صنعاء / سبأ / يحيى الضبيبي يجمع رجال الدين بأن الحكمة من مشروعية الزكاة تربية روحية وأخلاقية للعباد، وتحقيق للضمان الاجتماعي والتنمية الاقتصادية، فضلاً عن دورها الكبير في حفظ العزة السياسية للمسلمين.ويؤكد رجال الدين ضرورة وأهمية تحصيل الزكاة بالحق واستخدامها في مصارفها بالحق ومنع الإسراف والتبذير في تحصيلها أو استخدامها في مجالات الترف واستغلالها الاستغلال الأمثل لزيادة القوة الإنتاجية للمجتمع وزيادة الدخل القومي، الأمر الذي يسهم في ارتفاع مستوى دخول الأفراد جميعاً وبذلك ترتفع الكفاية الإنتاجية لكل منهم، وترتفع مستويات دخل الأفراد، فتتحق المشروعية المبتغاة من هذه الفريضة العظيمة.ويستشهد رجال الدين بصدر الدولة الإسلامية ففي عهد عمر بن عبد العزيز ارتقى مستوى المعيشة للأفراد لدرجة أنهم لم يجدوا فقيراً أو مسكيناً لإعطائه الزكاة .والزكاة فريضة بالكتاب والسنة والإجماع، ودليل ذلك قوله الله سبحانه وتعالى : “ إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِّنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ “ (سورة التوبة : 60 ) .ويقول الرسول صلى الله عليه وسلم لسيدنا معاذ بن جبل عندما بعثه إلى اليمن، إذ قال له: فأعلمهم أن الله افترض عليهم صدقة تؤخذ من أغنيائهم فترد على فقرائهم ) . (رواه أحمد).ويقول الشيخ يوسف القرضاوي :" فرض الله الزكاة وجعلها من دعائم دين الإسلام تؤخذ من الأغنياء لترد على الفقراء، فيقضي بها الفقير حاجاته الأساسية المادية مثل المأكل والمشرب والملبس والمسكن وحاجاته النفسية والحيوية مثل الزواج وحاجاته المعنوية الفكرية مثل العلم، وبهذا يستطيع الفقير أن يشارك في الحياة الاقتصادية ”. وإذا ما أحسن عملية توزيع الزكاة لمصارفها فإن من يحصل على الزكاة اليوم سوف يصبح بعد ذلك دافعاً لها وهذه هي سُنة الحياة ولن تجد لسنة الله تبديلا. ويقول رجال الدين: "فريضة الزكاة إذا وزعت حصيلتها بالحق وفقاً لنظامها الدقيق الذي شرعه الله وطبقه سيدنا محمد والتابعين من بعده، شفيت النفوس من الحقد والكراهية، وطهرت من الشح والبخل والطمع، تربت على الصدق والأمانة والإخلاص والإنفاق والبذل والتضحية والقناعة والإيثار والتراحم، بذلك فإنها تقضي على الرذائل الاقتصادية ومنها الغش والغرر والتدليس والربا والقمار وأكل أموال الناس بالباطل وبذلك تعالج النفوس الأمارة بالسوء، ويأمن المجتمع من الخوف، ويحيا الناس حياة طيبة رغدة في الدنيا، أخوة في الله متحابين، ويفوزوا برضاء الله في الآخرة راضين مرضيين".فلقد غرست فريضة الزكاة الأخلاق الفاضلة في المسلمين في الصدر الأول من الإسلام وقومت سلوكهم، ولقد أشار القرآن الكريم إلى ذلك في كتابه الكريم فقال :« خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ» (التوبة:103).ولهذه الأهمية فإننا نورد في هذا الموضوع بعض الأحكام الخاصة بالزكاة بهدف تبيين بعض الجوانب التي تساهم في أن تكون مصارف هذه الفريضة في محلها شرعاً وتحقق المبتغى من فرضها.