الدكتور أحمد يحيى الصعفاني لصحيفة 14 اكتوبر :
لقاء/ وهيبة العريقيالبواسير ذات خصوصية وحساسية، البعض يقابل الإصابة بها بالصمت المطبق والمشاعر المكبوتة والتستر..كأننا به ينظر إليها أنها وصمة عار يعاب من يصاب بها، ومرض فاضح لا يجب التكلم عنه، لأي ٍ كان، مهما ساء وضعها وأثقلته المعاناة.هذا النظرة المشوشة نشأت وتجذرت في أذهان وعقول الكثيرين،ساهم فيها تدني الوعي الصحي في أوساط المجتمع..في اللقاء التالي الذي جمعنا بالدكتور / أحمد يحيى الصعفاني- اختصاصي الباطنية، متسع لبيان حقيقة البواسير وبيان أنواعها وأسبابها وأعراضها ومضاعفاتها، وما يتطلبه الشفاء والتماس العلاج، وما يلزم اتباعه من إرشادات صحية وقائية وما إلى ذلك.المرض وأنواعه> باختصار ما هو تعريف البواسير ؟ وما أنواعها؟> > طبياً البواسير عبارة عن انتفاخات موضعية في الأوعية الدموية الموجودة بنهاية القناة الهضمية على شكل جذور منتفخة، ناتجة عن ضعف في جدارها أو ارتفاع في ضغط الدم بتلك الأوعية.وتعتبر نوعاً من الدوالي التي يمكن أن تظهر في أماكن أخرى من الجسم، كدوالي المريء ، دوالي الخصية ودوالي الساقين . وهي على نوعين:- - بواسير خارجية ( external):تظهر خارجة من فتحة الشرج وتكون عادة مغطاة بالجلد .- بواسير داخلية ( internal):تتكون ما قبل فتحة الشرج، وعادة ما تكون مغطاة بالغشاء المخاطي.وهناك نوع يجمع بين الاثنين وهو الذي يبدأ من الداخل ويمتد إلى الخارج.حقيقة الأسباب > هل هناك أسباب محددة تقف وراء الإصابة بالبواسير؟> > الأسباب التي تساعد على تكون البواسير عديدة، منها : - التكوين التشريحي لهذه الأوعية، كعدم احتوائها على صمامات تعمل على توزيع ضغط عمود الدم بداخلها وكذلك التوزيع العمودي للأوعية المغذية لهذه الدوالي .- الإمساك المزمن والسعال المزمن، بما يؤدي إلى ارتفاع الضغط داخل التجويف البطني أو كالذي يحدث عند التبول، البروستاتا المتضخمة، وبدوره يزيد الضغط على الأوعية الدموية المغذية لهذه الدوالي .- الدفع بقوة أثناء التبرز بسبب الإمساك (اليبوسة).- الحمل المتكرر وأورام الجهاز التناسلي قد تؤدي إلى احتقان الأوعية أو انسدادها . - ارتخاء عضلات المستقيم وفتحة الشرج لكبر السن أو الجلوس لفترات طويلة.آفة القات> ماذا عن دور القات في الإصابة بالبواسير؟> > توجد أسباب يتميز بها مجتمعنا خاصة، لا توجد في أي مجتمع آخر، وعلى رأسها القات. إذ يعتبر متهماً أساسياً في إصابة الكثيرين بالبواسير، وهو ما يفسر انتشار هذا المرض بين من يتعاطى هذه الآفة من أبناء المجتمع بمختلف طبقاته وفئاته منذ زمن ظهوره وانتشاره في بلادنا. يتميز القات بقدرته على تكوين البواسير بطرائق متعددة، أذكر منها:- الجلوس لساعات طويلة وبشكل يومي لتعاطي القات، وهو ما يؤدي إلى ارتخاء عضلات المستقيم وفتحة الشرج .- تعرض متعاطي القات للإمساك، وغالباً ما يتخذ الإمساك معه نمطاً مزمناً، خاصةً لدى الكبير في السن.- تعرض متعاطي القات للنزلات المعوية والتسممات بصورة متكررة، لما يتعرض له القات من ملامسة الأيادي الملوثة عند شرائه، وللرش العشوائي بالسموم الكيماوية التي يتفنن مزارعو القات في استخدامها عشوائياً، دون أن يرقبوا في مؤمنٍ إلاً ولا ذمة، مما يؤدي إلى نشوء تهتك وتقرح في الغشاء المخاطي المدعم للأوعية الدموية.- أجواء جلسات القات لا تخلو من دخان التبغ والسجائر، وبالتعرض لدخان التبغ بشكل يومي سواءً بتدخين المخزن أو باستنشاقه الدخان قسراً، يؤدي كثيراً إلى التهابات الشعب الهوائية المزمنة والسعال المزمن. الأعراض وآثارها> الكثيرون يطلقون صفة (البوسرة) للدلالة على الإصابة بالبواسير على من يتسمون بالعصبية والغضب السريع.. فما هي الأعراض الحقيقية للمرض ؟ وهل ما ذكرت من انفعال وعصبية جزء من هذه الأعراض؟> > أعراض هذا المرض جلية واضحة، فقد تبدأ البواسير على شكل بروزات أو نتوأت تظهر خلال فتحة الشرج، وتظهر في البداية عند التبرز فقط وتعود إلى الداخل تلقائياً، ثم تعاود الظهور مع المشي أو السعال. لكنها مع تقدم المرض لا تعود للداخل، بل تصبح ظاهرة بصورة دائمة.وقد تبدأ البواسير عند آخرين على شكل دم يظهر عند التبرز وتزداد شدته فيظهر على شكل خطوط دموية على سطح البراز، ثم يتحول إلى نزيف بعد ذلك .ويصاحب البواسير إفرازات مخاطية تثير الأنسجة الجلدية حول فتحة الشرج وتؤدي إلى حكة شديدة ومستمرة. يضاف إلى ما سبق، ما نراه يحدث غالباً في مجتمعنا، حيث يشعر المصاب بأعراض الاكتئاب والإحباط ، كفقد الشهية والفتور العام وضعف واضطراب النوم وضعف القدرة الجنسية.ومع تقدم المرض يصبح المريض سيئ الطباع، حاد المزاج، سريع الغضب والانفعال، يفتعل الشجار بسبب أو بدون سبب. المضاعفات وتبعاتها> كيف تبدو مضاعفات المرض بما لها من آثار وتطورات سلبية؟> > عندما يهمل المصاب حالته ويتقاعس عن عرض نفسه على الطبيب المختص فور بدء الأعراض الأولية،فإن الحالة تتدرج من المرحلة البسيطة إلى الحالة المتأخرة . حيث تظهر زوائد من الأوردة المتضخمة حول الشرج نتيجة ضغط عضلة الشرج عليها، ووضع كهذا يسوده الإهمال يجعل المريض عرضة لمضاعفات عديدة، مثل:- فقر دم (anemia) وذلك نتيجة لفقدان المريض لدمه بصورةٍ متواصلة.- النزيف الشديد الذي قد يؤدي إلى صدمة (Shock). - التهابات حادة وقد تؤدي إلى تسمم دموي (septicemia) أو تكون ُخراجات صديدية (abscess) أو ناسور ( fistula ).- تليف البواسير .- انسداد في الأوعية الدموية نتيجة لجلطة تكونت داخل الوعاء الدموي (thrombosis) تظهر على شكل ألم شديد في فتحة الشرج .العلاج والوقاية> ما الذي يتعين على مرضى البواسير التقيد به من نصائح وإرشادات لعلاج هذا المرض؟> > عندما تكون البواسير خفيفة قليلة الإزعاج للمريض يجب تدارك استفحالها بالاعتماد على نظام غذائي صحي يعتمد على:-تجنب البهارات والفلفل والقهوة والكحوليات.-التخلص من الإمساك بالاستعانة بطبيب لوضع حلٍ جذري ونهائي لمشكلة البواسير.-الاهتمام بنظافة منطقة الشرج من خلال استعمال الماء الفاتر والصابون.-العلاج الطبي المناسب الذي يعتمد على الأدوية واستعمال مرهم خاص يوضع قبل التبرز ، وليلاً عند النوم داخل فتحة الشرج، فالبواسير عادةً في المراحل المبكرة تحتاج إلى علاجات دوائية تؤدي إلى تقوية جدار الأوعية الدموية وتخفيف الضغط بداخلها.وقد تنوع العلاج الجراحي بشكل كبير في السنوات الأخيرة وأصبح أكثر تطوراً وتنوعاً، وهناك الجراحة التقليدية التي تستأصل فيها البواسير بكاملها، وهناك جراحة المناظير وعمليات الربط، وأخرى بواسطة الكي أو (الليزر). حيث أصبحت أكثر فاعلية وأقل في المضاعفات .قد يشكو المريض بعد إجراء العملية الجراحية من ألم في منطقة المخرج، ويتم تخفيفها باستعمال مسكنات الألم ، كذلك احتباس البول - لاسيما عند الرجال - ويعالج بتشجيع المريض على التبول.قد يتعرض المريض بعد خضوعه لعملية البواسير أيضاً إلى نزف دموي في موضع العملية ، إما عقب إجرائها أو بعد فترة زمنية .. وهذا يعتمد على أسباب متعددة، منها الالتهاب. شقائق الرجال•ما السر في تزايد الإصابة بالبواسير بين النساء؟