كلمات
اسمح لي عزيزى القارئ في البداية أن أؤكد على أن حالة الفوضى التي تشهدها مصر حالياَ يُسأل عنها كل من رأس الدولة والحكومة، إضافة إلى نخبة الخراب والدمار والمعارضة غير الناضجة والمراهِقة في أغلب الأحيان، كما يُسأل عما نحن فيه الشامتون والمتطلعون من بقايا آلة مبارك الفاسدة، فهؤلاء أسعد ما يسعدهم أن يروا مصر تحترق على رأس شعبها، ا لذي لفظهم ولفظ نظامهم وداسهم وحرمهم من الكثير من النعم التي وفرها لهم مبارك وعصابته، وبالتالي يُسأل عما نحن فيه أيضاً التركة الثقيلة لنظام مبارك والذي لم يترك لنا شعباً حضارياً مثقفاً منعماً في الخير، ولهذا وفي ظل ضعف من بيده السلطة حالياً، وفوضوية من يعارضونه وضعف إمكاناتهم، وتردى أخلاقيات وأحوال الشعب وصلنا إلى ما وصلنا إليه.تستطيع عزيزي القارئ أن تدرك حالة الفتور وفقدان الأمل وسَدة النفس لدى الشرفاء والغيورين على مصر، فهؤلاء - وما أكثرهم - يعتصرهم الألم بعد أن كانوا يطيرون مع الأمل بعد الثورة، إذا جلست في مجالس هؤلاء واستمعت إلى حواراتهم المخلصة والنقية، ستجد أن السؤال المحوري الذي يسيطر على الحوار هو: أنه بعد أن تأكد على وجه اليقين بأن الإخوان، وتحديداً الرئيس الحالي، لا يمتلكون رؤية حقيقية لإخراج مصر مما هي فيه، وأن كل ما يمتلكونه مجرد شعارات جوفاء وخطب رنانة، لم تعد ينطلي على أحد، خاصة في ظل استمرار المنحنى الهابط لكافة مؤشرات مصر، فهل هناك من بديل؟!.هل يوجد رمز أو كيان في المعارضة يصلح أن يكون بديلاً قادراً على إنقاذ مصر مما هي فيه ويعوض فشل حكومة الإخوان؟ أعلم أن كلامى هذا قد يُغضب البعض، ولكني لم ولن أمالئ أحدا ما حييت وسأظل أبتغي وجه الله والوطن في كل ما أكتب، أعيد السؤال: هل هناك من وجه في المعارضة، التي لمعتها فضائيات الدمار الشامل، يصلح لقيادة مصر، وجدير بأن يكون ملهماً وساحراً، يمتلك الكاريزما والشخصية والتأهيل العلمي والبدني والإنساني للانطلاق بمصر، كما انطلق مهاتير ماليزيا أو أوردوغان تركيا؟!لن أذكر أحداً باسمه، ولكن دعوني أوجه السؤال بطريقة أخرى، هل لو دخلت الأسماء، التي لمعت خلال الفترة الماضية، الانتخابات الرئاسية مرة أخرى، هل ستحقق ما حققته في السابق؟ أم أن تجربتهم وهم على كراسي المعارضة كشفت عن الكثير من جوانب فشلهم ووهنهم وتواضع إمكاناتهم، ومن ثم لن يحظوا حتى بربع ما حظوا به في السابق؟!.ربما تزعجك تساؤلاتي عزيزي القارئ، ولكن انزل إلى الشارع واسأل الناس عن من هم في السلطة ومن هم في المعارضة ستجد رداً واحداَ بشأنهما، لأن الأيام أثبتت أنهم جميعاً بغاة سلطة وأنهم لو كانوا حقاً يبتغون الخير لهذا البلد لما وصلنا إلى ما وصلنا إليه من فشل، يحسدنا عليه حاليا مبارك ورجاله، وبالطبع كل من لا يريدون الخير لمصر في الخارج.إذا كان الإخوان لا يمتلكون الرؤية وآليات الإنقاذ والتطوير، وإذا كانت المعارضة الهشة، التي لا يعرفها الشعب إلا من فضائيات الدمار الشامل، أثبتت هي الأخرى فشلاً حقيقياً، فهل البديل في الجيش؟! هل صدمك السؤال؟! أليس هذا هو لسان حال الكثيرين الآن؟ لينزل الجيش ليلم البلد ويضبطها بعد فشل المدنيين في إدارتها!! هل الجيش هو البديل الحتمي لفشل النخبة والسلطة؟!.بالطبع ظهور جنرالات الجيش مرة أخرى على سدة الحكم في مصر سيكون بمثابة إعلان رسمي لوفاة الثورة المصرية، بل وفرص نهضة الأمة العربية بأثرها، لأن الكل يعلق آمالا كبيرة على التجربة المصرية! وإذا تولى الجيش سدة الحكم من جديد فلن تكون هناك أية فرصة لقيام الجمهورية الثانية بثوب مدني لا عسكري!.ما الحل إذاً؟ طالما أن الإخوان غير مؤهلين، وأن نخبة الفضائيات التي فرضت نفسها علينا - وكأنها دين على مصر وشعبها، أثبتت هي الأخرى فشلاً حقيقياً، وأنفقت وقتها في مهاترات فضائية وبقيت بعيدة عن الشارع ومشكلاته، وأن عودة الجيش ستسدل الستار على الثورة ومن حلم معها، فما البديل؟!في اعتقادي المتواضع أنه أمام فشل كل هؤلاء واستحالة قبول الجنرالات مرة أخرى، ليس أمامنا من بديل سوى العودة للمقترحالذي ساد عقب قيام الثورة، والتف عليه له تجار الدين والثورة وهو «تشكيل مجلس رئاسى»، بحيث يضم في تشكيله عسكريين ومدنيين، بحيث يتولى إدارة شئون البلاد لفترة خمس سنوات، سيكون بمقدور هذا المجلس إعادة الحياة إلى طبيعتها والأمن للشارع والطمأنينة للناس وعجلة الاقتصاد للدوران، وبالتالي نتمكن من الخروج من المأزق في الحال والعاجل، وفي نفس الوقت فإن تلك السنوات الخمس ستكون هناك فرصة لظهور وجوه جديدة لم يلوثها الفضاء الفاسد أو تجار الثورة والدين. إن شاء الله، خلال تلك السنوات الخمس، ستكون هناك فرصة لأن تخرج مصر أفضل ما فيها، مؤكد أن البعض سيسأل كيف سيتشكل هذا المجلس الرئاسي؟ هذا موضوع مقال آخر إن شاء كاتب مصري