د. جانا بوريسوفنا بعد بداية العام الجديد واصل البرلمان الروسي دورته الاعتيادية ليكون على رأس جدول أعماله،سبل مواجهة آثار ومضاعفات الأزمة المالية العالمية، وانخفاض أسعار النفط، الذي يهدد بعجز كبير في الموازنات الحكومية الروسية، ويعتقد رئيس البرلمان أن الأزمة المالية ليست منعطفا اقتصاديا تشهده السياسة الروسية والعالمية، وإنما هو بالدرجة الأولى منعطف سياسي، لما يحمله من تغييرات في سياسات الدول الكبرى. ويعتقد العديد من الباحثين الروس أن مشكلة توزيع الثروة وحل الأزمات الاقتصادية على حساب دافعي الضرائب خطأ فادح يزيد من الهوة بين الفقراء والأغنياء، ويهدد النظام العالمي الجديد. من جانب أخر لابد من القول بأن الأزمة المالية العالمية، والتي تفجرت في مرحلة احتدام الصراع بين مراكز القوى الدولية، أدت إلى تجميد أو منع نشوب الحرب الباردة من جديد، بل ودفعت الدول الكبرى إلى التباحث والتشاور لإيجاد مخرج ينقذ المجتمع الدولي من الانهيار الاقتصادي الذي يمكن أن يدمر منجزات البشرية. وبعد أن احتدم الصراع بين روسيا والغرب والذي تمثل في حرب القوقاز التي أسفرت عن شرخ كبير في العلاقات بين الجانبين، جاءت الأزمة المالية، لتجبر كافة الأطراف على الجلوس خلف طاولة مفاوضات واحدة وصياغة برنامج عمل مشترك، يعتمد على جهود ومساهمات كل الأطراف الدولية. ويذهب العديد من المراقبين إلى أن هذه الأزمة قد كشفت بشكل لا يدع مجالا للشك عن فشل مقولة العالم أحادى القطب، وان المجتمع الدولي والنظام العالمي الجديد لا يمكن أن يكون قادرا على الاستمرار ما لم يعتمد على التعددية القطبية. وجاءت الأزمة لتقلب رأسا على عقب جدول أعمال الدول الكبرى ومراكز القرار في المجتمع الدولي، ولم يعد تعزيز نفوذ هذه الدولة أو تلك هو المهمة الرئيسية، وإنما أصبح الملف الرئيسي بلا منازع هو تصفية آثار الأزمة المالية العالمية ومحاصرتها. بل أن روسيا والعديد من الدول الكبرى بدأت تعيد النظر في ميزانياتها، وخاصة البنود المخصصة للإنفاق العسكري،ما يعنى أن الأزمة العالمية، لم يقتصر تأثيرها على إضعاف اقتصاديات بعض الدول، وإنما تعداه ليكون السبب المباشر في تعديل خطط السياسات الخارجية لعدد من الدول، والتي قررت أن تؤجل العديد من المهام والخطط الخاصة بدورها ونفوذها الدولي، لحساب إيجاد حلول ناجعة لتداعيات الأزمة المالية العالمية في بلادها. وبات واضحا أن النزعة التي ظهرت عقب الحرب الجورجية في صيف العام الماضي في الأوساط الغربية، والداعية إلى عزل روسيا، قد انهارت ليس فقط بسبب احتياج الغرب لروسيا في حل العديد من المشاكل الأمنية التي تمس أمن المجتمع الدولي. وإنما أيضاً لأن الغرب وروسيا معا يحتاجان بعضهما البعض في تصفية أثار الأزمة المالية،وبات من الضروري التفاهم والتنسيق والعمل المشترك. ولم يقتصر الأمر على سقوط شعار عزل روسيا، وإنما تأجل ملف ضم أوكرانيا وجورجيا إلى عضوية الناتو، لأن دول الناتو ليست قادرة على تحمل المزيد من الأعباء المالية، والتي تتمثل بتمويل هاتين الدولتين، لتطوير أنظمتهما الدفاعية ومستوى أداء قواتهما العسكرية. وما إلى ذلك من شروط ومتطلبات كي تنضم كل من أوكرانيا وجورجيا إلى حلف شمال الأطلسي. ما يعنى أن البلدين يجب أن تعتمدان على الجهود الذاتية، لأن الأزمة المالية قضت على أى فائض في الميزانيات الغربية يمكن أن يساعدهما على تحقيق هذا الهدف. ويبدو واضحا أن المرحلة القادمة تتطلب من كافة الأطراف الدولية إيجاد لغة تفاهم مشتركة، لأن حماية النظام العالمي الجديد، الذي واجه ويواجه تهديدا حقيقا تحت تأثير ضربات الأزمة المالية، تحتاج لكل الجهود، وإلا سيواجه المجتمع الدولي حالة من الفوضى السياسية والاقتصادية والاجتماعية كفيلة بتصفية كافة انجازاته. [c1]* خبيرة الطاقة الروسية [email protected][/c]
|
مقالات
الأزمة العالمية ليست فقط اقتصادية
أخبار متعلقة