على هامش الورشة التدريبية لاستقلال القضاء ونزاهته
لقاءات وتصوير/ عادل خدشي اختتمت بقاعة مركز اليمن لدراسات حقوق الإنسان بعدن الورشة التدريبية حول «استقلال القضاء ونـزاهتـه .. معايير وشــروط تـحقـيقـه وأهميته فـي قيام الحكم الرشيد وإرساء دعــائــم الـدولـة المدنية الحديثة» التي نظمها مركز اليمن لدراسات حقوق الإنسان بالتعاون مع مؤسسة المستقبل ضمن مشروع نشر ثقافة حقوق الإنسان الاقتصادية والاجتماعية والثقافية ورصد الانتهاكات وتقديم المساعدة القانونية، بمشاركة (30) قاضيـًا ومحاميـًا ومحامية واستمرت ثلاثة أيام من 12 إلى 14 مايو 2013م.وفي ختام أعمال الورشة التدريبية أوصى المشاركون مجلس القضاء الأعلى بالتعاون مع المنتدى القضائي في إعداد مشروع جديد لقانون السلطة القضائية، مؤكدين أهمية زيادة عدد المواد المنظمة والمحددة لمهام السلطة القضائية في الدستور الجديد، التي سيتضمنها باب سلطات الدولة.وطالب المشاركون في الدورة بضرورة تقليل المهام المناطة بوزير العدل تجاه الشؤون المالية والإدارية التي تعنى بمهام وحقوق منتسبي السلطة القضائية.. كما أوصوا بتجسيد مبدأ استقلال القضاء في تشكيل مجلس القضاء الأعلى القادم مؤكدين إنشاء واستحداث محكمة دستورية عليا يكون مقرها العاصمة. كما أوصى المشاركون مجلس القضاء بسرعة إنشاء قضاء إداري بكامل الدرجات القضائية المحددة للتقاضي، وضرورة وضع معايير وضوابط محددة من حيث النزاهة والكفاءة والإنجاز عند اختيار رؤساء المحاكم الابتدائية ووكلاء النيابات على ألا تقل الخدمة الفعلية لمن سيختارون لشغل هذه المناصب عن عشر سنوات.وعلى هامش الدورة التقينا عددًا من المهتمين بالشأن القضائي.. وإليكم الحصيلة:[لا يوجد نمط فقرة][فقرة بسيطة]في البدء التقينا الأخت سماح جميل نائب المدير العام للمركز - مديرة المشروع حيث قالت: لقد واجه (جهاز) القضاء - الذي أفرغ من أي معنى إنساني له علاقة بكونه سلطة قضائية خلال السنوات الماضية - سيطرة حديدية ونفوذ ووصاية الحاكم والحكومة والنافذين الذين تدخلوا في فرض وتعيين القضاة وقياداتهم وتنقلاتهم ومعاقبة من يخرج عن طاعتهم، وتدخلوا في إطلاق الأحكام، وعملوا على بث الفساد بين المنتسبين لهذا السلك المعني بحماية حقوق الإنسان والعدل والحق ومكافحة الفساد، كما عملوا على بث ونشر الظلم والقهر والانتهاكات للحقوق من خلال قضاتهم ووكلاء نياباتهم الذين حرصوا على تعيينهم وتوزيعهم في المواقع التي يحتاجونهم فيها.. وتم إلحاق الإشراف على هذا (الجهاز) - هكذا كانوا يطلقون عليه - لأحد الأجهزة الأمنية لضمان السيطرة عليه.وأضافت: «ما نشير إليه هنا لا يعني أن كل من التحقوا بهذا (الجهاز القضائي) انطبق عليهم ما سبق الإشارة إليه، فهناك - وهم الغالبية - من احترموا قدسية دورهم ومهامهم ورسالتهم الإنسانية النبيلة ولعل أبرز دلائل ذلك هي مواقف العديد من القضاة ووكلاء النيابة في محافظة عدن (أنموذجا) الذين رفضوا الخروج عن رسالتهم الإنسانية العظيمة وأصروا على إصدار أحكام أغضبت الحاكم والنافذين والمسئولين ولا عجب في أن تكون أبرز مثال لذلك امرأة هي القاضية نورا ضيف الله التي واجهت الفساد والفاسدين، وهكذا حال زملائها القضاة ولسنا هنا بصدد سرد أسمائهم إلا أننا نوجه لهم عظيم التقدير والامتنان لمواقفهم الشجاعة ومواجهتهم صنوف المضايقات والضغوطات وإصرارهم على احترام الحق والعدل.