حاتم باذيبلكل سوق شهبندر.. ولكل شهبندر سوق يشتغل فيه.. وحين تتحول السياسة إلى سوق للبيع والشراء يبرز عدد من التجار الذين يستخدمون السياسة للمتاجرة و ((طلبة الله )) بقضايا الناس.وحين تتحول الصحافة إلى سوق بسبب اختلال آليات تنظيم الممارسات الديمقراطية خصوصاً في بلدان الديمقراطيات الناشئة ، يتحول الفاشلون والمفلسون إلى ساسة يتاجرون بقضايا الأوطان والمجتمعات و الحريات وحقوق الإنسان، شانهم في ذلك شأن المتاجرين والمضاربات بالأراضي والعقارات والأوراق المالية .ولما كانت هناك منطقة مشتركة بين السياسة والصحافة ، فإنّ ثمة منطقة (( مشتركة )) أخرى تبرز بين المتاجرين بالسياسة والمتاجرين بالصحافة على حساب الوطن والإنسان.خلال هذا الأسبوع شغلت الرأي العام اليمني وبعض المواقع الأليكترونية العالمية قضية اختطاف الصحفي المعروف الزميل محمد عمر بحاح مدير مكتب الرئيس السابق علي ناصر محمد بعد عودته إلى الوطن، وأشارت التغطية الإعلامية المثيرة لواقعة الاختطاف بأصابع الاتهام إلى الزميل الكبير محبوب علي نائب رئيس اتحاد الصحفيين العرب نقيب الصحفيين اليمنيين .وكعادة صحف الاثارة التي تسعى الى زيادة مبيعاتها بواسطة نشر أخبار انفجار اسطوانات الغاز والحوادث المرورية والجرائم الجنائية التي تحدث هنا وهناك بمانشيتات وعناوين مثيرة ، نشرت إحدى الصحف العائلية الخاصة واقعة الاختطاف بمانشيت مثير إلى جانب ثلاثة مانشيتات مثيرة ومدوية عن انفجارات في عسيلان وإطلاق نار في تعز وقيام نقيب الصحفيين باختطاف احد زملائه في صنعاء واستغاثة زوجة المخطوف للكشف عن مصيره !!. والحال ان الواقعة ( الأكذوبة ) التي نُشرتها تلك الصحيفة بتلك الطريقة المثيرة ، قدمت مشهداً درامياً ليس لنائب رئيس اتحاد الصحفيين العرب ونقيب الصحفيين اليمنيين بل لإرهابي في إحدى جماعات المافيا يتسلل بهدوءٍ إلى مقرات أحد الأحزاب في العاصمة صنعاء ، ويصطحب معه الزميل محمد عمر بحاح مدير مكتب الرئيس السابق علي ناصر محمد بهدوء وبطريقة سلسلة .. وبعد ذلك تنقطع أخبار بحاح لعدة أيام، وتتساءل زوجته عن أسباب اختفائه ، وبعد ان يأست من البحث عنه في المستشفيات ومراكزالشرطة تكونت لديها معلومات مؤكدة تفيد بأنّ نقيب الصحفيين محبوب علي كان آخر شخص شوهد زوجها معه.. وعندما تتصل زوجة الضحية المخطوف بمحبوب علي لا تجد رداً بسبب إغلاق تلفونه وهو الشخص الذي يرد يومياً بل وكل ساعة على اتصالات زملائه به من الداخل والخارج ، فتضطر الزوجة المفجوعة باختفاء زوجها للاتصال بأسرته التي تعطيها أرقاماً مضللة ليست لمحبوب علي، فتلجأ إلى تلك الصحيفة ، وتعلن من خلالها نبأ اختطاف زوجها وتناشد الحكومة اليمنية سرعة الكشف عن مصيره !!. بعد ذلك تنشط ماكنة (( السوق المشتركة )) بين الصحافة والسياسة والتجارة ومجالس القات الحزبية لما يسمى (( اللقاء المشترك )) ، حيث يقوم المتاجرون بالسياسة والدخلاء على الصحافة بإرسال ذلك الخبر الرخيص عبر الفاكس إلى جانب صور الصفحة الأولى من الصحيفة التي نشرته مصورة ًبنظام "PDF " عبر البريد الإليكتروني إلى ما تسمى اللجنة الدولية لحماية الصحفيين ، وتعميمها بعد ذلك على مواقع اليكترونية عربية وعالمية تنشط في مجال الدفاع عن الحريات العامة وحقوق الإنسان بهدف تقديم صورة سوداوية عن حالة الحريات وحقوق الإنسان في اليمن وما يسودها من انتهاكات وخدع قذرة بحسب ما جاء في تقرير ما تسمى اللجنة الدولية لحماية الصحفيين التي تعتمد على هذا النوع من التقاريرالاخبارية الرخيص والمعلومات الكاذبة والمضللة.