أمور لا يستطيع المرء تجاوزها أو نكرانها أو القفز عليها، ومنهثصا ما يتمثل بحرياته وحقوقه، ولذا نجد أن الفرد في العصر الحديث يتمتع بالحقوق والحريات المكفولة التي تجعله يمارس حياته بشكل حضاري داخل المجتمع، ولكن نظراً للتطورات الحاصلة في جميع نواحي الحياة، يجد الفرد نفسه في مواجهة مصالح غيره تارة، وتارة أخرى في مواجهة مصالح الجماعة التي يعيش فيها .وبالرغم من أن القانون يكفل حرية الرأي والتعبير والتجمع والتظاهر، إلا أنه يمنع كل تعسف في استعمال الحق، ويلزم كل فرد أن يمارس حرياته في إطار احترام الحقوق والحريات المعترف بها للغير والجماعة .وانطلاقاً من هذا، تعتبر ظاهرة قطع الطريق العمومي من أهم صور التعسف في استعمال حق التعبير عن الرأي والتجمع، لأنه يضر بمصالح الفرد على حد سواء، فهذه الظاهرة تعد جريمة في نظر القانون وجدت على مر التاريخ، وهي متفشية في العالم بدرجات متفاوتة أشدها في الدول النامية، وأطلقت عليها عدة تسميات متداولة، كما تعد من أنواع الاحتجاجات التي يلجأ إليها أفراد المجتمع للتعبير عن سخطهم وتذمرهم من وضع معين.فهذه الظاهرة أثرت سلباً على اقتصاد اليمن وواقعه الاجتماعي وأمنه واستقراره، مما جعل المشرع يتدخل قصد التصدي لها، ولا يمكن مكافحتها ومواجهتها إلا بتضافر وتدخل العديد من الجهات على اختلاف تخصصاتها من سلطات وحقوقيين وسيسيولوجيا، واقتصاديين، ورجال ادين وجمعيات ومجتمع مدني بوجه عام، وذلك لتشخيص هذه الظاهرة وتحديد دوافعها واقتراح الحلول والصيغ اللازمة لمكافحتها .أن ظاهرة قطع الطريق العمومي من بين الوسائل التي لم تكن معروفة من قبل في اليمن وظهرت في الآونة الأخيرة كتعبير للمطالبة بالحقوق، وقد سجلت بعض المحافظات ارتفاعاً محسوساً، انعكست نتائجه على مجموعة من المناحي ذات العلاقة المباشرة بأمن واستقرار المواطن من جهة، وعلى التنمية الوطنية فيما تعنيه مكانة الطريق والتنقل في المجال الاقتصادي من جهة ثانية .ولا يخفى على أحد أن التشريع اليمني كفل حق المواطن في حرية الرأي والتعبير والتظاهر بصفة نظامية حفاظاً على الأمن وسلامة الأفراد وحفظ الممتلكات، إلا أنه جرم كل تعسف في استعمال حق حرية الرأي والتعبير. لسؤال الذي يطرح نفسه بإلحاح، لماذا تلجأ فئة من المواطنين إلى قطع الطريق العمومي كوسيلة احتجاج؟ في حين أن الدستور يكفل للمواطن حقه في التعبير بوسائل حضارية تمكنه من استيفاء حقوقه وتصون كرامته في حدود الحقوق والحريات المكفولة قانوناً بما يعزز دور المواطنة، وما تقتضيه مساهمة المجتمع في أمن ورقي الوطن. وبما أن قطع الطريق وتوقف حركة المرور ليست مسؤولية الدولة وحدها فقط ولكنهامسئولية المجتمع كله، لذا فعلى وسائل الإعلام أن تقوم بواجبها في التوعية بمخاطر قطع الطريق العمومي، سواء على الناس أو على الوضع الاقتصادي وفي بيان العقوبات المقررة لمن يقوم بذلك، مع وجوب التوعية الدينية للأشخاص بالمساجد وغيرها من منابر الإصلاح والتوجيه للخير، فكل ذلك يعتبر منهجاً وقائياً في حقيقة فاعليته، أو قد يكون علاجياً بعد قطع الطريق العمومي . وذلك عبر الاسراع باتخاذ مثل هذه التدابير.إننا مع إنصاف الحقوق إن سلبت، ورد المظالم إن وجدت، وتحكيم القوانين الرسمية ولكن بالحكمة، ( ومن يؤت الحكمة فقد أوتي خيراً كثيراً )، وأن الوقاية خير من العلاج، وإن التفريط في أمن المجتمع تدمير له ولمكتسباته ودعائمه، وإذا ما شاع الهلع والخوف والفزع في المجتمع، تأججت نار الفوضى، واشتعلت نار الفتنة، فتدمر الطاقات، وتهدر المكتسبات وتشتت الجهود، ويعاق بناء الخير والتنمية ويعطل الإصلاح وتشوه أبواب الخير وما يرتبط بها، فلماذا هذا التخريب والإخلال بالأمن بقطع الطرق العمومية على الناس؟