واستعرضت مديرة المشروع تجربة «القضاء» في عدن والجنوب قبل الوحدة قائلة: لقد تميزت هذه التجربة بمساحة كبيرة من النزاهة وتجسيد العدالة والاستقلالية وبالذات في القضايا غير السياسية، ولهذا فإنَّ نجاح سياسة ومنهج إنهاء الثأر في الجنوب كان وراءه قضاء حرص على أن يجسد العدالة، ويعطي كل ذي حق حقه في مواجهة الخلافات والمشكلات الجنائية بين المواطنين، ولم يكن هناك ما يدعو إلى الخروج عن القانون والنظام الذي تعامل مع الجميع بمبدأ المواطنة المتساوية، والجميع أمام القانون سواء، وبالتالي لم يكن هناك مبرر لدى المواطنين للبحث عن سبيل بديل للعدل والحصول على الحق بقطع الطرقات والاختطافات والقتل وتهديد السكينة العامة كما يحصل اليوم. وأشارت في ختام حديثها إلى أن هذه الدورة التدريبية المهمة التي حرصنا على أن يشارك فيها عدد من الأفاضل القضاة ووكلاء النيابة ونقابة المحامين ومحامون وأساتذة جامعيون من كلية الحقوق في إطار دعمنا في مركز اليمن لدراسات حقوق الإنسان لمطالب القضاة الشرفاء في استقلالية القضاء وتحويله من جهاز قضائي يتبع الحكومة والحاكم إلى سلطة قضائية كاملة لتجسيد أهمية ما يمثله استقلال القضاء وتحوله إلى سلطة قضائية مستقلة - لا مكان للفاسدين فيها - في بناء اليمن الجديد وقيام حكم رشيد ودولة مدنية حديثة.تجرِبةٌ رائدةٌوفي لقائنا الأخ القاضي فهيم عبد الله محسن - رئيس محكمة الاستئناف بعدن قال:إننا نخوض تجربة رائدة في اليمن، تجربة استقلال القضاء، ومازلنا نعمل جاهدين من أجل إرساء دعائم الحق واستقلال السلطة القضائية في اليمن طالما وأننا حملنا الراية من الجيل القديم إلى الجيل الجديد، مسألة صراع استقلال القضاء ليس صراعاً يمنيا وإنما صراع عالمي، وكما تشاهدون العالم اليوم، القضاة ثائرون لأنفسهم، ثائرون من أجل استقلالهم، يناضلون من أجل البقاء ليس بقاءهم هم بل بقاء أنظمة سائة لتسود الدول على أساس العدل. وأكد أن هذا المركز بالذات عمل معنا جهداً غير عادي لا أنكره في وضع عصيب يمر به، عندما ما قمنا بما أسميها (الانتفاضة القضائية) وللأسف أن المجتمع ذاته لم يقم بواجبه لعدم فهمه، أي شعب لايغادر على قضائه اعتبره شعباً غير متحضر، ولهذا اختزلت مطالبنا بمطالب مادية أو منافع شخصية وهو الأمر الذي نرفضه نحن كشباب في السلطة القضائية، وأقول انه كانت مطالبنا من اجل فرض هيبة واستقلال القضاء لأننا نطالب بدولة مدنية حديثة ، في ظل نظام ديمقراطي، نتمنى أن يكون قائماً وفي ظل حكم رشيد وهذه الدورة انتم ترون عنوانها حول استقلال القضاء ونزاهته ومعايير وشروط تحقيقه وأهميته في قيام الحكم الرشيد.. والحديث عن استقلال القضاء يطول، ولكن ما هي معايير وشروط تحقيق وأهداف هذا الاستقلال وأهميته وكيفيته.