فقال، لم يفزعني الحدث، لقد شاهدت الموت في البر والبحر، وفي مطاردة كلاب البوليس في الغابات والحواري الضيقة ومخابئ المهربين، وليالي الجوع الرهيبة، رأيته في موت رفيق لي في القارب المطاطي الذي اكتظ عن آخره بطالبي اللجوء، وإصرار المبحرين في القارب على إلقائه في اليم لتبتلعه الأمواج وتسلمه لآفات البحر.. كان شيء ما يشبه القسوة يعلو وجوههم عند ما أصروا على التخلص من الجثة وكأنهم يتخلصون من منافس لهم على فرصة للحياة في أرض الميعاد، كنت على مقربة من الموت أكثر من مرة حتى وصلت إلى هنا، لهذا لم يفزعني الحدث وإنما أفزعني أن أرى الموت يرتسم ببشاعة على وجه تلك الحسناء وهي تهتف وتشجع على إحراق الفندق الذي يؤوينا بحقد وغضب شديدين جعلاني استعيد شريط البؤس الذي دفعني الى الهجرة، وأسأل نفسي يا ترى هل تراني قررت أن أبحث عن فرصة للحياة بين براثن الموت وكمائن الخوف والكراهية ؟!! سألت نفسي هذا السؤال، وقبل أن أجيب عليه كان هناك من يشكل سداً منيعاً لحمايتنا، ومن بين هؤلاء قسيس تخضبت عيناه بالدموع، وشرطي مصاب بزجاجات المتطرفين وكانت الدماء تسيل من وجنتيه، وشباب يعتمرون قبعات كُتب عليها لا للتطرف، ويهتفون أهلاً باللاجئين !!! هذه هي المفارقة، هي أننا قررنا أن نبحث عن فرصة للحياة داخل كمائن الموت.. وها هي فرص الحياة تخرج من جوف الموت !! الموت أحياناً أرحم ؛ سواء حينما يوفر لك فرصة الحياة أو يريحك من حياة بلا رحمة !!!
ويوم أمس، وفي لحظة فارقة، انتفضت بريطانيا لتحمي قيمها من تصلب الشرايين التي احتقنت، ولو مؤقتاً، بالتطرف.