قصة قصيرة
السماء ملبدة بالغيوم وحرارة شهر يوليو تحمل في طياتها رطوبة لزجة تصاحبها رياح حارة تشوي الوجوه هو لا يستطيع الخروج بسبب تلك الحرارة ..تكاسل هذا الصباح عن الخروج كل ما يريده البحث عن عمل يليق به رغم الوعود التي حصل عليها بالعمل لكنه أخفق ..كان صاحبه قد وعده بعمل لكن ذلك الوعد لم يتم .. بات ليلته يكتب عريضة لتقديمها الى جهة العمل بعد أن فشل كل المحاولات بالبحث عن عمل حر . ظل يكتب ويمزق تلك الأوراق لا يعرف ماذا يكتب هو خريج جامعي من أعوام متأخرة تقادم عليها الزمن لم يتذكر العام الدراسي الذي تخرج رفضوا توظيفه.قالوا له : ضع ملفك وعنوانك وسيتم فيه استدعاؤك عند الطلب فعل ما طلب منه هو يعرف أن مجال عمله مفتوح .. عمل في حقل التدريس وباجر زهيد ثم انصرف عن ذلك .قال في نفسه: أعوام عشرة لا أتذكر متى كان التخرج ..كتب في عريضته .. أنا .. خريج عام .. توقف قليلاً عن الكتابة .. لم يعجبه ما كتب .. العمل السابق تركه لأن الغش كان في التحصيل الدراسي .. طالب اليوم لاهم له سوى التفنن في البرشمة من أول العام الدراسي ( خير لي أن أكون حمالاً مما أرى من غش ومحاباة في المجال الدراسي) عمل مساعد نجار ثم حداداً كان العمل شاقاً ومتعباً لكن لقمة عيش حلال بحلال. عاود الكتابة مرة أخرى ..لا .. خريج أنا .. من قسم الفيزياء .. كلية .. توقف ..!! عن الكتابة كلية .تناول ورقة أخرى وكتب ما يريد كتابته .. ضاق عنده كل شيء .. الغرفة لم تتسع له . النوم استعصى عليه . لقد تغير اسم الكلية .. اصبح لها اسم آخر تنفس الصباح من عتمة الليل وتداخل النهار .صحا متكاسلاً لا يعرف كيف صحا مبكراً نهض مسرعاً يلملم حاله .. (مثل هذا اليوم ومنذ تخرجه من الجامعة لا يعرف هذا الكسل والخمول) . هذا الصباح يعرف إنه موعود بعمل لدى مكتب العمل بدأ بترتيب أوراقه التي سيقدمها الى الخدمة المدنية شهادة التخرج , شهادة تسنين , الصور المطلوبة, ورقة الطلب .هو .. يعرف كم من أوراق قدمت وكم من ملفات طويت وظلت في أدراج تلك المكاتب لا تعرف الوساطة وغيره .. لقد قدم ملفاً سابقاً تاه ولم يعرف أين هو قالوا: إن النظام قد تغير وإن هناك أولوية للخريجين القدماء حيث يوجد كمبيوتر لحفظ الملفات وأرقام تعطى للمتقدم فرح كثيراً لأن النظام سمة كل مجتمع متقدم ..فرح كطفل يلهو في ثدي أمه او خلا فسيح .. راح يختار الملبس الذي سيلبسه . ووضب ذقنه الذي ظل منكوشاً لا يعرف طعم حلاقة الموس . نظف حذاءه المهمل والذي لا تعرفه قدماه وأصلح حاله . خرج من منزله وهو نشوان يقرع الشارع كانت خطواته شبه عسكرية .يتخطى الارصفة يسابق الزمن الآتي يبحث عن مركوب لإيصاله الى مطلوبه تحسس جيوبه وجد عدة ريالات لإيصاله الى مقر العمل ولسد رمقه من جوع الأمس .. تذكر الأمس وتلك المصاعب والتعب . تنمل جسمه تذكر تلك الحالة التي مر بها عندما كان يتسلق تلك السيارات الخارجة من باب الميناء وقد أكل عليها الدهر وشرب يتسلقها لإنزال ما بها من حمولة . لا أحد يعرف أنه خريج جامعي كان يعمل ذلك بعض الاحيان لسد متطلباته اليومية من مأكل ومصروف جيب ومعونة لأسرته شبه الفقيرة .. تأمل فتحة بوابة الميناء قبل أن يضع رجله على الحافلة التي ستوصله الى مكتب الخدمة ظل يقلب ملفه من أول ورقة الى آخر ورقة .. توقفت الحافلة لم يبق سواه .. تداخلت بعض الافكار .. لم ينتبه ما لم يكن في الحسبان أناساً كثيرين تذكر الماضي وعشر سنوات مضت ..هنا لا تسمع الداعي من المجيب حشر نفسه بين تلك الكتل البشرية لعله يجد ضالته يسمع جعجعة ولا يرى طحيناً .. سأل نفسه أولاً أسئلة كثيرة !!؟ بعد أن غاص بين تلك الجموع . مكتب الخدمة المدنية , كان قفصه الصدري يعلو ويهبط من شدة الزحام - الأخ خريج جديد ؟هز رأسه بل قديم جداً .- سنة التخرج؟قبل عشر سنوات ونيف- عليك أن تأخذ أمراً من المدير العام لإدراج اسمك ضمن الخريجين القدماء - وأين المدير العام ؟ في العالي- وكيف الوصول إليه ؟ اخترق هذه الجموع ستصل إليه إذا لم يكن هناك مافيه أو عسكري يصدك عن الطريق.- وأنت هل أنت خريج ؟ قد أكون مثلك .فكر قليلاً قبل أن يخطو الى الامام قال في نفسه لن أصل الى المدير العام والحالة بهذا الشكل.. خرج مسرعاً يجر أذياله وهو يمسح قطرات العرق المتصبب . صادف أمامه أحد زملائه الذي كان معه في زمن ما لم يلتفت إليه أسقط دمعة ساخنة مسحها بكم يديه .قال في نفسه : هذه هي الصداقة المرة ( السيارات العتيقة أرحم من هذا ) انصرف عائداً الى باب الميناء يحمل معه ملفه العتيق كما هي السيارات التي يتسلقها , حمد الله وشكره على نعمته .. توضأ وصلى الظهر خرج هاديء البال . راض بالمقسوم وهو يقرأ قوله تعالى :”لكي لا تأسوا على ما فاتكم ولا تفرحوا بما آتاكم “ (صدق الله العظيم) - وتذكر قول الإمام الشافعي :ورزقك ليس ينقصه التأني وليس يزيد في الرزق العناءإذا ما كنت ذا قلب قنوع وأنت ومالك الدنيا سواء طوى ملفه تحت سترته وطوى معه زمناً بعيداً يجهله . قال في نفسه : المكتوب لابد أن يحصل .