وقال في سياق حديثه: أتمنى أن تخرج هذه الدورة برؤية واضحة يمنية، رؤية سديدة، تخرجنا إلى بر الأمان جميعنا، وهناك من يقول إن استقلال القضاء بالمفهوم العام هو عدم جواز التدخل والتأثير من قبل الغير على ما يصدر عنه من إجراءات وقرارات وأحكام، وأظن انه من الصعوبة أن نقول هذا هو مفهوم استقلال القضاء، استقلال القضاء مفهوم واسع، مفهوم ليس ضيقا ونحن نتحدث عن سلطة بكامل قوامها، سلطة تمتلك كل مقوماتها، سلطة قادرة على إدارة شؤونها، سلطة غير منتقصة من قبل السلطات الأخرى، فنحن على سبيل المثال لو تساءلنا من يضعف استقلال القضاء في اليمن؟ أليست السلطة التنفيذية، أليست التشريعات ذاتها من تنتقص استقلال القضاء، دستور الجمهورية اليمنية في وادِ، وقانون السلطة القضائية في وادِ آخر، دستور الجمهورية اليمنية صراحة على أن السلطة القضائية سلطة مستقلة قضائيا ومالياً وإداريا، مفهوم واسع، ولكن نأتي إلى القانون، وزير العدل على رأس هرم السلطة القضائية وهو من يمتلك قرار النبذ، قرار التعيين، قرار الترقية وهو من يعرض على مجلس القضاء الأعلى.. وزير المالية هو من يمتلك الصلاحيات الكاملة في رفض السلطة القضائية بموازنتها مع أن دستور الجمهورية اليمنية نص صراحة على أن السلطة القضائية سلطة مستقلة ماليا وقضائيا وإداريًا وأن مجلس القضاء الأعلى هو من يضع موازنة السلطة القضائية ويقرها وتدرج برقمٍ واحدٍ واليوم مازال الصراع قائما ما بين مجلس القضاء الأعلى ووزارة المالية ممثلة بالسلطة القضائية بشأن هذه الموازنة.. مضيفـًا: بالإضافة إلى ذلك أن التشريع ذاته أو قانون السلطة القضائية ينتقص من صلاحيات استقلاله لماذا؟!! لأن مجلس القضاء الأعلى قراراته لا تكون نافذة إلا إذا كانت هذه القرارات بناء على عرض من وزير العدل وبعد موافقة رئيس الجمهورية تصدر القرارات، فأي استقلالية نتحدث عنها. واستطرد قائلاً: بيننا نحن معشر القضاة من يعتقد أن السلطة القضائية ليست سلطة وأنَّ القاضي يمارس وظيفة عامة، وهذه أخطر ظاهرة إن تكون في وجدان القاضي ذاته انه يمارس وظيفة عامة، وهو صاحب سلطة وصاحب السلطة صاحب هيبة وهيلمان، بأن يضع نفسه في المكان الذي أعطي له، ولكن للأسف لا نجد حتى الآن تلك المفاهيم ، ولهذا أقول إن السلطة القضائية في اليمن ليست مستقلة تمامـًا حتى الآن، ولهذا يجب أولا إزالة التناقض الموجود بين الدستور وقانون السلطة القضائية، وبعض من القضاة للأسف حتى الآن عندما يكتبون كتاباتهم يتحدثون عن مسألة تعديل قانون السلطة القضائية، ماذا تعدل؟ قانونـًا مخالفـًا للدستور؟ الأصل والأولى إن يغير القانون شاملا كاملا وأن تبعد السلطة التنفيذية من طريق السلطة القضائية، وإنهاء هذه الازدواجية والمفاهيم الموجودة، ونقول إن هذه السلطة قادرة على إدارة شؤونها وطالما أنها تولت أمرها بذاتها وهي سلطة من سلطات الدولة والسلطة القضائية في العالم هي السلطة الأعلى بين السلطات لماذا؟ لأنـَّها هي من تنظر في الخصومة وتفصل فيها، هي من تحل المنازعات القائمة بين السلطات، هي من تقوم بفرض هيبة الدولة على أكمل صورة، لذلك نحن نقول لماذا هذا الانتفاض القائم؟ وأضاف: لا يمكن الحديث عن الحكم الرشيد في ظل غياب صنو العدل، وهو القضاء القوي، القضاء القادر على إدارة شؤون الدولة، القضاء الذي يستطيع إن يدخل وهو قوي، فهذه المفاهيم كلها للأسف غائبة، ركائز الحكم الرشيد هي (8) من بينها الشفافية والمحاسبة والقضاء، فهذه إذا غابت لا يمكن الحديث عن الحكم الرشيد، أيضا مسألة استقلال القضاء يفترض أن تكون في وجدان كل قاضٍ، إن يحس القاضي أنه قوي، متى يكون القاضي قوياً؟ أن يبتعد عن الشبهات، إن يعلم القاضي أنه قادر على إدارة ذاته أولا قبل أن يفرض عليه ذاك من قبل أي سلطة أخرى، ولهذا أنا طرحت سؤالاً كبيرًا ما هي المعايير التي ترونها لتحقيق ذلك؟ نريد أن نخرج من هذه القاعة برؤية وأتمنى منكم إن تكون رؤيتكم صريحة وواضحة دون خجل وأن تدافعوا عن سلطتكم القضائية لأنه من دون الدعم الشعبي الكبير لا يمكن الحديث عن قضاء قادر لان القضاء هو الذي يحمي الحقوق والحريات هو الذي سيدافع عنكم هو الذي يعمل من أجلكم.. وأتمنى منكم إن تضعوا رؤية.المواثيق الدولية تعزز استقلالية القضاءوالتقينا القاضي عيسى قائد الزين - المسؤول الإعلامي للمنتدى القضائي فقال:أولاً نشكر مركز اليمن لدراسات حقوق الإنسان ومؤسسة المستقبل الراعيين والمقيمين لهذه الدورة التدريبية بشأن استقلال القضاء ونزاهته ومعايير وشروط تحقيقه وأهميته في قيام الحكم الرشيد وإرساء دعائم الدولة المدنية الحديثة.وبحسب ما تمَّ استعراضه في هذه الدورة من قبل الخبير المصري المستشار في وزارة العدل المصرية الدكتور هاني محمد يوسف من مفهوم لاستقلال السلطة القضائية والضمان الذي يضمن هذا الاستقلال للسلطة القضائية في مواجهة سلطات الدولة الأخرى (التشريعية والتنفيذية) كسلطة قائمة بحد ذاتها واستقلالية لأعضائها في ممارستهم أعمالهم في إطار الفصل في المنازعات وفقـًا للقانون ولما يحيط بذلك من ضمانات وحصانات قانونية تمكنهم من العمل باستقلالية تامة، والمعايير الدولية المحددة لاستقلال السلطة القضائية في المواثيق الدولية التي تدعو وتعزز من استقلالية القضاء والسلطة القضائية، يتبيَّن لنا الدور المهم الموكل للسلطة القضائية المتمثل في حماية الشرعية (مبدأ سيادة القانون)، بمعنى آخر أنَّ السلطة القضائية تكفل التطبيق الصحيح للقانون من قبل الحاكم والمحكوم، ومعيار موضوع الحاكم والمحكوم للقانون هو المعيار الذي يُميِّز الدولة الديمقراطية المدنية الحديثة عن غيرها من الدول.لذلك نجد أنَّ السلطة التشريعية يُناط بها رقابة دستورية القوانين التي تصدر عن السلطة التشريعية، كما نجد أنـَّها تراقب قرارات السلطة التنفيذية والتي تكون عرضة للإلغاء إذا صدرت بالمخالفة للقانون في طعن فيها، بالإضافة إلى اضطلاعها بمكافحة الفساد وحماية حقوق وحريات المواطنين الشخصية.