، ولماذا التنكر لنعمة السكينة والأمن، لماذا يكون استحلال الأموال الخاصة والعامة وتعطيل المصالح مع أنها بلد وممتلكات الجميع؟وحسب اعتقادي أن الجميع دون استثناء يتألم جراء ما حصل من آثار وخيمة بسبب هذه الظاهرة بقطع الطرق على الناس، ونخشى مما قد يحصل بسبب طيش فئة من الناس، واستغلال المواقف السلمية والدعوات العفوية المطالبة بالإصلاح أو التحسين للأوضاع أن ينقلب الوضع، وتنعكس الصورة وتتيه الأمة ويسيطر الأشرار والفجار على مجريات الأمور ويصبح التهديد بالقتل والحرق عنوان البلد وقطع الطريق والتهجم على الرفيق وشتم الكثير والإساءة إلى الأخ والقريب.علماً بأن ذلك يشكل عملاً فيه خروج عن مخرجات مؤتمر الحوار الوطني التي حظيت بإجماع كافة الأحزاب والقوى السياسية في اليمن بكل اتجاهاتها .لذلك علينا أن ندرك وبجدية أن مستقبل الوطن يحتاج منا إلى العمل بإخلاص لزيادة الإنتاج بدلاً من إحداث فوضى وحرق الممتلكات وقطع الطرق، فعلى كل أفراد الشعب أن يتصدوا مع المسئولين في مواجهة هؤلاء الخارجين عن القانون، فحماية الوطن مسئوليتنا جميعاً، وأن اليمن تحفظ بالأجيال الواعدة التي تنشأ على مثل هذه المعاني الراقية بالدعاء، للوطن من الراعي والرعية وبالحب الصادق الحقيقي والعملي للوطن وليس بقطع طرقاته والإفساد فيه وتهديد أمنه واستقراره.إن ظاهرة الاحتجاجات التي تشهدها مختلف مناطق العالم تعد حالة طبيعية، قد اصطلح عليها تسمية المد الاحتجاجي، ففي أقل من سنة شهدت أكثر من 100 مدينة بمختلف الدول ظاهرة الاحتجاجات، ما جعلها بحق ظاهرة عالمية، لديها العديد من القواسم المشتركة تتقاطع فيها جميع حركات الاحتجاج في العالم من حيث طبيعة الاحتجاج، نوع الاحتجاج، مكان وقوع الاحتجاج، ومدة الاحتجاج والعدد التقريبي للأشخاص المحتجين وطبيعة الاحتجاج في حد ذاته.إلى جانب إن هذه الظاهرة ليست مقتصرة على الدول الحديثة العهد بالديمقراطية، أو التي لم تعرف بعد الديمقراطية، بل تعدتها إلى أن وصلت وحدثت حتى بالعديد من المدن والعواصم للدول الأغنى والأكثر تطوراً في العالم، بالإضافة إلى الكثير من الدول النامية.إن الحديث عن الأمن الوطني، يستلزم بالضرورة الحديث عن أمن المواطن، لأن مفهوم الأمن هو مفهوم عميق وشامل، فالأمن أولاً وأخيراً هو القانون، فهيبة الدولة مرهونة بعدالة القانون وبمواجهة العنف والإرهاب والخروج عن القانون والاجماع الشعبي بالقوة باسم القانون إذا تطلب الأمر ذلك.إن المفهوم التقليدي للأمن المتمثل في أمن الدولة خاصة تجاوزه الزمن، لنصل حالياً على غرار العديد من الدول ومجتمعات العالم المتحضر لتبني فلسفة ورؤية جديدة للأمن، وهي الأمن الإنساني الذي يبدأ بالإنسان، فأمن الإنسان هو من أمن الدولة ولا يمكن تحقيق أمن الدولة بدون تحقيق أمن المواطن، حيث يراعي مفهوم الأمن الإنساني عدة مستويات للأمن، يراعي التنمية البشرية والحكم الرشيد وحكم القانون والسياسة الأمنية الشاملة، حيث يجب السعي والعمل على بناء بيئة ثقافية واجتماعية ترتكز على مفهوم المواطنة واحترام القانون.وعليه فإن القانون هو الآلية الرادعة للتجاوزات والاعتداءات على أفراد المجتمع، ويعد الوسيلة الناجعة للضبط الاجتماعي، لأنه يعبر من خلال بنوده عن الأحكام الرادعة وفرض العقوبة على الخارجين عن حدود المجتمع.والقانون القهري هو وسيلة الضبط الاجتماعي، والعقاب هو الميكانيزم الرئيسي الذي يستهدف الفرد وإخضاعه، لأن الخوف من العقاب هو الذي يدفع الأفراد لإنجاز واجباتهم وأداء وظائفهم، فالعقاب الذي يحكم البشرية، وهو الذي يحميها أيضاً.وهيبة الدولة في هذا السياق تستند إلى سيادة القانون، وقوة القانون تأتي من قوة السلطة العنصر الأساسي للضبط الاجتماعي، ويتحقق الاستقرار والأمان في المجتمع، من خلال خضوع وطاعة أفراد للدولة الممثلة لسلطة القانون والقابضة على وسائل العنف لردع المتجاوزين على المجتمع، فترسيخ مفهوم الواجبات في ذهنية أفراد المجتمع تجاه الدولة، يعزز من مبدأ شرعية المطالبة بالحقوق من الدولة ذاتها .