قراءة نقدية
د. زينب حزاملا أظن شاعراً يمنياً معاصراً أرتبط وجدانه بنبض الوجدان العربي القومي، وتوهجت كلماته بحرارة الانتماء، والاتكاء إلى يقين الأصالة، مثل الشاعر الراحل عبدالر حمن إبراهيم، عبر مسيرة شعرية مديدة وحافلة، شارك فيها أبناء جيله مثل الشاعر الراحل محمد حسين هيثم، والشاعرة ميمونة أبوبكر وغيرهم.أتيح لي أن أراه أول مرة في جمعية الأدباء الشباب في عدن في السبعينات من القرن الماضي، ثم عبر عملي في دائرة التأليف والنشر بدار الهمداني بعدن، حيث قدم العديد من الأعمال الشعرية.وقد عرف الشاعر الراحل عبدالرحمن إبراهيم بالقاءاته المستمرة مع الإعلاميين والمثقفين وحركته الدائبة بالإذاعة والتلفزيون بعدن، حيث شارك بالعديد من البرامج الثقافية، تكشف لنا عن مكوناته الثقافية التراثية الراسخة، وعن معدنه المتكئ إلى الأصالة وعروبة الهوية، وعن وجدانه الشعري المرهف الذي بدأنا نطالع إبداعاته على صفحات المجلات المحلية والعربية، وعندما قمت بتوثيق بعض الأعمال الشعرية للشاعر الراحل عبدالرحمن إبراهيم سعدت كثيراً وازددت إعجاباً بما قدمه من أعمال أدبية وشعرية تحمل روح الشاعر ووعيه العميق بهموم مجتمعه اليمني ومتطلبات المستمع والمشاهد، من الثقافة والإبداع والفنون، كان الراحل يحمل هموم مجتمعه، ويجسد هذه الرؤية في كلماته وفي مواقفه، خاصة في شعره المتوهج النبرة، الواخز في غير قسوة بهدف الإيقاظ والتنبيه والتحذير الساخر.يقول الشاعر الراحل عبدالرحمن إبراهيم في قصيدته التي تحمل عنوان «اعترافات امرأة عصرية»1 - يتبعثر في قاع القلب - حزيناً - صوت امرأة شردها مل الليلحفيف الشجر الموحش وانتفضت في عينيهارؤيا الأوجاعالعصرية صاحتكما يصحو نهر الألم المتسكع في الحارات الشعبيةكما يشتعل المقهورون - فوانيس الأرض وأعباش الكون المشطور مراياالماء وظهر تفاوتهريحاً هائجة تتفجر في أشواق المدن الحبلى بالقهرالإنساني وعهر الطعمات المالية والشبق الحربي2 - في الليل «و أنا في أحلى التذكار - داهمني صوت امرأةمشحون بالأشجانناداني بأسمي: يا «عبدالرحمن»«بين الناس صعاليك عصريونودراويش منسيونوجهابذة فوادونوسماسرة يبتاعون يبيعون الإنسانبالثمن البخسبالدولار أو بالفلسبالتدجيل وهالات العرسينشحون بأزمنة النارودماء الثورة والثواروحنين الوصل إلى الفصللكن الثورة نهر حارلا يبقى في الأعماق سوى الأحجار3 - تحت شمس امرأة تتأرقلست أدري تعشقأو لا تعشق4 - كانت هائمة سنواتتبحث في ريح القلواتعن سيف التغييرومهر الثوراتكتبت في ديسمبر 1981م عدنيقول الدكتور عبدالعزيز المقالح في مقال كتبه في مجلة اليمن الجديد : «تثبت قصائد الشاعر عبدالرحمن إبراهيم أننا إزاء شاعر يحتل مكاناً مميزاً في الحركة الشعرية الجديدة في اليمن وهو بنتاجه الشعري يواكب أحدث نماذج القصيدة كما يكتبها زملاء له في القاهرة وبغداد ودمشق.ويقول الدكتور حسن فتح السياب في مقال كتبه في مجلة الحكمة: «عبدالرحمن إبراهيم هذا الشاعر الذي يتطور فناً وفكراً عبر مغامرته في عالم الشعر فهو يستخدم أحدث المفردات والجمل الشعرية في قاموس الشعر الجديد أنه يستخدم أدوات جديدة تناسب مضامينه الجديدة.فهو يستلهم قصائده من مشاق النضال وعذاب الرحلة والصراع الشديد الذي تخوضه الشعوب في العالم والشعب العربي خاصة في درب التحرر والانعتاق.كان الشاعر الراحل عبدالرحمن إبراهيم أحد أولئك الأفراد الذين ساهموا في بث روح التجديد في الإبداع الأدبي في عدن والشعري خاصة، وكان من أوائل من وعى أهمية التجديد في الشعر، ودعا إلى إحداثه، وساهم في نشاط الحركة الأدبية الشبابية في عدن.عمل الشاعر الراحل عبدالرحمن إبراهيم في وظائف حكومية مختلفة معظمها ذات طبيعة ثقافية، لكن روحه الثائرة كانت تختنق بالفكر والشعر، وبعض القصص القصيرة لفترة من الوقت، ومن أعماله الشعرية نقدم للقارئ هذه القصيدة «من أشجان الزمن العربي».ويقول الشاعر الراحل عبدالرحمن إبراهيم في قصيدة «من أشجان الزمن العربي الحامض»: انحني لاشتعال الغضبللجثث المنذورة في عرسنا الطبقييناوش زوبعة للقامات وفاتحة اللهبانحنى لاحتقان النزيفواعترف الآن لعينيك بأن تمزقنا حرص الشاعر الراحل عبدالرحمن إبراهيم على كتابة قصيدة ثائرة التفاصيل وحادة اللغة رغم استكانتها تحت سقف تقاليد القصيدة العربية العمودية والتفعيلية، كما استقر عليها الشعراء في الخمسينات والستينات من القرن الماضي، ومن دون أن يلج بوابات التجريب الشعري التي سبقه إليها شعراء عرب كثيرون لا يتفوقون عليه بحجم الموهبة بل بروح المغامرة وحسب، ويجد القارئ في معظم قصائد الشاعر الراحل عبدالرحمن إبراهيم ثورة ميتافيزيقية تقلب مفاهيم الخير والشر إلى إشارات بليغة لما حدث في المجتمع اليمني اليوم من منظور شاعر عشق الحرية والسلام وهو يسعى للمستقبل المشرق.