله عندما اقتحم شرطيون مسلحون مكتبه في خور مكسر واقتادوا أحد الموظفين وقد أفرج عن العديد ممن تم استجوابهم من قبل القيادات المختلفة للجبهة القومية لتحرير جنوب اليمن المحتل لكن مصير الآخرين غير مؤكد ولقد أقيمت معسكرات اعتقال في زنجبار ولودر وعند حصول البلاد على الاستقلال ذكر تقرير للجبهة القومية لتحرير جنوب اليمن المحتل بأن عدد المحتجزين بلغ 1.500 من بينهم 400 كانوا في سجن زنجبار الذي بني لاستيعاب خمسين شخصا فقط .إن القتال الضاري في الشيخ عثمان والتدهور العام للأوضاع أثار ذعرا شديدا لدى المندوب السامي الذي تقدم بخطة أطلق عليها اسم عملية ( فيجيز ) من أجل الإجلاء السريع لمائة مدني بريطاني أو ما يقرب من ذلك كانوا لا يزالون في البلاد وكان يعيش معظم هؤلاء في مجمعين محاطين بالحراسة في الطرفين المقابلين للمستعمرة وسلم كل فرد تعليمات بأن يعبئ حقائبه ويجمع حاجياته لمدة أربع وعشرين ساعة تستهلك عند الطوارئ ويحضر بطانية وحالما تذاع الكلمات ( فيجيز فيجيز . فيجيز ) من راديو القوات فإن عليهم جميعا أن يتوجهوا إلى نقاط التجمع والتي تم التبليغ عن أماكنها شفويا كإجراء أمني زائد ومن تلك النقاط يجري نقلهم جوا بواسطة طائرات عموديه إلى الأسطول الذي في انتظارهم .وقوبلت الخطة بالهدوء وبعض التهكم الزائد الممزوج بالدعابة حيث إن ذوي الأمزجة العصبية غادروا المكان منذ وقت طويل وكان الحديث بينهم يدور بشكل رئيسي حول معنى الاسم الرمزي الغريب لآخر قوة بريطانية منسحبة.لكنه عرف بعد ذلك بوقت قصير أن ( فيجيز ) كان ضابطا سياسيا أسطوريا في حضرموت عندما كانت الإدارة البريطانية في المنطقة في عنفوانها وكان فيجيز حسب الرواية ميالا إلى الاختفاء في الصحراء ومعه كرتون من شراب ( الجن ) والامتناع عن الرد على أية إشارات ترسل إليه وفي النهاية رد على استفسارات ملحة بخصوص آرائه عن الأوضاع أبرق يقول : ( إن جميع البدو أبناء زنا فيجيز ) وقد تم طرد فيجيز من قبل حاكم لحقه العار بسبب عمل فاضح وحتى بعد ذلك التاريخ ، عندما وجد المسؤولون السياسون أن الحياة لا تطاق، كانت المندوبية السامية تتلقى إشارات تنص على الآتي : ( فيجيز كان مصيباً ) ، وفي نوفمبر 1967 م لابد ان معظم البريطانيين الذين كانوا لا يزالون في عدن قد كانوا على اتفاق كامل مع فيجيز.وبعدما عرف مدى انتصار الجبهةالقومية لتحرير جنوب اليمن المحتل واعتراف الجيش الاتحادي بها ، قطع وفدها في القاهرة بشكل مفاجئ المحادثات مع جبهة تحرير جنوب اليمن المحتل وناشدت الجبهة القومية البريطانيين بأن يقوموا بإجراء محادثات مباشرة معها ، لقد حدث تأخير لمدة ثلاثة أيام ريثما أجرى العقيد عبدالله صالح سبعة حواراً مع المندوبية السامية ، لقد بدأ مدير شرطة الجنوب العربي يصبح بسرعة صاحب سلطة في البلاد ، ولقد أسرع في استغلال اسهاماته الكبيرة من أجل انتصار الجبهة القومية لتحرير جنوب اليمن المحتل لتعزيز مركزه ، وفي 14 نوفمبر أعلن أخيراً أن محادثات سوف تبدأ بعد أسبوع وأن مكانها سيكون في جنيف وإثناء الأيام الثلاثة التي مضت قبل الإعلان عن بدء المحادثات وقعت الهجمات النهائية على