التحول الذي يكتنف شخصية أبناء أبين اليوم - يطلق على زنجبار أيضاً أبين- وإن جاء متأخراً، ينبع بالتأكيد في جوهره من الكوارث التي تصب على رؤوسهم فيديرون لها ظهورهم ويتابعون حياتهم دونما احتجاج عليها ولا التصدي لها بل حتى إخضاعها للحوار التحليلي البسيط واتقاء تكرارها بل أنهم أحياناً يتذاكون على بعضهم لدى مناقشتها عرضاً ويتحفظون في مبادلة المعلومات ما أفسح المجال لتجريعهم نكبتهم الأخيرة.طردهم بالكامل من بيوتهم ونعتهم بالجبناء والعبارة الأخيرة ليست عادلة بحقهم.يبدأ هذا التحول في مظاهر متعددة غير أن أبرز عناوينه الآتي:- ملامح قسوة وحزم حلت محل العاطفة الجياشة التي تميزهم وكانت علامة فارقة لكل النكبات التي ألمت بهم .- التمييز الذكي بين الجذور الراسخة والعابرين.- ما حصل في أبين بصرف النظر عن مهمة دواية ومسحات ساحلية متاحة ملائمة، ما حصل نزعة مرضية للهدم وإذلال كرامة ليس أقلها الإشارة بالبنان في شوارع عدن : (نازحين) وتصنيفهم في سجلات الأمم المتحدة ضمن مشردي العالم ومنكوبيه.- إذا كان لا بد من نشاطات فلتمارس تحت عنوان “ أبين هويتنا”.- حب جارف لعدن التي لا تسأم من استقبال الإنس والجن والمهجرين والمطاردين والعشاق والضاربين في الأرض والثوار والغزاة والباحثين عن المجد والحالمين برؤية جنة عدن والعلماء المذهولين بتداخل أساطير عدن مع حقائق علمية لا مجال لعرضها هنا واحتضان معابدها ومساجدها وكنائسها لعقائد وأعراق شتى وجميل معروف هذا الاحتضان لأبين أخيراً ستتوارثه الأجيال حتى نهاية الحياة.- التحول أصاب حتى سيكولوجية الأطفال لما علق بها من مرارة جراء كراهية لا تستحقها - أبين- فقد علمهم التشرد بسرعة بخلاف آبائهم عدم التسامح ومعاقبة من يفرطون بالمسؤولية كما كبروا بسرعة أيضاً وصار عبثاً تطمينهم بتفسيرات يفضحون زيفها في الحال كما تعلموا من التهجير إن بيتهم هناك في أبين المسيج بالبساتين وجداول المياه الحلوة وساحل أبين وحده بيتهم ذاك أغلى ما في الحياة.- علمهم مبلغ الديبازي ومشهد كفاح أهلهم المرير وهم يجمعوه إلى جانب إيجارات شهور تدفع سلفاً- علمهم وداع الطفولة ومواجهة الأخطار وعاهدوا - الأطفال- أنفسهم المحظوظين من خرجوا أحياء من الفظاعات “ ألا يشخبطوا” على جدران منازلهم ولا يلمسوا الستائر ولا يهدروا المياه ولا يتلفوا متعلقات الكهرباء ولا يوسخوا مرمر الأرضيات وحقيقة يجن أطفال أبين بعدن ولا ينامون ليلتهم إذا ما حصلوا على وعد باصطحابهم صباحاً إليها ولكن اليوم حين تضعهم أمام مقارنة فالأختيار لمصلحة العودة لأبين ولا ذنب لعدن بشأن لهفة الرجوع أما ربات البيوت الأكثر حرقة وغضباً جراء دفع إيجارات شهور قادمة أو سكناهن في مدارس حمامتها مشتركة ويجدن أنفسهن مضطرات لرؤية غرباء والتعامل مع وقائع تفرضها تلك الشراكة لم تكن في الحسبان فقد اعتصر الحقد قلوبهن لكن في لفتة واقعية تعهدنا برعاية وزخرفة المنزل الحبيب المدمر بفعل طيور الخراب المحلقة والماشية وملازمته ولو احرقن بداخله بسياج من الأشواك والكبد.- لن تحصل السلطة على الثقة والتعاون إلا بالشروع الفوري الجاد بإعادة الإعمار والتعويضات الأخرى فالفاجعة الخرافية ربما يهدى من كوابيسها نقل العمل كاملاً ودفعة واحدة من الأوراق إلى الجيوب أي إذا تلقى المفجوعون- وكلها أبين مفجوعة- تعويضات مالية مقنعة وسريعة ومباشرة ربما حينها تخفف وطأة النزف النفسي والخسائر الموجعة.- الثابت أن المواطن الأبيني لا يشيد منزلاً غير مرة واحدة في حياته فهذا المواطن في خصومة شرسة مع المهاجر والاغتراب تجسدت في المثل الشهير (كلب أبين رجع زبيد) وربما الإجابة الشاخصة هو ذلك الشعور الطاغي بالانتماء الذي يملأ جوانح الأبيني الشخصية التي غادرت هي غير تلك العائدة وهكذا لا يجرؤ أحد على إصدار الأوامر فالإدراك والوعي تشكلا بحجم الجغرافيا الجريحة والمنكوبة كلها المسيجة بنهريها الخالدين وسجلها الحضاري وإشعاعها الثقافي وتحولاتها النابضة بإيقاع الحياة وتطلعاتها الثورية الدائمة ورنين أسماء شهدائها وقطعتها الخضراء الثرية - الدلتا - وحوض مياهها العذب النادر بغزارة تدفقه, وفرودوس المطلع وسحر إطلالة بحر العرب وساحل أبين المختلط بخليج عدن وبحر صيرة وصدى خطوات من مروا بها وتعلموا في مدارسها العلم والنضال وتنزهوا مذهولين في شوارعها الودودة الأليفة فأشجتهم أغانيها وأطربتهم رقصاتها ونهلوا من فكرها وخيراتها فسكن كل ذلك مخيلتهم إلى الأبد وفقاً لاعترافهم. والحقيقة المرة إن كل ذلك الرخاء والعيش الرغيد عبثت بها السياسات المتلاحقة فصاروا لا ينعمون برفاهة سوى قلة بأصابع اليد الواحدة والوافدين من خارجها. تتحدث كتب ضخمة عن أبين ودراسات نوعية أكاديمية ومساجلات شعرية وأفلام سينمائية ويذكر كتاب الإكليل عن هذه القطعة الفاخرة ( أبين فريدة بنقاء هوائها وعذوبة مائها ويمتاز أهلها بشرف النفوس وعلو الهمة الآن: - بلاد أطلقت صحوتها هل ممكن أهانتها مرة أخرى؟- بلاد هذه كنوزها هل ستدفن رأسها في الرمل؟- بلاد نفضت عن كاهلها جميع الأوبئة أليس قدرها القيادة ؟
|
آراء
(عرفت معنى المحبة من بعد ما ضاع من يدي حبيبي) العطروش
أخبار متعلقة