كما يتبيَّن لنا أنَّ دستور الجمهورية اليمنية قد نص في المواد من 149 - 154 على استقلال السلطة القضائية قضائيـًا وماليـًا وإداريـًا، وجعل القضاة وأعضاء النيابة العامة غير قابلين للعزل، ولهم مجلس قضاء خاص يعملُ على تطبيق الضمانات الدستورية في حقهم من حيث التعيين والتربية والندب والعزل، بالإضافة إلى اختصاصه بمناحيه وإقرار موازنة السلطة القضائية وعكس أحكام الدستور والمبادئ والضمانات الدولية بشأن كفالة استقلال السلطة القضائية إلا أن قانون السلطة القضائية رقم (1) لعام (91م) عمل على تكبيل السلطة القضائية وسلبها استقلالها وسلب مجلس القضاء الأعلى صلاحياته، وجعل كل الصلاحيات والقرارات المصيرية بيد السلطة التنفيذية (رئيس الجمهورية - رئيس الوزراء - وزير العدل).وسنحاول بالتعاون مع المدعين والمشاركين في هذه الدورة إلقاء الضوء على هذه الاختلالات الواضحة التي تمسُ استقلال السلطة القضائية، وبلورة رؤى حول استقلال السلطة القضائية في الجمهورية اليمنية.والتقينا على هامش الدورة التدريبية القاضي نرجس أحمد عمر يوسف - رئيس الشعبة المدنية الأولى محكمة استئناف محافظة عدن عضو الهيئة التأسيسية للمنتدى القضائي بعدن، حاصلة على ماجستير حقوق في عام 2004م.. حيث وجهنا إليها سؤالاً مفاده : ماذا يريد القضاة من السلطة القضائية؟.. أجابت قائلة:إننا نود القول إنـَّه لا يمكن تحقيق محاكمة عادلة دون أن نكون سلطة قضائية مستقلة ومحايدة تقوم بتنفيذ القوانين وتحترم المواثيق الدولية التي يضعها القانون الدولي.أما بخصوص سؤالنا هل يجوز لوزير العدل أن يكون رئيس المجلس فأجابت بالقول:لا يجوز ذلك طالما وهو في عباءة السلطة التنفيذية أي عضو في مجلس الوزراء.وأجابت عن سؤالنا الموجه إليها : هل التفتيش القضائي يفضل أن يكون في شخص بعينه أم ضمن التشكيلة في المحاكم؟.. فأجابت:التفتيش القضائي له تاريخ طويل في تحقيق المآسي لبعض القضاة خاصة من حرموا من الدرجات والتسويات أسوةً بالبقية وأصبح كالرجل الأعمى الذي يحمل العصا ليضرب بها بقدر ما تصل إليه عصاه. دون دراية بالعواقب، ذلك لأنـَّه أصبح تحت وطأة السلطة التنفيذية ممثلة بوزير يأتي وآخر يُغادر وكل وزير يفصل وينظم أعماله بحسب أجندته، لذا نأمل كل الأمل أن يكون التفتيش القضائي يخضع لمجلس القضاء الأعلى فقط.استقلال القضاء سلوك أخلاقي وحضاريوالتقينا القاضي قاسم حسن حمود الصبري - رئيس محكمة الأموال العامة بعدن حيث قال:استقلال القضاء قضائيـًا وماليـًا وإداريـًا هو إعمال للنص الدستوري وسلوك أخلاقي حضاري ويتعيَّن على جميع أفراد المجتمع مواطنين وسلطات تجسيده وتعزيزه وحمايته عمليـًا لا مجرد شعارات يُراد بها التستر على ما يجري من انتهاكات واستمرار الواقع المتردي الذي تـُعاني منه السلطة القضائية.