القوات البريطانية في ستيمر بو ينت وقد أصيب شاب من رجال البحرية بجروح بليغة وكانت آخر إصابة تقع بين البريطانيين أما ميختل فقد اغتيل بعد ذلك بأسبوع وطوال الفترة النهائية كان اندريه روشا مندوب الصليب الأحمر الدولي في عدن يعمل في المحيط الذي يلائم طبيعته لقد ذهب إلى الشيخ عثمان في معمعة القتال للتخفيف من سوء أحوال المقيمين في مستشفى الأمراض العقلية الذين تخلى عنهم ممرضوهم وأصبحوا بلا مأوى الآن حول روشا اهتمامه إلى باقي المحتجزين لقد كان لا يزال محتجزا في دار الحراسة في (ستيمر بو يت) 31 شخصا وضعوا تحت رحمة الأقدار أكثر من أي شيء آخر فلم يكونوا بأي حال من كبار الفدائيين بل إن معظمهم كان من بين أولئك الذين أسرتهم القوات في المناوشات الأخيرة لقد كان واحد وعشرون منهم أعضاء في جبهة تحرير جنوب اليمن المحتل وأعلنوا بالاجماع أنهم لا يعترفون بوضع ثقتهم بجنوب عربي تحكمة الجبهة القومية لتحرير جنوب اليمن المحتل وأعد روشا الترتيبات لهم من أجل تسفيرهم جوا إلى مصر وفي 16 نوفمبر فتحت أبواب السجن وصعد رجال جبهة تحرير جنوب اليمن المحتل على متن طائرة تابعة للخطوط الجوية العربية المتحدة بينما كانت الجبهة القومية لتحرير جنوب اليمن المحتل تستقبل باحتفالات صاخبة في شوارع المعلا ؟والآن أصبحت الجبهة القومية لتحرير جنوب اليمن المحتل تتصرف كحكومة مؤقتة. وعن طريق جيش الجنوب العربي أصدرت إنذارا نهائيا لمدة يومين يدعو إلى تسليم كافة الأسلحة في لحج وعدن وكان كل شخص يحمل أسلحة بعد انتهاء المدة المحدودة سيتعرض إلى عقوبات شديدة بما فيها عقوبة الموت وهنا واجهت الجبهة القومية لتحرير جنوب اليمن المحتل أول مصاعبها لقد أمتنع فدائيو الجبهة القومية لتحرير جنوب اليمن المحتل عن تلبية الإنذار النهائي ما أوجب تمديد فترته ( لأنه كان يسير بشكل مرض ) وفي أماكن أخرى بدأت المصاعب تظهر ففي الولايات المحررة أرسل رؤساء المصالح الحكومية التابعين للجبهة القومية لتحرير جنوب اليمن المحتل وغالبا ما كانوا من معلمي المدارس الصغار بل وحتى من الطلبة لتوعية القبائل وفي البداية استقبلوا باهتمام على احتمال أنهم يجلبون معهم العطايا ولكن بعد ذلك عندما بدءوا يطالبون بدفع الضرائب تغيرت مواقف القبائل ومنهم من عبر عن ذلك شعراً. أما المصريون فقد عبر عن رأيهم من المستجدات في جنوب اليمن الكاتب عادل رضا في كتابه( ثورة الجنوب تجربة النضال وقضايا المستقبل) ص 385 - 386 ، الصادر عن دار المعارف بمصر طبعة أولى عام 1969م. وكان متواجداً منذ تأسيس جبهة جنوب تحرير اليمن المحتل في فبراير 1963م وما لحق بعد ذلك في مسار الحركة الوطنية في جنوب اليمن المحتل واطلاعه على كل اللقاءات التي كانت تتم بين زعماء الحركات الوطنية والجهاز العربي المصري بمدينة تعز حيث قال: إن أية قوة من القوى الوطنية ذات التأثير الشعبي لا تستطيع بمفردها بعيداً عن تحالف القوى الثورية الأخرى أن تتحمل أعباء ومسئوليات ما بعد معركة التحرير , وإن الوضع الطبيعي للأمور هو تحقيق تحالف وطني بين القوى التي شاركت في النضال المسلح ، وتلك التي لها تأثير فعلي على ساحة المنطقة من القوى الوطنية الأخرى . وهذه الحقيقة قد تكون في الماضي مجرد وجهة نظر نظرية وسطحية ، ولكنها في المرحلة الراهنة أصبحت عملياً أكثر من ضرورة ، فرضها واقع المنطقة ، وأكدتها الأحداث التي تلت تسلم الجبهة القومية في 30نوفمبر 1967حكم البلاد .