ونبتدئ بأحكام الزكاة والصدقات من أموال اليتامى .. حيث يشير الدكتور حسين حسين شحاتة الأستاذ بجامعة الأ إلى زهر أن الزكاة في الأساس تجب على المسلم لأنها عبادة، ولا تقبل من الكافر، ودليل ذلك من القرآن الكريم قول الله عز وجل: (وَمَا مَنَعَهُمْ أَن تُقْبَلَ مِنْهُمْ نَفَقَاتُهُمْ إِلاَّ أَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَبِرَسُولِه) ( التوبة : 54 ).ويقول: " كما أنها (الزكاة) تجب على المسلم الحر ولا تجب على العبد لأنه لا يملك وإن ملك فرضا لا يستطيع التصرف في المال، ودليل ذلك من السنة النبوية الشريفة قول الرسول صلى الله عليه وسلم: “ من باع عبداً له مال فماله للذي باعه إلا أن يشترطه المبتاع” ( أخرجه البخاري ومسلم )، وتأسيساً على ذلك تجب زكاة المال على المسلم الحر سواء كان ذكراً أو أنثى، مكلفاً أو غير مكلف، عاقلاً أو مجنوناً متى كان هناك مال تتوافر فيه شروط الخضوع للزكاة، وهذا ينطبق على مال اليتيم”. حكــم زكاة مال اليتيم يشير الدكتور شحاته إلى أن الزكاة عبادة مالية، تتعلق بالمسلم كعبادة وتتعلق بماله كفريضة مالية، ولقد اختلف الفقهاء في وجوب الزكاة على مال اليتيم، فيرى جمهور الفقهاء أن في مال اليتيم زكاة إذا توافرت شروطها، بينما يرى فريق آخر أنه ليس فى ماله زكاة حيث أنه يعتبر غير مكلف بالعبادة والزكاة عبادة.ويبين أن من أدلة رأي الفريق الأول، أن في مال اليتيم زكاة، ويجب على ولي أمره أداؤها، ودليلهم في ذلك قول رسول الله صلى الله عليه وسلم : “ ألا من ولى يتيما له مال فليتجر له، ولا يتركه حتى تأكله الصدقة ” ( أخرجه الترمذي ) ، ولقد أخذ بهذا الرأي: الإمام مالك والشافعي وأحمد، كما أخذت به أيضاً الهيئة الشرعية العالمية للزكاة ، ونحن نميل إلى هذا الرأي ، ومن أدلة رأي الفريق الآخر: لا زكاة في مال اليتيم لأن الزكاة عبادة ترتبط بالتكليف واليتيم الصبي غير مكلف بالعبادات، ولقد أخذ بهذا الرأي: الحسن ومجاهد، فيما يرى أبو حنيفة: لا زكاة في مال اليتيم إلا في زكاة الزروع والثمار فقط.ويرجح الدكتور شحاته رأي الفريق الأول أي فرضية الزكاة في مال اليتيم إذا توافرت شروط وجوبها.وحول حكم زكاة المال المجمد المحبوس لليتيم يقول: "أحياناً يكون مال اليتيم مجمدا أو مقيداً في استثمارات أو لدى البنوك الحكومية ولا يستطيع الوصي التصرف فيها كما تقضي بذلك بعض القوانين ففي هذه الحالة ليس عليها زكاة لأنها تأخذ حكم الأموال المقيدة التي ليس عليها زكاة، وتزكى عند الإفراج عنهما لسنة واحدة فقط وليس بأثر رجعي".وفيما يخص حكـم تطهير مال اليتيم المكتسب مـن حرام يبين أنه في بعض الأحيان تستثمر أموال اليتيم بالأسلوب الربوي حيث توضع في بعض البنوك التقليدية التي تعطى فائدة ربوية، ففي هذه الحالة التي فيها اضطراراً، تجنب تلك الفوائد بعيداً عن أصل المال الحلال ويتم التخلص منها في وجوه الخير وليس بنية التصدق.أما من يدفع زكاة مال اليتيم فيشير الأستاذ الجامعي بجامعة الأزهر إلى أنه يقوم الولي على مال اليتيم بحساب الزكاة المستحقة وله أن يستعين بأهل الاختصاص في هذا الأمر، مصداقاً لقول الله تبارك وتعالى: (فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ) (النحل: 43)، وتخصم الزكاة المستحقة من مال اليتيم وتدرج ضمن نفقاته.. لافتاً إلى أنه في هذا الخصوص تثار العديد من المسائل والتساؤلات من بينها هل يجوز للوصي أن يتحمل زكاة مال اليتيم هبة أو تبرعاً أو هدية.