يُصاب الجميع بالرعب والقلق بعد انتشار ذلك الخبر وارتفاع مبيعات تلك الصحيفة بيد أنّ نقيب الصحفيين محبوب علي و زميله وصديق عمره محمد علي بحاح يظهران في مطار صنعاء بعد 24 ساعة من نشر الخبر ويكذبان تلك الواقعة، فقد كان محبوب علي منذ عشرة ايام مسافرا في الخارج للعلاج ، فيما كان زميل عمره محمد عمر بحاح الذي استقبله في المطار يعيش حرا وآمنا ً في صنعاء . ارسل الزميل محمد عمر بحاح نفياً لصحة ما نشرته تلك الصحيفة التي نشرت خبر اختطافه بمانشيت عريض ، واتصل شخصيا برئيس تحريرها الذي وعده بنشر النفي في اليوم التالي ، لكن ناشري الصحيفة امتنعا عن نشره ، مخالفين بذلك قانون الصحافة والمطبوعات وكافة القيم الأعراف المهنية التي يلتزم بها الصحفيون المحترمون.. فيلجأ محبوب علي إلى الاستقالة وينفتح الطريق امامه وامام صديق عمره محمد عمر بحاح إلى مقاضاة ناشري تلك الأكذوبة الفضيحة ، خصوصا وان محبوب علي وهو اول صحفي يمني يشغل منصب نائب رئيس اتحاد الصحفيين العرب ، هو الشخص الذي سعى الى تضمين ميثاق الشرف للصحافة العربية بادئأ ًً بنص على منع مقاضاة أي صحفي عربي من قبل نقباء الصحفيين في البلدان العربية !!!ثمّة دلالة مهمة على تزامن فضيحة الترويج الكاذب لواقعة اختطاف محمد عمر بحاح مع فضيحة الترويج الكاذب لواقعة اعتقال فتاتين في البحرين اسمهما سارة ورحاب خلال هذا الاسبوع ، حيث نشطت المعارضات البحرينية والعربية عبر الصحف والفضائيات ووكالات الأنباء لتقديم صورة مأساوية عن واقع الحريات وحقوق الإنسان في البحرين التي دشنت الخطوات الأولى لبرنامج اصلاحي يستهدف تهيئة المجتمع السياسي المدني للإنتقال نحو الديمقراطية والمشاركة .ثمة دلالة أخرى ــ ايضا ـ ليس فقط للتزامن بل للتشابه بين ظروف وأدوات وأساليب التعاطي مع هاتين الواقعتين من قبل اولئك الذين يشتغلون في منطقة مشتركة بين الصحافة والسياسة والمعارضة في البحرين واليمن. فقد وجدت المعارضة البحرينية صيدا ثمينا في اختفاء شقيقتين بحرينيتين بالتزامن مع أحداث شغب حدثت يوم السبت الماضي في مجمع الدانة التجاري في وسط العاصمة البحرينية (( المنامة )) ، الأمر الذي أدى الى إطلاق الخيال السياسي للخطاب الاعلامي المعارض وتكثيف الحديث عن ازمة الحريات وانتهاك حقوق الانسان في البحرين !! .بيد ان ما حدث سلط الضوء على وجود ازمة حقيقية في المعارضات العربية التي تبحث عن أي فرصة لاستغلالها على نحو ما أوضحته تداعيات القصة التي بدأت باختفاء شقيقتين بحرانيتين هما رحاب وسارة عبدالله مهدي ( 17 و15 سنة) عن أنظار أهلهما وأقاربهما يوم السبت الماضي الموافق 11 مارس الجاري في مجمع الدانة التجاري الذي شهد اشتباكات مع الشرطة وإيقاف أكثر من 20 شخصا، ولم ترجع الفتاتان الى المنزل، الأمر الذي جعل المعارضة تسرف في اتهام الشرطة والحكومة البحرينية باعتقال النساء والفتيات !!.وعل الفور اعتقدت المعارضة البحرينية انها وجدت فرصة أشبه بسراب خائب عندما سعت لإستغلال قصة اختفاء مفاجئ لفتاتين بحرينيتين على خلفية احداث الشغب التي شهدتها العاصمة ((المنامة))في ذلك اليوم ، ثم قامت بتوظيف هذه القصة بهدف تسمين خطابها السياسي الذي وصفه مثقفون خليجيون بأنه هزيل ويعكس أزمة عامة في الخطاب السياسي والاعلامي العربي المعارض بشكل عام .تطورت القصة عندما ربطت المعارضة البحرينية واقعة اختفاء الفتاتين سارة ورحاب بالأحداث التي وقعت في المجمع ، ولجأت لوكالات الأنباء العالمية والقنوات الفضائية العربية والغربية لاتهام الحكومة البحرينية باعتقال الفتاتين وسط بيانات وتصريحات مدوية ومفجعة حول تراجع مستوى حقوق الإنسان في البحرين ، مما ادى إلى تهييج الشارع السياسي وظهور مسيرات داخل بعض المناطق القريبة من المنامة للتنديد باعتقال الفتيات. فيما تسرعت شخصيات ومنظمات حقوقية عربية وأجنبية بارزة بوصف ما جرى بأنه اكبر انتهاك لحقوق الانسان في البحرين ، وأول اعتقال للفتيات تشهده منطقة الخليج في ظل المشاريع الاصلاحية !! ؟؟ . في موقف مشابه لموقف الزميلين محبوب علي ومحمد عمر بحاح ، انهت الفتاتان الازمة ظهر اليوم التالي الأحد 12 مارس الجاري، بطريقة كوميدية كشفت تهافت الخطاب السياسي والاعلامي للمعارضة وصحف الإثارة، وجعلت الكثير من الحقوقيين والمعارضين يتراجعون عن مواقفهم باحراج واضح. فقد ظهرت سارة ورحاب في مؤتمر صحفي وأعلنتا ان غيابهما كان بسبب خلافات عائلية ، وانهما لم تذهبا من الاساس الى المجمع ولم تتعرضا للإعتقال ، بل اضطرتا للجوء إلى منزل احد الاقارب عندما وقعت الاحداث. وطالبت الفتاتان جميع قوى المعارضة التي اقحمت نفسها في هذه القضية بالاعتذار امام الرأي العام البحريني. القصة الاولية للاختفاء كما رواها اقارب الفتاة ونشرتها الصحف البحرينية يوم الأحد الماضي قبل ان يكشف حقيقتها المؤتمر الصحفي ، تتلخص بأن الفتاتين خرجتا في الرابعة من عصر يوم السبت الماضي الى مجمع الدانة حيث شهدت المنطقة أعمال شغب بعدما فرقت قوات الشرطة تجمهر مجموعة من المتشددين الأصوليين بالساحة المقابلة للمجمع في (( المنامة ))، والذين يعارضون موافقة السلطات على اختلاط الشباب والشابات في الأسواق والسماح لبعض المجمعات التجارية الحديثة بفتح كافتيرات ومقاه ومطاعم عامة يختلط فيها الشباب والشابات بدون تخصيص اجنحة خاصة تفصل الذكور عن الاناث ، حيث ترى جماعات الاسلام السياسي المعارضة في البحرين في اختلاط الرجال بالنساء فسوقا تجيزه الحكومة وينهى عنه رجال الدين ، مما أدى إلى تداعيات الوضع في ذلك المجمع الذي تلتقي فيه العوائل والشباب من الجنسين. ومر النهار دون ان يعرف احد مكان الفتاتين الامر الذي أثار قلق جميع أفراد عائلتهما والأقارب.وكعادتها دائما وجدت المعارضة البحرينية التي يقودها الاسلام السياسي ما يشبه الصيد السمين في مجرى هجومها على السلطة ، ولم تتردد المعارضة في اقتناص قلق اقارب الفتاتين الذين قالوا ان الشقيقتين رحاب وسارة اعتادتا على الخروج دائما من المنزل لفترة قصيرة من الزمن لزيارة منزل جدهما بنفس المنطقة لكن هذه المرة هي الأولى التي تحدث من دون علمهم بأي أخبار أو تفاصيل تشير إلى وجودهما في مكان ما ، ولم يمر وقت قصير حتى جلجلت اصوات قادة المعارضة والمنظمات الحقوقية العربية والعالمية بالبيانات الملتهبة والتصريحات الصحفية الاستنكارية والمقابلات والأحاديث المدوية عبر القنوات الفضائية حيث وجد المعارضون في اختفاء رحاب وسارة مظهرا خطيرا لتدهور الوضع السياسي في البحرين وتفاقم ازمة الحريات وانتهاك حقوق الانسان في هذا البلد ، ودليلا ساطعا ًللمأزق العميق الذي وصل اليه النظام السياسي القائم في البحرين بحسب حديث لسياسي بحريني معارض عبر قناة (( الجزيرة )) القطرية وقناة "بي بي سي" البريطانية وقناة سي ان ان وقناة الحرة وراديو سوا الأميركية !! ولسوء حظ المعارضة .. المعارضة اليمنية والمعارضة البحرينية وصحف الاثارة فقد جاء الظهور الدرامي لنقيب الصحفيين اليمنيين محبوب علي و صديق عمره محمد بحاح في صنعاء بعد يوم من نشر الخبر الكاذب بشأن اختطاف الثاني من قبل الأول ، ومن قبله الظهور الدرامي للفتاتين سارة ورحاب في مؤتمر صحفي بعد يوم واحد من اختفائهما المفاجئ ، ليضيفا دليلا جديدا على أزمة المعارضات العربية وصحافة الإثارة التي تتخذ من قضايا الحريات و حقوق الانسان خطابا سياسيا واعلاميا ديدنه التصيد والاقتناص، وظاهره الحق، وباطنه الكذب والافتراء .
|
مقالات
بين محبوب و البحاح وسارة ورحاب.. يوجد شهبندر
أخبار متعلقة