تحذيرا لزعماء القارة ليبحثوا سبل مواجهة الأزمة الاقتصادية
أثينا/14 أكتوبر/دانييل فلين: أصابت ضراوة أعمال الشغب التي قام بها شبان يونانيون محبطون الكثيرين في أنحاء اوروبا بصدمة لكنها ايضا كانت تحذيرا لزعماء القارة فيما يبحثون سبلا لمواجهة الأزمة الاقتصادية العالمية. وبدأت سبعة أيام من الاحتجاجات التي سببت أضرارا بمئات الملايين من اليورو في عشر مدن يونانية إثر قتل الشرطة مراهقا بالرصاص في 6 ديسمبر وغذاها الاستياء من ارتفاع معدلات البطالة بين الشبان وانخفاض الرواتب والرعاية الاجتماعية غير الكافية. وقد خرجت احتجاجات للتعبير عن التعاطف معهم من موسكو الى مدريد حيث تم تنظيم بعضها بسرعة على الإنترنت او بالرسائل النصية على الهواتف المحمولة اذ يشعر الكثير من الشبان بأن الزعماء يتجاهلون إحباطاتهم. وقالت ستيلا نيكولاكاكوس (35 عاما) وهي مدرسة “حان الوقت ليستمعوا الى الناس. نحن نصرخ قائلين (انظروا الى الفوضى التي نعيش فيها).” ويشير خبراء اقتصاديون الى أن على قادة الاتحاد الأوروبي الذين يضعون اللمسات النهائية على خطة تنشيط اقتصادي بقيمة 200 مليار يورو في بروكسل الاستعداد لمزيد من الغضب حيث يجد الأوروبيون أن وظائفهم مهددة بعد عقد من الزمن من النمو خلق توقعات بالرخاء. وتقول فانيسا روسي الباحثة في مجال الاقتصاد بمؤسسة تشاتام هاوس البحثية في لندن “معظم الاوروبيين اعتقدوا أن لديهم حصانة ضد الأزمة واستيقظوا متأخرا على حقيقة أنهم غير محصنين.” وأضافت “الآثار ليست جيدة على عدة الدول على صعيد الكساد والاضطراب الاجتماعي.” وفي اسبانيا حيث يتوقع أن يصل أعلى معدل للبطالة بين دول الاتحاد الأوروبي الى 20 في المئة مع تفاقم الأزمة هاجم شبان بنكا ومركزا للشرطة في مدريد وبرشلونة بعد اندلاع احتجاجات بسبب قتل الشاب اليوناني. وفي روما وكوبنهاجن رشق محتجون يساريون الشرطة وألحقوا أضرارا بالممتلكات بينما في موسكو ألقى شبان قنابل حارقة على السفارة اليونانية. وفي فرنسا أضرمت النيران في سيارتين امام القنصلية اليونانية في بوردو يوم الخميس. وعثر على كتابات على حوائط بالقرب من الحريق مثل “الانتفاضة قادمة” و”دعما لحرائق اليونان.” وقال الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي لأعضاء بحزبه “انظروا الى ما يحدث في اليونان” رافضا اقتراحات تتصل بالميزانية كان من الممكن أن تحمي الأثرياء من معاناة خسائر. وفي ظل ذكريات لم يمر عليها وقت طويل من أعمال الشغب في الضواحي عام 2005 عبر ساركوزي عن مخاوفه من أنه قد يمتد رد فعل عنيف مناهض للحكومة الى فرنسا قائلا “الفرنسيون يعجبهم الأمر حين أكون في عربة تجرها الخيول مع كارلا لكنهم في نفس الوقت أعدموا ملكا بالمقصلة.” وهناك الكثير من العوامل المتفردة وراء أعمال الشغب في اليونان بما في ذلك ثقافة الفوضويين التي تزدهر في مناطق مثل اثينز ايكزارتشيا حيث بدأت الاضطرابات. كما أدى تاريخ من قسوة الشرطة الى إحجام السلطات اليونانية عن المجازفة برد قوي. لكن جوانب أخرى تنبع من المشاكل الاقتصادية التي تواجه الاتحاد الأوروبي البالغ عدد أعضائه 27 دولة مما سبب مخاوف بين المستثمرين. وقال رجل الأعمال