أضواء
ليس خرقاً للحياء أن تصيح المرأة بأعلى صوتها في أوساط مجتمعها، ما دامت ستُحرز لنفسها نصراً على أرض الواقع. وليس عيباً أن تطلّ المرأة من شرفة غرفتها، وتزعق بنبرة قوية ليسمعها كل من يمر بالقرب من منزلها، ما دام الهدف قشع سحب الضباب التي تحجب الرؤية في طريقها.سألني أحد الصحافيين: هل انتصرتِ في معركتك الوجوديّة؟! أجبته بأن الانتصار يعني أنك لملمت نفسك، وقفلت راجعاً إلى بيتك، تُضمّد جراحك، مردداً عفا الله عمّا سلف. لكنني ما زلتُ في ساحة المعركة، أصول وأجول بقلمي مع شريحة من بنات جنسي، آثر بعضهن الانزواء بعيداً معلنات يأسهن من التغيير، والبعض الآخر ما زلن يُجاهدن بشراسة لانتزاع حقوقهن. من أكثر المشاهد التي تُغيظني حين يتحدّث رجل باسم المرأة، كأن المرأة لا تملك لساناً ولا حجة دامغة ولا ثقافة متينة تؤهلها للذود عن حقوقها! أؤمن بأن المرأة هي الأقدر على انتزاع حقوقها بشراسة، كونها تتجرّع كؤوس الظلم والإجحاف منذ قرون طويلة، وأن الوقت قد حان لكي تُسطّر مطالبها بيديها على اليافطات المعلقة على جانبي الطريق ليراها الغادي والرائح. شعور من الغضب تملكني وأنا أقرأ الخبر الذي نشرته قنوات الإعلام السعودي مؤخراً، والمتضمن تصريحا لناشط سعودي في أنه نجح بعد مفاوضات استمرت لأكثر من عامين مع وزارة الشؤون الاجتماعية، في أخذ الموافقة لإطلاق أول جمعية تُعنى بالدفاع عن حقوق المرأة، وأنها تتألف من 21 رجلاً وامرأة واحدة، تقوم على مساعدة المرأة للحصول على حقوقها وتحسين وضعها الاجتماعي والثقافي.هذا الخبر المستفز، وضع علامة استفهام كبرى أمام أحكام الوصاية التي تأخذ كل يوم أشكالا جديدة! وربطتُ بينه وبين ما تناقلته وكالات الأنباء عن قيام أحد الرجال في النمسا بتأسيس حضانة رجاليّة مجانية تقتصر على فترة أعياد الميلاد، خاصة بالرجال الذين لا يحبون التسوّق، ويضطرون إلى اصطحاب زوجاتهم في هذا التوقيت من كل عام، حيث تقوم النساء بوضع شركاء حياتهن في خيمة الحضانة، وتحصل في المقابل كل زوجة على قطعة معدنية مرقمة، وبعد أن تنتهي المرأة من تسوقها تُقدّم قطعتها المعدنية وتسترد زوجها.هذا المشروع صافي النية لو أقيم في بلداننا العربية لأعتبره الكثيرون إهانة ضمنية للرجل، وانه يهدف إلى الحط من مكانة الرجل، رغم أنه صُنع من أجل راحة الرجل الذي يتأفف بطبيعته من التجوّل في الأسواق بعكس أغلبية النساء اللواتي يعتبرنه هوايتهن المفضلة. في خيمة الحضانة يقوم الرجل بتبديد ضجر الانتظار في التسلية بألعاب الكمبيوتر، أو سيارات السباق، أو تصفّح الجرائد والمجلات إلى أن تعود زوجته من مهمة التسوّق. هذا المشهد الجميل يدل على القفزات الواسعة التي يقوم بها الغربيون من أجل تحقيق المعادلة الصعبة في علاقة الرجل بالمرأة، القائمة على تقدير كل طرف لمتطلبات الطرف الآخر، في مناخ من التفاني وليس على الإلغاء والتبعية! كيف تشبُّ المرأة على احترام حقوقها والدفاع عنها باستماتة، إذا تركت الرجل يُحارب طوال الوقت من أجلها، وهي تقبع مسترخية في حجرتها، تترقب بلهفة المستضعف سماع أبواق النصر، وهي تنطلق من تحت نافذتها؟! لا جدال في أن المرأة تعتبر الرجل مصدر الحماية، وتأمل منه توفير الأمان والاستقرار لها، لكن الحماية العقلانية التي تقوم على التكامل وليس على الفوقية والدونية! والحلول التي تقوم على وصايا وهمية يترأسها الرجل، لن تخلق سوى أجيال خانعة من النساء غير قادرة على التصدّي لزوابع الحياة وتقلباتها المفاجئة! كما أن الحقوق ممارسة وفعل إنساني، وليست عملة يصكها الرجل في مصنع رجولته، كأنه وحده القادر على حماية المرأة والذود عن مصالحها!نعم جميل أن يكون للمرأة أنصار من الرجال، شريطة أن يكون من خلالها، وإلا ما الفائدة من كل هبوب رياح التغيير التي تقوم هنا وهناك في أروقتنا العربية؟! وما أهمية إهدار المرأة لعمرها على مقاعد الدراسة وفي أروقة العلم؟! إنها للأسف أزمة ثقة في قدرات المرأة، وتشكيك في إنجازاتها. أفسحوا المجال للمرأة لكي تمتطي هودج الحياة بجانب الرجل وليس خلفه![c1]صحيفة ( الاتحاد) الإماراتية[/c]