أضواء
دائماً ما يحتوي العالم، كما هو معروف، وعبر كل مراحل تاريخه، على «حضارات» مختلفة، وقوى متنفذة. حيث لكل «حضارة» شكلها وقالبها المادي، ومضمونها العقائدي، وقيمها... الخاصة بها. و»الحضارات»، طالما هي مختلفة، فإن العلاقة بينها لابد أن تتأرجح (دائماً) بين ظاهرتين، هما : التعاون والصراع...وبإمكان الحضارات المختلفة أن تغلب « التعاون « (فيما بينها) على الصراع. فذلك غالباً ما يكون لمصلحة الحضارات المعنية، وكل البشرية. والتعاون يمكن - بسهولة - أن ينشأ وينمو، إذا أزيل سوء الفهم (المتبادل) بين المعنيين... وتم تصحيح الانطباعات النمطية الخاطئة. وإزالة سوء الفهم هذا لا تتحقق إلا عبر اللقاءات الودية والحوار الموضوعي الصريح والاحترام المتبادل وإدراك أهمية نبذ الصراعات، والتأكيد على المصالح والقيم المشتركة.* * *وقد قامت الدنيا، ولم تقعد، في معظم العالم العربي والإسلامي، عندما طرح عالم السياسة الأمريكي « صامويل هنتنقتون»، في العام 1992م، كتابه عن « صراع الحضارات «... موضحاً هذه الحقيقة. إن صراع الحضارات المختلفة هو أمر طبيعي. ولا شك أن الحضارات المختلفة (جذريا) عن بعضها، يصعب التعاون فيما بينها، ولكنه لا يستحيل. ومن البديهي، أن تتغلب الحضارة الأقوى - مادياً ومعنوياً - على الأضعف منها... ومن الطبيعي، بل البديهي، أن يواجه الغرب حضارات مختلفة (بحدة) أخرى، بعد انهيار الحضارة الماركسية - السوفيتية، وقبلها..هكذا، قال «هنتنقتون» مضيفاً أن الحضارة الإسلامية (الإسلام) هي الآن (وبعد تداعي الماركسية - السوفيتية) الحضارة الأكثر تحدياً للغرب... لأنها الأكثر اختلافاً عنه، ورفضا له... وقد ثار كثير من المثقفين العرب، من هذه النظرية، وطالبوا «هنتنقتون» بأن يعدل مقولته، لتشير بأن : الإسلام لا يهدد أحداً، وهو يمكن أن يكون صديقاً للغرب...؟! ذلك صحيح فقط إذا توفرت، بالطبع، «شروط « تحققه، في ارض الواقع... ولابد هنا من إدراك وتذكر أن «هنتنقتون» لم يأت بجديد يذكر. فما قال به هذا المفكر الأمريكي سبق أن قال بمعظمه مفكرنا العربي الشهير ابن خلدون (732 _ 808هـ)... وخاصة في ما يتعلق بالعلاقات بين الحضارات والعصبيات البشرية، المختلفة. ربما يمكن اعتبار الشيء الجديد الوحيد الذي أتى به «هنتنقتون» هو : زعمه بانتقال « الإسلام « (في نظر الغرب) من المرتبة الثانية، إلى الأولى... في قائمة الأعداء، أو الخصوم ؟! * * *نعم، الإسلام - في حقيقته - لا يهدد أحداً... انه هداية للعالمين. وهو يمكن أن يكون صديقاً لجميع الحضارات، والشعوب وفي مقدمتها : الحضارة الغربية, خاصة عندما يصبح المسلمون مسلمين بحق، وبالفعل، ويدافعون عن دينهم الخالد، بشكل موضوعي...... ويعترفون بعيوب سلوكيات بعضهم، ولا يتوانون عن الأخذ بكل ما يمكن أن يجعلهم أقوياء، متقدمين، لا رافضين لكل ماهو حديث. إن العالم لا يحترم إلا القوي(بمعنى القوة الشامل)... ولا يكن أي تقدير يذكر للضعفاء، وأولئك الذين تقتصر بضاعتهم على الكلام والوعظ، وتنبى أفعالهم عن نفوس شريرة، وسرائر خبيثة...