البرتغالي البارز جواو تالون “أخشى أن ما يحدث في اليونان سيمتد الى بقية ارجاء اوروبا مع ازدياد البطالة” مناديا بانتهاج سياسات اقتصادية أقل صرامة. ومعدل البطالة في اليونان الذي تصدر عناوين الصحف وارتفع الى 7.4 في المئة في سبتمبر ايلول أقل من متوسط معدل البطالة في منطقة اليورو. غير أن العامل الرئيسي هو البطالة بين الشبان. وتقول منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية إن نسبة البطالة بين الشبان الذين تتراوح أعمارهم بين 15 و24 عاما تبلغ 22 في المئة وهي نسبة متقاربة مع ايطاليا وفرنسا واسبانيا وهي دول لها تاريخ من المظاهرات الحاشدة. وقالت جماعة (جيل 700 يورو) وهي جماعة تدافع عن 56 في المئة من اليونانيين أقل من 30 عاما ويجنون هذا المبلغ شهريا “الشبان اليونانيون حتى هؤلاء الذين يصل عمرهم الى 35 عاما يمثلون أغلبية صامتة من المواطنين الذين يعملون اكثر من طاقتهم ويتقاضون أجورا زهيدة ويشعرون بعدم الأمان.” وهناك جماعات مشابهة لجماعة جيل 700 في اسبانيا والمانيا وفرنسا. ويقول جورج بريفيلاكيس استاذ السياسة بجامعة السوربون إنه كثيرا ما يضطر الشبان الى العمل في وظائف مزرية على الرغم من حصولهم على تعليم جامعي وهم يستخدمون خدمات الانترنت مثل برنامج تويتر لتبادل الرسائل والرسائل النصية عبر الهاتف المحمول لتنظيم المظاهرات بسرعة. وأضاف “كثير من هؤلاء الأولاد في اثينا وبعضهم مجرد مراهقين ليسوا فوضويين لكنهم كانوا يقلدون ما يرونه في التلفزيون والانترنت فحسب. من الممكن أن يحدث هذا في اي مكان.” وتواجه اوروبا تحديات للقيم الاجتماعية من الهجرة وازدياد النزعة الاستهلاكية والعلمانية واستقلالية الشبان. وقال ديميتريس كيريديس استاذ السياسة بجامعة مقدونيا “كل الأوروبيين يواجهون أزمة وحدة اجتماعية... المجتمع الأوروبي يتشرذم بسرعة.” وحد العجز الكبير في ميزانية اليونان والديون من قدرة الحكومة على تخفيف حدة التباطؤ والتوصل الى سبيل للخروج من الكساد. وتجازف دول أوروبية أخرى مثل ايطاليا التي يبلغ حجم ديونها 100 في المئة من إجمالي الناتج المحلي بالسقوط في نفس الفخ. حتى اليونانيين الأكثر ثراء يشعرون بالأثر بعد سنوات من الحياة بأسلوب يفوق إمكاناتهم المادية على القروض الائتمانية مثل المستهلكين في اسبانيا وايرلندا. وحدثت طفرة في الإسكان لكن الكثير من الناس أصابتهم حالة من الاستياء مع انخفاض الأسعار وجفاف القروض. واكثر ما أغضب اليونانيين هو أن الحكومة بدت وكأنها تصعب الأمور عليهم حين احتاجوا مساعدتها حيث شددت من شروط الحصول على المعاشات من الدولة وزادت الضرائب لسد الفجوة في ميزانيتها. وفي ايطاليا التي تواجه أسوأ أزمة منذ الحرب العالمية الثانية دعت الاتحادات الى إضراب امس الأول الجمعة بسبب تعامل رئيس الوزراء سيلفيو بيرلوسكوني مع الأزمة. وقالت روسي من تشاتام هاوس إن حكومات الاتحاد الأوروبي ستواجه مشاكل ما لم تقنع الناخبين بأنها تأخذ معاناتهم على الصعيدين الاقتصادي والاجتماعي على محمل الجد وتضع سياسات تعالجها. وقال كيريديس “اليونان مثال للدراسة على ما يجب الا نفعله” منتقدا رد فعل الحكومة على الأزمة الذي اتسم بالسلبية.