اعداد/ داليا عدنان الصادقاثار هذا الرجل دهشة كل من حوله في مدينة “نيسابور” الفارسية .. إنه ينكفئ طيلة ساعات الصباح على عمله في صناعة الخيام دون ان يتحدث مع من حوله كان يفعل شيئاً واحداً فقط .. إنه كان يغني وهو يعمل .اسمه غريب إنه “ غياث الدين عمر “ وعلى الرغم من ذلك فإن الجميع كانوا ينادونه باسم آخر .. انه اسم أبيه الذي يعمل مثله في صناعة الخيام .كان المحيطون به يعرفون انه يغني وان القصائد التي يرددها من تأليفه و “دندنته “ لكن لم يكن أحد يعرف ان هذا الرجل ينظر إلى الزخرفة الجميلة .. بالغة التعقيد التي يقوم بها في الخيام على أنها نوع من العمليات الرياضية التي لايفهمها غيره .إنه رجل غريب ينادونه “ بالخيام “ أو “الخيامي” فهو خيامي شاطر وشاعر بارع وعاشق متيم بعلوم الرياضة وعلى الرغم من صغر سنه فهو واحد من أشهر الاشخاص في مدينة “نيسابور” في تلك الحقبة انها مدينة كبيرة وعاصمة لاقليم “خراسان ” التي ولد فيها الكثير من المشاهير المسلمين في كل فروع العلم والابداع .. كان عليه أن يرث مهنة أبيه وان يحبها.لكن كان عليه ايضاً ان يكتشف في تلك الزخارف التي يقوم بتشكيلها في الخيام رؤية مختلفة قال لأبيه :“ هناك تآلف بين هذه المربعات ولو وضعنا مربعاً إلى جوار مستطيل فسيكون الشكل مختلفاً”.لم يفهم الاب “ عمر إبراهيم” ما يقوله ابنه لكن “ غياث الدين عمر “ كان قد رأى العالم من رؤى مغايرة واكتشف ان الله سبحانه وتعالى خلق الكون بمنظور هندسي مليء بالاعجاز وقرر أن يتعمق أكثر في علوم الحساب والهندسة والجبر .وعندما بلغ الخيام الخامسة عشرة من العمر في العام 1063الميلادي “465هـ” صار أشهر خيام في “نيسابور” وأبرز شاعر بين كبار الشعراء في المدينة وهو دارس في علوم الرياضيات .وبدأت مشكلة غير متوقعة بالنسبة للشاب .. فهذه المواهب الخارقة المتوحدة معاً جعلته يصادق من يكبرونه سناً سواء من الشعراء أو من قدامى صانعي الخيام أو من العلماء .استطاع ان يقيس الزوايا القائمة والمنحنية لأعمدة الخيام وأن يصنع الارتفاع الأمثل لها .. وفي مجالس الشعراء أسمعهم أبياته الرائعة وفي نقاشات العلماء قال يوم100 وبهذا العقل النادر راح يفكر في الكون من حوله واكتشف ان الله الخالق العظيم هو المهندس الذي بنى هذا العالم على أسس هندسية معقدة وقال :سوف يظل البشر آلاف السنين يفتشون عن سر خلق الكون ولن يصلوا إلى قشور الجوهر.كان عقله لايكف عن البحث في اشياء عديدة .وعبر عن رايه في قصائده التي عرفت باسم “ رباعيات الخيام “ التي فيها رؤية وفلسفة وإيمان عميق .وفي العلم توصل إلى معرفة وحل الكثير من المعادلات الصعبة وتوصل إلى حساب قيمة الجذر التكعيبي للرقم “2”.وهو أمر لم يصل إليه أحد من قبل بهذه الطريقة الجديدة سأله صديقه “ أبو العز ”: كيف تجمع بين كل هذه الاشياء معاً “رد بكل بساطة : الشاعر يساعدني في تصور شكل الجذر التربيعي .. والمخروط الهندسي يبدو أمامي وأنا أكتب قصيدة عن الكون.وكان يؤلف كتبه العديدة في الرياضيات بأسلوب الشاعر ومن هذه الكتب “ رسالة الميزان الجبري “ وكتاب “ مشكلات الحساب “ كما لوحظت بعض التعبيرات العلمية والفلسفية في قصائده .وأثار دهشة الناس حين كتب كتاباً في الفن الذي يحبه ويمارسه منذ ان كان خياماً أنه الغناء والموسيقى فقد ألف كتاباً يحمل عنوان “كتاب الموسيقى الكبير ”.ولم يجد حرجاً حين قال له رجل :اخبرني يامن يسمونك ابو الفتح غياث الدين عمر بن إبراهيم الخيام النيسابوري .. هل انت عدة رجال في رجل واحد ؟فأجاب :“ بل يجب ان يكون للرجل الواحد اهتمامات كثيرة مادام الله اعطاه القدرة على الاستيعاب ”.وإلى جوار هذه الكتب العلمية الكثيرة التي تركها “ابن الخيام “ ديوانه المعروف باسم “ رباعيات الخيام “ الذي ترجمه سليم البستاني من الفارسية إلى العربية وترجمه ايضاً الشاعر أحمد رامي .لكن حياة “ عمر الخيام “ المثيرة للدهشة تحولت إلى رواية ضخمة كتبها الروائي اللبناني أمين معلوف عام 1989م باسم “سمرقند “ ياله من عدة رجال في واحد
|
ثقافة
عمر الخيام.. رجال كثيرون .. في شخص واحد
أخبار متعلقة