من اليوم الأول الذي تلى 30نوفمبر 1967وأعقب رحيل الاستعمار عن المنطقة ، بدا لمراقبين أن الاستقلال الذي انتزع بالقوة وبالنضال المسلح خلق بين مآس وأحزان ومشاهد وملاحم دامية، وضحت للمراقبين بما لا يدع مجالاً للشك، أن شعب المنطقة في معظمه لم يستقبل اللحظات التاريخية لاستقلال المنطقة بالبهجة التي استقبلت بها شعوب قبله مثل هذا اليوم . ذلك لأن بعض العناصر الثورية التي شاركت في معركة التحرير ضد الاستعمار كانت بين مطارد في الصحراء ، أو شهيد ، أو مشرد أو معتقل . كانت معظم الأسر قد تركت منازلها ورحلت إلى شمال اليمن (الجمهورية العربية اليمنية) عقب الاقتتال الأهلي بين الجبهتين والذي سبق الاستقلال بأيام معدودات . وهنا بدأ المشهد للمراقبين كئيباً وحزيناً رغم الفرحة الجزئية التي تمثلت في المنتصرين من رجالات الجبهة القومية . ودخل الجنوب من لحظات الاستقلال الأولى في مشاكل ما بعد الاستقلال المتعددة الجوانب ، كمن يدخل في غابة لا منفذ للخروج منها ، ولا نهاية لمسالكها ، وتصدرت الجبهة القومية لأعباء الحكم ، ومن اليوم الأول وضح تماماًً أن المشكلة الأساسية هي مشكلة الفراغ الذي طرأ على الساحة باستئثار الجبهة القومية منفردة بالحكم بعيداً عن القوى الثورية الأخرى التي شاركت في النضال ضد الاستعمار . وكان طبيعياً أن تتعمق داخل صفوف الجبهة نفسها مشاكل داخلية ، منها دخول الأفواج المؤمنة وغير المؤمنة إلى صفوفها البورجوازية والكادحة ، وقوى أخرى جاملت الحكم أو القوى المنتصرة بهدف المحافظة على مصالحها . ونتيجة لهذه التناقضات التي رافقت استئثار الجبهة القومية بالحكم ، ودخول هذه القوى المتناقضة في صفوف الجبهة القومية وهو التنظيم الذي أعلن نفسه (الحزب الحاكم) في المنطقة... وكان من نتيجة هذا التناقض الذي طرأ على تنظيم الجبهة القومية ، وعلى نوعياته الثورية، أن كل شيء كان يرتكب باسم الجبهة. ومن جهة أخرى كان الاضطهاد يمارس بلا حساب وبلا انضباط ضد القوى الوطنية الأخرى ، وكذلك أعمال تهديد المواطنين ومن ضمنهم التجار الذين اضطر بعضهم تحت حكم الجبهة القومية والنظريات المتطرفة إلى تهريب أمواله إلى الخارج . وتسلمت الجبهة القومية السلطة دون برنامج محدد، ودون تخطيط وتنظيم للمؤسسات التي كان أن تضطلع بمهمات وأعباء مرحلة ما بعد الاستقلال، ولقد لعبت فرحة الانتصار دورها في عقول وأفكار القمة والقاعدة على السواء مما وضع تنظيم الجبهة القومية أمام مشكلة أكثر خطراً وتعقيداً من المشاكل التي خلفها الاستعمار، ومنها مشكلة الاقتصاد المنهار ، التي تعتبر المشكلة الأساسية للدولة حديثة الاستقلال. وكانت الأوضاع في شمال اليمن أحداثها تسير بين المد ولجزر بين الجمهوريين والملكيين. ففي سبتمبر 1967م توصل الممثلون السعوديون والمصريون إلى اتفاق في الخرطوم فلقد وافقت القوات المصرية على الانسحاب