حيث يشير إلى أن الفقهاء أجازوا ذلك من باب الصدقة و البر والصلة والتبرع ويثاب الوصي على ذلك، وحول هل يجوز للوصي أن يقرض اليتيم قرضاً حسناً يدفع منه الزكاة الواجبة إذا لم يوجد سيولة نقدية عند اليتيم، يبين أن الفقهاء أجازوا ذلك أيضاً بشرط أن لا ينتفع الوصي بأي شيء، لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: “ كل قرض جر نفعاً فهو ربا “ ( رواه أحمد ).وفيما يخص جواز تقسيط الزكاة المستحقة على مال اليتيم وخصوصاً في حالة نسيان الوصي أداءها في حينها يقول الدكتور شحاته :” أحياناً يفاجئ اليتيم بعد بلوغ سن النكاح والرشد أن الوصي عليه لم يقم بدفع الزكاة الواجبة في ماله لعدة سنوات ماضية ولم يكن هناك مانع شرعي يمنع أداءها، وبذلك يتراكم مبلغ كبير يصعب سداده مرة واحدة، ففي هذه الحالة يجوز تقسيط الزكاة المستحقة والأولى التعجيل بسدادها ولا تقسط لأنها حق الله في المال وله صفة الامتياز على باقي الحقوق”.أما حكم الصدقة التطوعية من مال اليتيم فيشير إلى أن الفقهاء تناولوا هذه المسألة بشيء من التفصيل ولهم آراء كثيرة، والرأي الراجح عندهم هو لا يجوز للولي أن يتصدق من مال اليتيم وذلك لأن الصدقة التطوعية مندوبة وليس فرضاً أو واجباً وذلك من باب المحافظة على المال، وإذا اقترب اليتيم من سن النكاح والرشد ورأى أن يتصدق بالعدل دون تجاوز حسب ما يتعارف عليه الناس، فلا بأس وخصوصاً وأنه في هذه السن يكون قد عقل ما يصنع.وحول حكم التبرع والهدايا والهبات من مال اليتيم يرى الفقهاء أنه لا يجوز التبرع أو الهدية من مال اليتيم لأن ذلك كله من المندوبات وليست من الفرائض أو الواجبات والغاية من ذلك هو المحافظة على مال اليتيم.وعن حكم الأضحية من مال اليتيم يرى الفقهاء أنه لا يجوز التضحية من مال الفقير لنفس المبررات السابقة، ولكن إذا قرب اليتيم من سن الرشد وعقل معنى الأضحية فلا حرج. ويخلص الدكتور شحاته إلى القول: "خلاصة القول إن الراجح من أقوال الفقهاء هو خضوع مال اليتيم للزكاة سواء زكاة المال أو زكاة الفطر ولكن لا يجوز التصدق أو التبرع أو الإهداء أو ما في حكم ذلك من النفقات المندوبة وذلك بهدف المحافظة على المال ورده إليه بالعدل" .ومن الأحكام الهامة في الزكاة جواز استثمار أموالها في مشروعات اجتماعية واقتصادية تحقق ريعاً أو أرباحاً ينفق منها على مستحقي الزكاة من عدمه.وفي هذا الشأن يشير عدد من الفقهاء إلى جواز ذلك بضوابط شرعية من أبرزها كفاية المصارف الأخرى المستحقة للزكاة أولاً ووجود فائض، وتمليك المشروعات الاستثمارية للفقراء والمستحقين بنظام المشاركة الإسلامية أو بنظام الإجارة، وأن يكون الاستثمار بالأساليب الإسلامية، وأن يتولى أمر الاستثمار جهة ذات خبرة، ووجود لوائح وقواعد ونظم تحكم الرقابة على المشروعات الاستثمارية، وكذا أن يشرف على ذلك مؤسسات ولجان وصناديق الزكاة وما في حكمها للمحافظة على الأموال، وأن تعد دراسات جدوى موضوعية يتوافر فيها كافة الضوابط الشرعية والاستثمارية وتخضع لفقه أولويات الاستثمار الإسلامي والتنمية الاجتماعية والاقتصادية .وحول جواز إعطاء الزكاة للمهجرين والمشردين من بلادهم، أجاز الفقهاء إرسال الزكاة إلى المهجرين والمشردين عن مساكنهم ومواطنهم بسبب الحروب أو الزلازل أو الفيضانات.