وقد نص الدستور في المادة (149) على أنَّ القضاء سلطة مستقلة قضائيـًا وماليـًا وإداريـًا.. الخ، ومع ذلك فإنـَّه منذ الاستفتاء على الدستور وإقراره قبل أكثر من عشرين عامـًا لم نجد تطبيق هذا النص حتى ولو بنسبة بسيطة، وفضلاً عن عدم احترام ذلك النص الدستوري وعدم تطبيقه؛ فإنـّه بقدر ما يُقلل من صدق السلطة التنفيذية لدى المجتمع؛ فإنـَّه يُقلل من هيبة القضاء ومن تحقيق العدالة؛ إلا بمجهود كبير يبذل من قبل أعضاء السلطة القضائية على حساب صحتهم وإمكانياتهم المحدودة.وأكد أنَّ العمل على القضاء بشكل كامل على جميع عناصر القصور في تطبيق النص الدستوري بشأن استقلال القضاء يُعتبرُ عملية إنقاذ عاجلة للسلطة القضائية في هذه الفترة الحرجة التي تمرُ بها البلاد، ومعالجة لما يعانيه المواطنون من متاعب وتعزيزاً لهيبة الدولة وتحقيقـًا للطموح التنموي والاقتصادي في الوطن وتوفيرًا لطمأنينة القضاة في عملهم لتحقيق العدالة بكل يُسر وسهولة.وأضاف أن الاستقلال قضائيـًا يعني أنـَّه لا سلطان على القضاة في قضائهم إلا للقانون ولضمان الاستقلال قضائيـًا فإنـَّه ينبغي تطبيق نص الدستور الذي يعتبر أنَّ أي تدخل من أي شخص أو جهة يعتبر جريمة يُعاقب عليها القانون.والاستقلال إداريـًا يتمُ من خلال عدة ضمانات يتمثل بوجود قانون للسلطة القضائية ينظم الأمور الخاصة بأعضاء السلطة القضائية سواءً أكانت حقوقـًا لهم أو واجبات عليهم.. الخ، وأما الاستقلال ماليـًا فإنـَّه يتمثل بتولي مجلس القضاء الأعلى دراسة وإقرار مشروع موازنة القضاء تمهيدًا لإدراجها رقمـًا واحدًا في الموازنة العامة للدولة، وفقـًا للنص الدستوري المتضمن النص الوارد فيه صراحةً على استقلال القضاء قضائيـًا وماليـًا وإداريـًا؛ لأنـَّه بذلك يصبح القضاء أساس العدل؛ وإذا كان العدل أساس الحكم؛ فإنَّ استقلال القضاء هو أساس العدل، وحين يفقد القاضي استقلاله أو يفقد القضاء استقلاله؛ فإنَّ المجتمع يفقد ثقته بالعدالة، وذلك يؤثر تأثيرًا مباشرًا على أمن البلد واقتصاده وتنميته.استقلال القضاء يمثلُ ميزان العدلوخلال لقائنا المحامية هدى الصراري تحدثت للصحيفة قائلة:مشاركتنا في الدورة التدريبية حول استقلال القضاء ونزاهته.. معايير وشروط تحقيقه في إطار مشروع نشر ثقافة حقوق الإنسان الاقتصادية والاجتماعية والثقافية ورصد الانتهاكات وتقديم المساعدة القانونية، وذلك لدعم التغيير والتحولات الديمقراطية في اليمن والتي قدمها الخبير المصري الدكتور هاني محمد يوسف وشارك فيها عدد من قضاة المحاكم وأعضاء النيابة العامة والمحامين بمحافظة عدن.وأعربت عن شكرها وتقديرها لمركز اليمن لدراسات حقوق الإنسان الذي يتميز كالعادة في طرح رؤى وتوصيات تهم المرحلة الصعبة التي تمر بها اليمن وعرض هذه القضايا لمناقشتها وطرحها بأسلوب يتميز بالشفافية، ومن أهل الخبرة.وأشارت إلى أنـَّها استفادت على مدى ثلاثة أيام من التجرِبة المصرية في قانون السلطة القضائية الذي أعدته بعد مرحلة الثورة، متجاوزة جميع الأخطاء والهفوات في دستور عام 1971م، وعلينا نحن في اليمن كمهتمين باستقلالية القضاء الذي يمثل ميزان العدل والأساس في إقامة مؤسسات الدولة أن يكون القضاء مستقلاً، خصوصـًا القضاة وأعضاء النيابة العامة الذين يُعانون من عدم الاستقلالية والتهميش من قبل السلطة التنفيذية والتدخل في أعمالهم في كل صغيرة وكبيرة.