في كل حرب إرهابية هناك وقت تبدأ فيه حتى العمليات الأكثر فتكا بفقدان تأثيرها. وكل محاولة إنسانية خاضعة لقانون تناقص الغلة. وفي حالة الإرهاب الذي يهدف الى إخضاع الخصم، يعني هذا رفضا متزايدا للترويع من جانب الخصم . ويعرف الإرهابي انه لا يمكن أن ينتصر عبر شن أي نوع من الحرب التقليدية. ولهذا فانه يسعى باستمرار الى أسلحة ومناهج معدة لا لمساعدته على الاستيلاء والسيطرة على الأرض وإنما لتقليص فضاء الأمن السيكولوجي للخصم. وتعتبر السيارة المفخخة، إذا ما نظر الى الأمر من تلك الزاوية، السلاح المثالي. فهي يمكن أن توجه بدقة نحو هدف مختار ولا تكلف الإرهابي إلا القليل من الكلفة المادية والبشرية. وبقدر تعلق الأمر بالمنهج فإن المفجر الانتحاري أكثر فاعلية. وبإلغاء غريزة العيش الأساسية للإنسان فإن ذلك يشير الى عالم يجري فيه نفي جميع القواعد. ويقدم «الحشاشون» في فترة العصر الوسيط من الإسلام، و«النارودنك»، أي الشعبويون في روسيا القرن التاسع عشر، نسخة معينة من المفجر الانتحاري. وفي ستينات القرن الماضي وسع «نمور التاميل» في سري لانكا المفهوم عبر تنظيم عمليات انتحارية هادفة الى قتل أعداد كبيرة من المقاتلين الأعداء في هجمات مفاجئة. وفي الفترة الأخيرة دفعت القاعدة والمنظمات المرتبطة بها خطوات أخرى عبر القيام بعمليات انتحارية تهدف الى قتل المدنيين فحسب. وتبقى هجمات الحادي عشر من سبتمبر على نيويورك وواشنطن المثال الأكثر دراماتيكية على منهجية الإرهاب الذي أدى الى مآس في بالي ومدريد، وكذلك بغداد بشكل يومي تقريبا. ولا تخفي بقايا القاعدة اعتقادها بأن العراق يمثل اليوم الميدان الرئيسي للقتال بين نسختهم العدمية والعالم الذي يتمنون تدميره. وقد واجهت آيديولوجية القاعدة هزائم في الفترة الأخيرة في أماكن كثيرة تمتد من الجزائر ومصر الى آسيا الوسطى والفلبين مرورا بالخليج وشبه القارة الهندية الباكستانية. وما تزال مزدهرة في بعض المناطق القصية من أفغانستان ولكن ليس لديها أمل كبير في تحقيق أي نصر هام. وهكذا فإنه في العراق فقط تأمل أن تبقى حية، وعندما يشعر خصومها بالإحباط، تحقق النصر الذي لم تستطع تحقيقه في الأماكن الأخرى. ماذا إذا بدأت القاعدة الخسارة في العراق أيضا؟ السؤال لن يبهج كل أولئك الذين، لأسباب مختلفة، يريدون أن يفشل العراق الجديد. وقد يعتبر البعض السؤال سابقا لأوانه، إن لم يكن استفزازيا، بينما نرى الصور التلفزيونية اليومية عن المذابح من بغداد. ومنذ البداية حددت القاعدة خصمين تسعى الى إرهابهما في العراق. الأول يمثله الشيعة والأكراد الذين يمثلون عمودين في العراق الجديد. غير انه بعد ما يقرب من أربعة أعوام فان الشيعة والأكراد بعيدون عن أن يخضعوا للإرهاب. والهجرة الجماعية لهم التي كانت تأملها القاعدة لم تتجسد في الواقع. ووفقا للمفوضية السامية لشؤون اللاجئين في الأمم المتحدة فإن ما يزيد على 200 ألف عراقي سجلوا كلاجئين منذ سقوط صدام حسين عام 2003. والأغلبية الساحقة منهم هم من العرب السنة والمسيحيين. وفي الفترة ذاتها عاد الى العراق ما يقرب من 1.5 مليون من اللاجئين العراقيين، كلهم تقريبا من الشيعة والأكراد، ومعظمهم من إيران وتركيا. فشلت القاعدة