وعن إعطاء الزكاة للوالد الفقير، أكد رجال الدين أنه لا يجوز أن تعطى زكاة مالك لوالدك لأنك ملزم بالإنفاق عليه، فالولد وما يملك ملك لأبيه، ويدخل هذا في نطاق بر الوالدين، أما إعطاء الزكاة للراغبين في الزواج فقد أجاز الفقهاء إنفاق مال الزكاة في مساعدة الراغبين في الزواج في مجال الضروريات والحاجيات من المتاع وليس في مجال الكماليات والترفيات ولقد فعل ذلك خامس الخلفاء الراشدين عمر بن العزيز عندما أمر المنادي أن ينادي في الناس ويقول : أين الغارمون ؟ أين الناكحون، كما يعتبر النكاح من مقاصد الشريعة الإسلامية ويقع تحت مقصد حفظ العِرْض.ويؤكد رجال الدين أن على ولي أمر المسلمين أن يساعد الراغبين في الزواج من بيت مال المسلمين امتثالاً لوصية رسول الله صلى الله عليه سلم الذي قال : “ ... ومن ليس له زوجة فليتخذ زوجة “، ويرى بعض الفقهاء مراعاة فقه الأولويات أي لا يحرم الفقراء والمساكين ونوجه الأموال إلى مساعدة الراغبين في النكاح فيجب التوازن بين المصارف.وفي جانب حكم زكاة الأموال المستثمرة في صناديق التكافل والتأمينات يشير رجال الدين إلى أن هذه المدخرات محبوسة ولا يمكن التصرف فيها فتأخذ حكم الأموال المقيدة فلا تجب فيها الزكاة ، ويقبض المشترك قيمـة التعويض فإنه يضمه إلى بقية أمواله النقدية ويزكي الجميع بنسبة 2.5 % إذا وصلت جميعها إلى النصاب، ويطبق ما سبق على صناديق التكافل الاجتماعي وصناديق التأمين الخاصة وما في حكم ذلك .أما عن جواز حساب زكاة المال على أساس السنة الميلادية فيشير الدكتور شحاته إلى أن الأصل أن تحسب الزكـاة علـى أساس السنة الهجرية (الحول القمري) وإن تعذر ذلك لأسباب قانونية أوعملية، فتحسب الزكاة على أساس السنة الميلادية مع الأخذ في الحسبان فروق الأيام .ويرى حول جواز أن يخرج التاجر زكاة المال من البضاعة التي يعامل فيها أن الزكاة تجب في عين البضاعة بعد تقويمها نقدا على أساس القيمة السوقية وقت حول الزكاة ،ففي مثل هذه الحالة : تحسب الـزكاة على عروض التجارة وتقوم بالنقود، ثم يتم ترجمـة النقود إلى بضاعة، ويجوز أن يخرج التاجر زكاة ماله من البضاعة التي يتاجر فيها بشرط أن لا تكون من الرديئة.أما عن حكم تأخير الزكاة فيشدد على أن الاصل التعجيل بأداء الزكاة ، فاذا وجبت أصبحت دينا في ذمة المزكي، وإن مات يقدم أداء الزكاة على سائر الديون ،ولا يجوز التأخير إلا عند الضرورة المعتبرة شرعا، ويجوز سـداد الزكاة مقدما على دفعات أو مرة واحدة، وفي نهاية الحول يسوى ما دفع فعلا مع الواجب أداؤه ،ويجوز الاقتراض لأداء الزكاة متى كان المزكي قادرا على الأداء.ويؤكد الدكتور شحاته حول تنويع المصارف في الزكاة وجواز الاقتصار على مصرف واحد أو شخص واحد عند أداء الزكاة إلى أن جمهور الفقهاء يرون أنه يستحب توزيع الزكاة على مصارفها ويجوز عند الضرورة (طبقا للأولويات الإسلامية) حصرها في مصرف واحد حتى ولو انحصرت في فرد واحد.وللإجابة على تساؤل هل يجوز المساواة بين مصارف الزكاة، يؤكد أنه لا يلزم المساواة، بل توزع حسب الأولويات الإسلامية وحسب الضرورة والحاجة.
|
رمضانيات
الزكاة غرست الأخلاق الفاضلة في المسلمين وحققت الضمان الاجتماعي
أخبار متعلقة