وأكدت أنَّ من الأهمية تدعيم ركائز الحكم الرشيد في اليمن وأهمها استقلال القضاء لإرساء دعائم الديمقراطية في اليمن، لذا قام الفريق المُشارك في الدورة من قضاة وأعضاء نيابة عامة ومحامين بإعداد رؤى تدعم استقلالية القضاء لرفعها وتضمينها في الدستور الجديد.والتقينا القاضي كفاح سعيد عوض التي أبلت بلاءً حسنـًا في نقاشاتها بشأن استقلال القضاء.. فقد قالت:إنَّ استقلال القضاء ونزاهته.. له معايير وشروط لتحقيقه وأهميته في قيام الحكم الرشيد وإرساء دعائم الدولة المدنية الحديثة.وأكدت أنـَّه لا شك في أن استقلال القضاء ضرورة ملحة في ظل قيام دولة مدنية حديثة ذات سيادة وقانون، تقوم على صيانة الحقوق والحريات، فإذا انعدم استقلال القضاء انعدمت الحقوق والحريات والعدالة.وأضافت: لذلك نحن نرى في هذه الدورة كل الأمل في ظل المتغيِّرات والتحولات الديمقراطية لكي نخرج برؤى واحدة غايتها أولاً استقلال القضاء وتعديل الدستور اليمني 2001م، وكذا تعديل قانون السلطة القضائية برمته لكي يواكب هذه المتغيِّرات حتى يتسنى لنا إقامة دولة مدنية قوية تـُصانُ فيها جميع الحقوق والحريات وتكون سلطة قضائية مستقلة بعيدة كل البُعد عن بطش السلطة التنفيذية والسلطة التشريعية دون تدخل أي جهة كانت ولا تخضع إلا لصوت الضمير والقانون.كما التقينا الأخت عقيد / عليا صالح عمر - دائرة المرأة والأحداث في إدارة أمن محافظة عدن حيث قالت:نحن في هذه الدورة نبحث وجه التناقض الكبير بين ما ينص عليه القانون الأساسي في اليمن وبين الواقع العملي وأوجه التناقضات والتداخلات في شؤون السلطات الثلاث التشريعية والتنفيذية، والقضائية ووضع القضاة كأشخاص لا يمكن أنْ يطالهم الترهيب ولا يخضعون إلا للقانون، نحن نعلم أنَّ المادة (147) من الدستور اليمني وكذا المادة (148) قد أعطتا القضاء الحق في استقلاليته، ولكن حملته إلى إخضاع وظيفي آخر إلى السلطة التنفيذية عندما أدارت شؤونه من قبل وزير العدل، فهو يخضع إداريـًا وماليـًا وفي التعيين وغيرها، ولذا ظل يخضع لسلطة تنفيذية ناهيك عن جملة التدخلات من النواب والوجهاء والقادة وغيرهم، هذا خفف مبدأ استقلال القضاء.واستطردت قائلة: هذه المواد لا تكفي أنْ يكون وصفها مجردًا في الدستور دون أي ضمانات لتحقيق العدالة وحماية الحقوق واحترام القانون.وأكدت أنَّ القضاة وحدهم هُم المعنيون بتطبيق القانون، وهم دون غيرهم يقضون بتجريم الأفعال.وأضافت: يجب أن تكون هذه الضمانات منصوصـًا عليها في الدستور اليمني حتى لا يتطاول أحد عليها ويجرَّم التدخل في شؤون القضاء.وأوضحت أنـَّه يجب أن يستقل القضاء ماليـًا وإداريـًا وقضائيـًا، بذلك ممكن أن يكون هناك ضمان لاستقلال القضاء.