مقابل إيقاف المملكة العربية السعودية مساعدتها للملكيين. وفي 12 أكتوبر تم جلاء المصريون عن صنعاء آخذين معهم كل المعدات الثقيلة والسيارات المصفحة ومدافع الميدان، وفي 5 نوفمبر غادر الرئيس السلال اليمن زاعماً أنه سيحضر الذكرى الخمسين للثورة الروسية في موسكو بينما أشاع سراً بانه لن يعود وأنه سيلجأ إلى العراق وفي اليوم التالي أعلن عن الإطاحة به في انقلاب عسكري هادئ). وشن الملكيون والقبائل هجوماً على صنعاء، وفي أول ديسمبر 1967م حيث حاصر حوالي 20.000 منهم صنعاء بقيادة ابن عم الإمام محمد بن حسين وقد عززت ذكرى كانت الاستيلاء على المدينة من قبل الإمام أحمد عام 1948م وسلبها ونهبها مع تصميم المدافعين عنها وعددهم 3000 على المقاومة ووصل الفريق/ حسن العمري إلى صنعاء لتولي زمام القيادة ورفع شعار الجمهورية أو الموت ووزع الأسلحة على المواطنين الذين شكلت من بينهم فرق جمهورية خاصة سميت بالمقاومة الشعبية ولما كان السكان يقضون شهر رمضان في ذلك الوقت لم يكن الملكيون نشطين إلى حد كبير في الأيام الأولى من الحصار ما ساعد الجمهوريين على إحضار التعزيزات وقد نقلت جواً كل من الجزائر والاتحاد السوفيتي كميات هائلة من المساعدات كما قدمتا دعماً مالياً، وفي يناير أتى من مدينة تعز 600 متطوع من عناصر جبهة تحرير جنوب اليمن المحتل خرجوا من عدن بينما أرسل الجنوب العربي المزيد من الدعم إلى مدينة الحديدة والى جانب الأسلحة والذخيرة وحول حريب وبيحان في الشرق تعاونت القوات اليمنية والجمهورية الجنوبية الشعبية في اتجاه آخر ضد القبائل الملكية وشن محمد بن حسين ثلاث هجمات فاشلة ولم يتمكن من تنسيق قواته التي بدأت تتراجع ، وفي 8 فبراير 1968م صعدت قوة بقيادة أحمد عبد ربه العواضي من بينها وحدات من المتطوعين بالمقاومة الشعبية إلى الطريق الممتد من الحديدة إلى صنعاء وفكت الحصار عن المدينة وبهذا أسهمت المساعدات الجزائرية والروسية واستبسال وثبات القوات الجمهورية والمقاومة الشعبية وقوات جبهة تحرير جنوب اليمن المحتل جميعها فازت بالنصر المباشر.، وكانت القوات الشعبية تضم في صفوفها منهم منتمون إلى الجبهة القومية لتحرير جنوب اليمن المحتل ومنهم منتمون إلى جبهة تحرير اليمن المحتل لا زالت جراحهم في أجسادهم لم تندمل من آثار الحرب الأهلية بين الجبهتين في عدن والتي لم يمضي على توقيفها سوى ثلاثة أسابيع فقط منذ حسمها الجيش لصالح الجبهة القومية وحضروا دفاعاً عن الثورة والجمهورية وعاصمتها المحاصرة حضروا إلى صنعاء وجمعهم الخندق الواحد برغم ما جرى بينهما في الحرب الأهلية.وقد جاء أحد الضباط الذين كان لهم شرف المشاركة في معركة السبعين يوماً ليقود الأمة إلى هدف سامي من أهداف الثورة اليمنية وهي الوحدة التي تحققت في يوم 22 من مايو 1990م بقيادة ابن اليمن البار فخامة الرئيس/ علي عبد الله صالح حفظه الله ورعاه. والله من وراء القصد ،،،[c1]* ورقة مقدمة إلى الجزء الخامس من ندوة «توثيق تاريخ الثورة اليمنية » عدن ، ديسمبر2007 [/c]
|
آراء حرة
جرائم حرب ارتكبت في حي كريتر خلال الفترة من 7 / 11/ 1967م وحتى 29 / 11 / 1967م
أخبار متعلقة