الخطاب الأخير للسيد حسن نصرالله، الأمين العام لحزب الله، افتقد كل معاني الحكمة السياسية شكلاً ومضموناً، فمن ناحية الشكل، بدا السيد نصر الله عصبياً متوتراً، ومن ناحية المضمون، كان الخطاب مشوشاً ومرتبكاً ومتناقضاً، والأخطر أنه امتلأ باتهامات تخوينية قاسية للحكومة ورئيسها وقوى «14 آذار» الوطنية.لم يكن السيد حسن نصرالله موفقاً هذه المرة، ولم تكن هذه عادته في خطاباته السابقة المتزنة، ولم تكن هذه الصورة المتشنجة هي صورته التي انطبعت في نفوس الملايين التي صفقت له على امتداد الوطن العربي والعالم الإسلامي كمجاهد.ما الذي حصل للسيد ولحزبه حتى يطل على الناس بهذا الخطاب التخويني الظالم؟ وماذا يريد السيد وحزبه من كيل الاتهامات للقوى الوطنية في ولائهم الوطني؟ ولماذا يواصل المعاون السياسي للسيد نصرالله حملات (التخوين) للحريري ومن معه؟هناك تفسيرات عدة تشخص الحالة بأن الحزب «مأزوم» منذ حرب الثلاثة والثلاثين يوماً التي جرت الكارثة على لبنان وعلى الطائفة الشيعية بالذات، وكما يقول رضوان السيد »إن الطائفة الشيعية تلقت ضربة قاسية جداً بغض النظر عن مدى ما أصاب البنية العسكرية للحزب من أضرار« قدرها أمير طاهري ب (2000) مقاتل غير تدمير محطات الطاقة والصواريخ، علماً بأن إسرائيل لم تحارب إلا ب 15 في المئة من قوتها، غير الأضرار الأخرى التي لحقت بلبنان والتي قدرت ب (6 آلاف) بين قتلى وجرحى وتدمير 65 في المئة من البنية التحتية و45 في المئة من الطرقات و72 جسراً وضرب الموسم السياحي.وقد فسر بعض المحللين الخطأ الكارثي الذي وقع فيه حزب الله بأنه »فخ« وقع فيه نتيجة حساباته الخطأ.صحيح أن الحزب حاول أن يقنع نفسه وأنصاره بالنصر الإلهي الذي تحقق ولكن ذلك من باب خداع الذات... إذ كيف يتأتي النفصر مع خراب الديار؟وتزايد إحساس الحزب بوطأة (الأزمة) بتزايد شعوره بأن سلاحه الذي كان يفاخر به - حامياً - للبنان، لم يغن شيئاً وفقد مبرر وجوده، بل تسبب في خراب لبنان، ثم تفاقمت (الأزمة) بصدور القرار الدولي الذي حيد سلاحه ضد إسرائيل بالشريط الفاصل في الجنوب، وكان الحزب - كما يقول سعد بن طفلة - يكرر دوماً أن بنادقه وأسلحته موجهة للعدو الإسرائيلي، ثم جاءت الحرب الثلاثينية لتغير الحسابات وتلف أعناق البنادق.ماذا يفعل الحزب لتنفيس شحنة (التأزم) التي يعانيها؟ وكيف يبرر خسائره أمام أنصاره والشعب اللبناني؟ بدأ (أولاً) بالادعاء بالنصر الإلهي لإقناع الشيعة المفجوعين من جراء الخسائر الهائلة، و(ثانياً) بحث عن عدو داخلي يحمله المسؤولية وكما يقول رضوان السيد بدأ الأمر باتهام الحكومة بالتقصير ثم زعم تواطؤها مع الأميركيين والإسرائيليين والمطالبة بحكومة وحدة وطنية لاكتساب مواقع جديدة في التركيبة اللبنانية الهشة.الآن ما أسلحة حزب الله في مطالبته بالثلث المعطل؟