النساء شقائق الرجال، البعض منهن في مجتمعنا يتساوين بهم في تعاطي القات. إضافةً إلى أن هناك سبباً آخر وهو الحمل المتسلسل، لاسيما في المناطق الريفية، فلا تكتفي البعض بتكوين فريق كرة قدم، بل تضيف مقاعد احتياط. وهذا بدوره يجعل الكثيرات منهن عرضة لدوالي الساقين وأخريات منهن عرضة للبواسير .التماس العلاج> ثمة من يخفي إصابته بالبواسير حياءً وينكفئ على معاناته وآلامه، وإذا ما فكر في التداوي عمد بنفسه إلى البحث عن العلاج التقليدي والوصفات الشعبية.. فما النصح الذي توجهه إلى هؤلاء ؟> > لاتزال رواسب الجهل بأبسط قواعد وأسس الإصحاح ومتطلباته تؤثر في سلوكيات وممارسات البعض إلى وقتنا الحاضر للأسف الشديد..فهناك من مرضى البواسير من يعاني الأمرين عند كل زيارة للحمام ويحرص كل الحرص على إخفاء كل الأدلة التي من شأنها أن تدل على إصابته بالمرض .. تجده في قرارة نفسه يرفض بشدة فكرة الذهاب إلى الطبيب،حتى لا يعرف بسره ولا يطلع عليه أحد، ظناً منه إذا ما اكتشف أمر مرضه بأنه سيصبح محل شفقة أحبائه ودعابات أصدقائه وشماتة أعدائه.وهناك من يرى أن الحاجة أم الاختراع، فيعمد إلى إصلاح ما أفسده الدهر بنفسه باقتناء عدد من كتيبات التداوي بالأعشاب واختيار الوصفات المناسبة لحالته، مكتفياً فقط بكلمة (مجرب) تطبيقاً لمثلٍ هزيل مفاده (اسأل مجرب ولا تسأل طبيب) !!.وآخرون يدفعهم خجلهم من الكشف الطبي إلى اللجوء للرصيف لمن يعرضون مركبات الأعشاب على قارعة الطريق تحت مصطلح أعشاب طبية، فيأخذون منها أشياء عجيبة الشكل واللون، وقد تعرضت لظروف مناخية متباينة لمدة طويلة، طيلة عرضها للبيع على الرصيف، فيما لم تعد تمت للمادة بصلة سوى أنها تشغل حيزاً من فراغ، آخذين بفلسفة جوفاء(إن لم تنفع، لن تضر)، وكلٌ يأخذ نفساً عميقاً عند استعمالها بحسب ما يمليه من يقرر الوصفات العشبية من تعاليم و إرشادات.ولا يجبرهم على دخول المستشفيات أو عرض شكواهم على الأطباء المختصين إلا إذا حدث ما لا تحمد عقباه وهو المضاعفات .من هنا وبما يمليه الواجب علينا نحو المجتمع من تصحيح للأفكار والممارسات وتعديل للسلوكيات في هذا الاتجاه، لا بد من أن نعمل على رفع الوعي الصحي المتدني أساساً لدى الكثيرين نحو تطبيق ونهج أسس ومبادئ منهجية التماس الرعاية الصحية، والدفع بهم إلى الوثوق بما أحرزه التقدم العلمي في شتى المناحي الطبية بما فيها جانب علاج مرض البواسير، ليتسنى القضاء على رواسب الجهالة التي قادت بالبعض إلى مآزق وويلات ما كان لهم الوقوع فيها إذا ما التمسوا الرعاية الصحية من البداية والتزموا بالإرشادات الصحية وبالعلاج الصحيح الذي وصفه لهم الأطباء المختصون.الوقاية العامة> كيف تتأتى الوقاية العامة من البواسير؟> > الوقاية من البواسير تتركز على معرفة الأسباب وتجنبها وممارسة الرياضة الخفيفة والسباحة وتجنب الإمساك بتناول كميات مناسبة من الماء يومياً.وعدم حمل الأشياء الثقيلة بصورة مستمرة والإكثار من تناول الخضراوات والفواكه، وتناول الأطعمة التي تحتوي على الألياف، كالحبوب وخبز القمح الأسمر الكامل غير المنخول، وتجنب شرب القهوة بكثرة، والإسراع في معالجة السعال والإمساك بصورة عاجلة والنظافة الشخصية، تجنباً لنزلات الجهاز الهضمي .كذلك التخلص من السمنة المفرطة لتقيل الضغط الناتج عنها على منطقة المخرج والتعود على عملية الإخراج في مواعيد منتظمة. وأخيراً وليس آخراً.. يجب مراجعة الطبيب عند الاشتباه بظهور علامات البواسير. فالبواسير- أخي المريض- ليست عيباً فيك ولا تنقص من مكانتك، ليست إلا انتفاخات موضعية لأوعية دموية يستأصلها الطبيب بمنتهى السهولة.