في وقف تدفق المتطوعين للانضمام الى قوات الشرطة والجيش التي يقدر عدد أفرادها الآن بحوالي 300000 شخص. وفشل الارهابيون أيضا في وقف أو عرقلة العملية السياسية في العراق. إنهم نجحوا في إبعاد قسم من العرب السنّة من المشاركة في العملية السياسية لفترة، إلا ان اكثر المعارضين تشددا للعراق الجديد اما قد انضموا الى العملية السياسية أو يعملون على التفاوض حول شروط جديدة للانضمام. فشلت محاولات إثارة حرب طائفية واسعة بعد أن أدرك العراقيون بمختلف انتماءاتهم المشروع الشرير للإرهابيين. الأمر الأكثر سوءا من وجهة نظر القاعدة هو أن العشائر العربية السنية باتت تقود الآن القتال ضد المسلحين الأجانب، خصوصا في محافظة الأنبار المضطربة. بشجاعة وجلد لم يسبق لهما مثيل منذ حرب الجزائر البطولية ضد الإرهاب قبل حوالي عقد، رفض الشعب العراقي الخضوع للإرهاب. مهما حدث في العراق، هناك أمر مؤكد وهو انه بصرف النظر عن الخلافات الطائفية والإثنية لن يرضخ الشعب العراقي أو يستسلم لتنظيم القاعدة. العدو الثاني الذي تحاول القاعدة ابتزازه، هو الولايات المتحدة، وعلى وجه التحديد الشعب الاميركي. ففي نوفمبر الماضي عندما فقد بوش أغلبيته في مجلسي النواب والشيوخ بدا الأمر وكأن القاعدة قد حققت هدفها في العراق. تراجعت بصورة كبيرة نسبة المؤيدين للحرب وسط الرأي العام الاميركي، فيما لمح بعض أعضاء الأغلبية الديمقراطية الجديدة في الكونغرس الى ضرورة خروج القوات الأميركية من العراق. تلك اللحظات مرت أيضا. فطبقا لنتائج آخر استطلاع للرأي أجرته «نيويورك تايمز» و«سي بي إس»، ارتفعت نسبة المؤيدين للحرب في العراق من 35 في المائة في مايو (أيار) الى 42 في المائة في يونيو. كما أن حوالي 29 في المائة من الأميركيين يعتقدون أن الحرب تسير «بصورة جيدة»، فيما تراجع عدد الذين يعتقدون عكس ذلك من 45 في المائة الى 35 في المائة. بعد مرور حوالي 10 أشهر على وعد القاعدة بخروج الأميركيين من العراق، بات عدد قوات التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة أكثر من عدد القوات التي كانت في العراق في خريف عام 2003. صحيح أن بعض الحلفاء قد غادروا، مثل الإسبان الذين خرجوا من العراق عقب تفجير مدريد الذي دفع الناخبين الى انتخاب رئيس حكومة مناوئ للولايات المتحدة، فيما أرسلت دول أخرى قوات جديدة للعراق. فالولايات المتحدة أرسلت قوات إضافية قوامها 25000 جندي مع احتمال وصول 10000 آخرين مطلع العام المقبل. كما ضاعفت جمهورية جورجيا قواتها من 1500 الى 3000. وعلى الرغم من الجهود الكبيرة للناشطين المناوئين للحرب، رفضت القيادة الديمقراطية الجديدة في الولايات المتحدة مساعدة القاعدة على تحقيق أهدافها في العراق. إذ أن الإجماع الجديد الناشئ في الولايات المتحدة يؤكد أهمية بقاء التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة حتى الانتخابات العامة العراقية المقبلة عام 2009. وقد أيدت هذه الفكرة الحكومة والبرلمان العراقيان. ويبقى القول إن الإرهاب يفشل عندما يرفض الناس الاستسلام له. وهذا يحدث في العراق. [c1]* كاتب ايراني مقيم في لندن[/c]
|
فكر
العراقيون لن يرضخوا لتنظيم «القاعدة».. مهما حدث
أخبار متعلقة