(السلاح الأول) الذي لجأ إليه الحزب، دعوة أنصاره للنزول للشارع للاعتصام والمسيرات، ولكن السؤال إلى متى يبقى الحزب معتصماً في الشارع؟لايبدو في الأفق ما يشير إلى نجاح الحزب في مسعاه لإسقاط الحكومة بعد الإجماع اللبناني والعربي والدولي الذي حظيت به الحكومة اللبنانية، وقد أصدر مجلس الأمن بياناً رئاسياً يدعم بلا تحفظ حكومة السنيورة المنتخبة ديمقراطياً. كما قام جميع زعماء السنة في لبنان بإصدار تصريحات مؤداها بأن إسقاط الحكومة خط أحمر، أما تصرف فتحي يكن فمثل شذوذاً على الإجماع فقد قيمته وتأثيره، وقد ردت الأكثرية على الأقلية المعتصمة: لا ثلث معطلاً في الحكومة ولو اعتصمت المعارضة في الشارع (10) سنوات.أما (السلاح الثاني) الذي لجأ إليه الحزب في صراعه مع الحكومة فهو سلاح (التخوين) والاتهام بالعمالة، ولكن هذا اتهام خطر ومتناقض، إذ كيف قبل الحزب المشاركة في حكومة يتهمها بالعمالة؟ وكيف يطالب بالثلث المعطل في حكومة خائنة؟إن التخوين مثل التكفير وجهان لعملة إقصائية متطرفة واحدة لايجوز أن يلجأ إليه السيد نصر الله تحت أي ظرف ومهما كانت المبررات، وهي تهمة خطيرة تمثل إفلاساً سياسياً وفكرياً وعجزاً فاضحاً للحزب الذي يتهم الآخرين، وكما أننا لا نخون الحزب ولا نشكك في انتمائه الوطني بسبب تحالفاته الخارجية مع النظامين السوري والإيراني وحصوله على السلاح والمال المدعومين من الحلفاء، كذلك نستنكر على الحزب ومسؤوليه تشكيكهم في وطنية الحكومة وقوى الأكثرية، هذا منزلق خطير كنا نربأ بالحزب أن لايقع فيه. لقد تجاوزت مجتمعاتنا حقبة الستينات التي كانت فيها الأنظمة القمعية تتفنن في إلصاق تهم العمالة والخيانة بالمعارضة السياسية، وكنا نظن أننا نضجنا وتخلصنا من هذه التهم المضحكة.إن التخوين يعني أن السيد نصر الله وحزبه وأنصاره والمتحالفين معه هم الوطنيون الوحيدون، وهو نوع من الوصاية الكاذبة والغرور الاستعلائي والاحتكار للولاء الوطني الذي لو ساد في المجتمع فإننا سنخون بعضنا بعضاً، ونكفر بعضناً بعضاً. وإذا كان القرآن الكريم يقول للرسول الكريم »لست عليهم بمسيطر« وينفي عنه أن يكون وكيلاً ووصياً فكيف ساغ ذلك لحزب سياسي؟ يكفي الشيعة ما يعانونه من متعصبي السنة الذين أصدروا بياناً يناصرون فيه سنة العراق ويتهمون الشيعة هناك بتهم ما أنزل الله بها من سلطان. كفانا اتهاماً لبعضنا في الوطنية والدين، وكما أن انتشار ثقافة التكفير يضعف التحصين الداخلي للمجتمع أمام فيروسات التطرف، فكذلك انتشار ثقافة التخوين يضعف المناعة الداخلية للمجتمع بما يمهد للاختراق الخارجي والحرب الأهلية.ــــــــــــــــــــــــــــــ* [c1]كاتب وأكاديمي قطري / عميد كلية القانون والشريعة بجامعة الدوحة سابقا ً.
|
فكر
لماذا يلجأ "حزب الله" إلى سلاح التخوين؟!
أخبار متعلقة