مما سبق يمكن القول أن ذلك ليس معناه تجاوزاً و إهمالاٍ أو التهرب من تلبية مطالب الناس، ألاّ أن المطالب الشعبية لا بد أن تكون لها ضوابط تحكمها وترسم لها طريقاً واضحاً لا يحتمل الانحراف أو التحريف أو التوجيه بأجندات ضيقة ومن أبرز هذه الضوابط:أولاً : أن يحترم أي حراك شعبي مبدأ سيادة القانون، وهذا المبدأ وان كان يتكون من كلمتين إلا أن تفسيره وبيان عناصره يحتاج إلى مجلدات كثيرة لما له من أهمية في حياة المجتمعات المتحضرة، فالقانون هو الذي يحكم المجتمع وينظم علاقاته ويوفق بين المصالح الفردية والجماعية فهو خضوع المواطنين والدولة بكافة سلطاتها ومؤسساتها وإدارتها وموظفيها كافة من جميع المراتب للقانون المطبق في البلاد، أي أن يكون القانون المشرع من قبل السلطة التشريعية المختصة والناظم لعلاقة ما، هو الواجب التطبيق عليها وأن تعتبر أحكام القانون المرجع الأول والأخير للبت في أي خلاف أو موضع منظم في القانون أو معالج فيه، وهو مبدأ واجب الاحترام من السلطتين التنفيذية والقضائية، ومن قبل الأفراد أيضاً، كما يشمل المبدأ القرارات الإدارية.ثانياً : احترام سيادة وهيبة الدولة، فالدولة ممثلة بوزارتها ودوائرها ومؤسساتها المختلفة هي التي تتولى إدارة الدولة وتطبيق القانون وتنفيذه، وهذا يقودنا إلى القول أن ضعف هيبة الدولة يقابله الفوضى، وارتفاع نسبة الجرائم وبالمقابل فإن احترام هيبة الدولة وقوتها يعني قوة القانون وتطبيقه وسيادة النظام والأمان على مجتمع الدولة، وهيبة الدولة هنا لا تعني القبضة الأمنية واستخدام العنف ضد أبناء المجتمع وإنما يعني الاحتكام إلى القانون وعدم التهاون في تطبيقه واحترام الحريات الفردية التي يكفلها الدستور والقانون.ثالثاً : الاعتدال والتوازن في المطالب وعدم المغالاة فيها عبر استغلال ظروف محيطة لتحقيق المطالب بشكل قد يؤدي إلى الإضرار بمكونات الدولة أو التسرع في تنفيذها بصورة تجعل من تحقيقها اختلالاً في التوازن الاجتماعي.رابعاً : استخدام الوسائل المشروعة قانوناً لإبراز هذه المطالب والضغط على الدولة لتحقيقها وهذا الضابط من أهم الضوابط التي تجعل من أي حراك شعبي أو حزبي حراكاً مشروعاً ويحظى بالتأييد الشعبي، فقد يتفق الشعب بأكمله على المطالب المشروعة لأي حراك ولكن قد يختلف على الوسائل التي يجب استخدامها، فلا احد من أبناء الشعب الغيورين على الوطن والمنتمين لترابه يقبل أن تستخدم وسائل تخالف القانون والأخلاق لإبراز المطالب والسعي لتحقيقها .إن استخدام الأساليب غير المشروعة والتي برزت من قبل بعض الفئات تعد أعمالاً مخلة بأمن الوطن، فالتخريب والاعتداء على مقدرات الوطن وإغلاق الشوارع والطرقات، واستخدام أسلوب الشتائم والذم والاتهام على أي شخص كان ليس من أخلاقنا ولا ديننا ولا عاداتنا، ولن يؤدي إلى تحقيق أهداف المطالب، ولن يزيد الأمور إلا سوءاً وسنخسر جميعاً دون استثناء شعباً وحكومة ونظام دولة، ولن ينجو احد من براثن الفوضى. إن هيبة الدولة والمحافظة عليها هي الحفاظ على أسس وروابط المجتمع وضوابطه وبالتالي الحفاظ على تماسك المجتمع مع الاحترام الكلي للحريات الفردية والجماعية على حقوق المواطنين المكفولة دستورياً، في الوقت نفسه الحفاظ والموازنة بين متطلبات الأمن وحقوق الإنسان دون الإخلال بحقوق ووجبات المواطن تجاه الدولة والمجتمع، وفي الوقت نفسه واجبات الدولة تجاه مواطنيها ، فاليمن يتطلب منا الحفاظ عليه ووضعه في حدقات عيوننا وفي ضمائرنا ووجداننا.
|
مقالات
الأمن أولاً وآخراً هو القانون
أخبار متعلقة