وفي رأي المراقبين : أن الغرب، إن اعتبر مسلمي اليوم «عدوه» الرئيسي، بعد الشيوعية، فإنما يبالغ - بقصد أو بغير قصد - في (تقدير قوة وخطر) المسلمين. بل إن الغرب - في هذه الحالة - يكون كمن يتحدث عن «عدو» في قبضته... وعن «معركة» كسبها قبل أن تبدأ، بمدة طويلة. فالعرب والمسلمون - الآن - ضعفاء، مادياً ومعنوياً- خاصة مقارنة بالغرب. ولكن احتمال نهوضهم، وتفوقهم، يظل وارداً بسبب طبيعة عقيدتهم، وما يملكونه من موارد وطاقات طبيعية وبشرية هائلة يمكن - ان وجهت وأديرت بشكل سليم ونزيه - أن تجعل منهم قوة ضاربة. على هذا « الأساس» فقط، يجوز «تبرير» خشية الغرب، في المدى الطويل. * * *وكما يخشى الغرب المسلمين، فإن المسلمين يخشون الغرب أضعافا مضاعفة، بل ويخافونه مع وجود ما يبرر هذا الخوف، وتلك الخشية. وهذا - مرة أخرى - أمر طبيعي يحتمه كون كل منهما حضارة مختلفة، ولكل أطماعه. وهذه الحقيقة، وما شابهها تضع على المسلمين - باستمرار - مسؤولية ان يبرهنوا للغرب، ولغيره، أن الإسلام يمكن أن يتعايش مع غيره، في وئام وسلام... وأن علاقات المسلمين بغيرهم يسهل أن يكون أساسها « التعاون «، لا الصراع، ان وجدت من الجانب الأخر قبولا وإنصافا. مازال على العرب و المسلمين واجب... يتمثل في : العمل على إقناع غير المسلمين كافة -بالفعل، لا بالقول- إن الإسلام هو : دين منطق و تسامح. وعليهم أن يوضحوا أن هزال معظم المسلمين الحالي، لا يسأل عنه الإسلام. فمن مصلحة المسلمين أن تكون علاقاتهم، مع غيرهم، وخاصة الغرب، هي علاقات تعاون وسلام... وسواء مع الحضارات الأقل، أو الند، أو الحضارات المتفوقة... لندفع مع الجميع بالتي هي أحسن.ومن الناحية الأخرى الأهم، فإن « خشية» الغرب من الإسلام والمسلمين (الحقيقية والمفتعلة) لا تبرر - على الإطلاق - السياسات العدائية (النشطة) المدمرة التي ينتهجها الغرب، صراحة وضمناً (سراً وعلانية) ضد معظم أجزاء العالم العربي والإسلامي. وهذه الخشية المفتعلة، أو الواهمة، لا تعطي للغرب أي حق لأن يتدخل - كما يفعل في الوقت الحاضر - في كثير من أمور هذا العالم... ويحاول (بإصرار عجيب) تسيير شؤون ذلك العالم العامة - عبرانصاره - في الاتجاه الذي يخدم « المصالح» الغربية، ويضر غالبا (إضراراً بالغاً) بالمصلحة العليا، للإسلام والعرب والمسلمين.* * *وبعد، فإن هذا الموضوع طويل، ومتشعب... وكل ما قلناه عبارة عن: ملاحظات ونقاط عامة، بمناسبة انعقاد مؤتمر الحوار الحضاري بين اليابان والعالم الاسلامى بالرياض، في النصف الأول من شهر ربيع الأول 1429هـ... والمؤمل ان يضطلع بعض الباحثين و الكتاب بدراسة هذا الموضوع (المصيري) والكتابة فيه، وعنه، سواء في هيئة مقالات صحفية, أو أبحاث, يستفاد منها... في ترشيد تعامل العرب (والمسلمين) مع هذا « الغرب» الجبار، والعنيد، وغيره من القوى الدولية, بل ان من الضروري أن تقام في العالمين العربي والإسلامي «مراكز دراسات» علمية... تهتم بدراسة دول الغرب الهامة... لفهمها فهما صحيحا، وبالتالي ترشيد السياسات العربية تجاه هذه البلاد. وقد تكون هذه الدعوة لفهم هؤلاء (الاخرين) سابقة لأوانها.... إذا اخذ المرء في اعتباره تخاذل أغلب العرب عن فهم أنفسهم.[c1]* صحيفة عكاظ[/c]