وأشارت إلى أنه في هذه الدورة حضر معنا الخبير المصري الدكتور هاني محمد يوسف مستشار حقوق الإنسان في وزارة العدل المصرية الذي قام مشكورًا بشرح معايير وشروط استقلال القضاء ومفاهيمها وإعطاء صورة واضحة عن دستور جمهورية مصر العربية.ونحن هنا لا يسعنا إلا أن نتقدم بالشكر الجزيل للدكتور هاني، مشيرة إلى أن جميع المشاركين في هذه الدورة استفادوا كثيرًا.. موضحةً أننا نأمل أنْ تنشر مفاهيم استقلال القضاء لدى أعضاء الدولة والسلطة التشريعية وعامة الناس حتى تعود الأمور إلى نصابها وحتى لا تهدر حقوق الناس ونبني وطناً يسوده الألفة والخير ويحكمه العدل ويعطى لكل ذي حقٍ حقه.القضاء سلطة لا مجرد وظيفةوفي ختام لقاءاتنا التقينا الدكتور عبدالحكيم محمد عبدالله ميسري - أستاذ القانون الجنائي المساعد في كلية الحقوق بجامعة عدن حيث قال:في البدء نشكر مركز اليمن لدراسات حقوق الإنسان ومؤسسة المستقبل (F . F . F) على تنظيم الدورة التدريبية حول استقلال القضاء ونزاهته ومعايير وشروط تحقيقه وأهميته في قيام الحكم الرشيد وإرساء دعائم الدولة المدنية الحديثة، وهي من الموضوعات التي أحسبها غاية في الأهمية والحساسية معـًا لما لها من تأثير بالغ على السلطة القضائية كوظيفة من وظائف الدولة الثلاث، التي ينعكس عملها على الأفراد وحقوقهم وكرامتهم وحريتهم، لذا لابد من قضاء مستقل ونزيه كمفترض أولي لدولة النظام والقانون، ويرتكز ذلك على أنْ يكون القضاء سلطة لا مجرد وظيفة.وأكد ضرورة أن يكون القضاء سلطة مستقلة يقف على قدم المساواة مع السلطتين الأخريين للدولة (التشريعية والتنفيذية).. وأن يكون القضاء جهة محايدة كما يجب أن يكون القضاء جهة متخصصة وهذا لا يمكن أنْ يتمَّ إلا بالاستقلالية الكاملة دون أي تدخل من السلطة التنفيذية حتى وزير العدل نفسه كوزير لا يفترض أن يتدخل في شؤون السلطة القضائية، ولا مجلس القضاء، ووضع موازنة محددة سنوية لمجلس القضاء بعيدًا عن تدخلات الحكومة كون الموارد المالية أحد أهم عوامل سير عمل القضاء، وأن يكون مجلس القضاء هو سيد نفسه، ولا وصي عليه، هذا ما يجب أن يكون لتجنب التدخلات السافرة على القضاء وتجريم أي تدخلات في عمل السلطة القضائية.. مضيفـًا: للعلم أنَّ حضارة أية أمة تـُقاسُ بمدى التقدم الذي يصل إليه القضاء ويزدهر فيه، وأنَّ علامة الحضارة لأية أمة تبرز دائمـًا بعظمة القضاء والمجتمع المتحضر، هو الذي يعرف للعدالة قيمتها وللكرامة الإنسانية قدرها.. وخارج هذا المفهوم لا توجد إلا صور الهمجية والنصب والفساد، ولهذا سنحاول قدر الإمكان الاستفادة العلمية وسنضع رأينا في معايير وشروط استقلال القضاء في الحكم الرشيد في الدستور اليمني الجديد.وفي ختام اللقاء قال الدكتور عبدالحكيم: ولا ننسى أنْ نتقدم بالشكر الجزيل إلى مركز اليمن لدراسات حقوق الإنسان والقائمين عليه وعلى وجه الخصوص الأخت العزيزة سماح جميل عبده أحمد الدبعي المدير التنفيذي للمشروع، التي دعتنا مشكورة للمشاركة وكذا الأخ العزيز صالح ذيبان مدير المكتب القانوني في مركز اليمن لدراسات حقوق الإنسان وجميع العاملين فيه.