في عام 1933م أصدر الأستاذ فؤاد حمزة كتابه هذا، وهو من الشخصيات السياسية التي عاصرت مؤسس المملكة العربية السعودية، جلالة الملك الراحل عبدالعزيز آل سعود ( 1876 - 1953م )، وهذا الكتاب التاريخي يعد من المصادر التي أرخت لحقب من تاريخ الجزيرة العربية تغيب العديد من سابقها عن الراهن. وقد عمد فيه الكاتب إلى الجمع بين مصادر الماضي البعيد وما جرى في حاضر تلك الحقبة من أحداث الأزمنة، حيث شهدت إعادة تشكيل الجغرافيا بما تذهب بها المصالح السياسية وتسخير جوانب القبلية والمذهبية وقراءة التحول الدولي الذي كان وضع معالم تحدد الإطار المغاير الداخلة إليه هذه المنطقة، وهذه العلاقة في مسار السياسة الدولية، جعلت من كتاب ( قلب جزيرة العرب ) خارطة قدمت المسافة الزمنية التي جرت فيها الأحداث من حقب التشرذم والتصارع، إلى ظهور قيادة تاريخية امتلكت القدرة على طرح مشروعها الذي تحول من صراع على المواقع والحدود، إلى مركزية تمتد مصالحها مع نفوذ دورها الواسع في العلاقة بين الشرق والغرب. حول تقسيم تاريخ آل سعود، إلى المراحل التالية : يبدأ من تاريخ نشوء، دولتهم على يد الأمير محمد بن سعود بن محمد بن مقرن بن مرخان حتى تصل إلى عهد حكم الأمير عبدالله بن سعود الكبير من الأعوام 1724 حتى 1814م. -2 هو من تاريخ ولاية عبدالله بن سعود إلى نهاية الاستيلاء العثماني بواسطة المصريين من الأعوام 1814 - 1865م. -3 من بداية الصراع والحرب الأهلية بين أبناء فيصل بن تركي حتى سيطرة محمد بن رشيد على أراضي نجد في الأعوام 1865 - 1900م. -4 أما المرحلة الأخيرة من حكم آل سعود تبدأ من عام 1902م عندما قام الأمير عبدالعزيز بحملة تتكون من 200 شخص نحو الرياض وفاجأ عامل ابن الرشيد واستولى عليها ليصبح حاكماً لنجد، وجدد حكم آل سعود فيها . وبعد ذلك قضى سنوات عديدة في توطيد حكمه بين المناطق المجاورة والأقاليم، حيث استعاد القصيم، وبعدها الإحساء من سلطة الأتراك ، وبعدها ألحق عسير إلى ملكه وقضى على إمارة آل الرشيد في الشمال، وكانت بينهما هو والشريف حسين بن علي الذي أعلن نفسه حاكماً للحجاز بمنصب ملك خلال الحرب العالمية الأولى، وقد بذلت عدة جهود لوضع تسوية مع الحجاز في مؤتمر عقد في الكويت في سنتي 1923 - 1924م غير أنها لم توجد مساحة من الالتقاء بسبب إصرار الذين مثلوا الشريف حسين، على عودة حدود نجد إلى ما كانت عليه قبل عام 1915م وغير هذا من الأسباب. وفي سنة 1924م دخلت جيوش عبدالعزيز آل سعود مكة وحاصرت جدة، واكتسحت الحجاز بأجمعه، وفي عام 1925م تنازل الملك حسين عن عرش الحجاز لابنه الأمير علي، ولكنه بعد مدة قصيرة غادر الحجاز بعد أن حاصرته جيوش عبدالعزيز في جدة، وقد نودي بعبد العزيز آل سعود ملكاً على الحجاز ونجد وملحقاتها بعد أن تم إخماد كل الفتن التي سعى خصومه لإثارتها، وفي عام 1923م أعلن الملك عبدالعزيز توحيد الأقطار التابعة له تحت اسم، المملكة العربية السعودية. يقول الكاتب فؤاد حمزة واصفاً تاريخ آل سعود : ( ينتسب آل سعود إلى سعود الأول مؤسس العائلة وهو ابن محمد بن مقرن بن مرخان من قبيلة ولد علي من قبيلة عزة . فسعود الأول مؤسس الحكم السعودي كان مقيماً في الدرعية وتمكن بدهائه وحنكته من تثبيت إمارته في الدرعية وما جاورها من الواحات الصغيرة ووضع بعمله هذا أساس مملكة آل سعود، وحين وفاة المذكور عام 1137هـ - 1724م كان له أربعة أولاد ثنيان وفرحان ومحمد ومشاري. وقد كان ثنيان قائداً مجرباً وبطلاً مغواراً في الحروب بينما كان أخوه محمد فارساً من فرسان السياسة الفطاحل. تعاضد الأخوة الأربعة على تثبيت دعائم الملك الموروث عن والدهم سعود وتعاونوا فيما بينهم تعاوناً متقابلاً تاماً. وفي عام 1153هـ 1740م اتفق محمد بن سعود مع الشيخ محمد بن سليمان بن عبدالوهاب المصلح الكبير وباعث روح النشاط الديني والعقيدة السلفية الصحيحة وتعاهدا على أن يكون محمد حارساً للدين وناصراً للسنة وقامعاً للبدع ومعلناً سيف الحق فوق رؤوس عباد التقليد والبدع والخرافات. وحينما توفي ثنيان عام 1160هـ - 1747م، اعترف الجميع لمحمد أخيه بالإمامة الدينية والزعامة الزمنية المطلقة. إن حادثة اتفاق الإمام محمد بن سعود والشيخ محمد بن عبدالوهاب على القيام بالدعوة الخالصة إلى الدين الصحيح والتعاضد على نصرة الحق وقمع البدع وإزالة معالم الشرك ونشر الدعوة لهي من أهم الحوادث التاريخية في الأعصر الحديثة في بلاد العرب فقد كانت الدعوة الدينية بنفسها من اجل الأعمال الإنسانية فضلاً عن النتائج السياسية التي حصلت منها. ليس هذا مجال التفصيل فيما كان لذلك الاتفاق بين الزعيم السياسي والمصلح الديني من نتائج، وإنما نقول: إن تعاضدهما قد أثمر كل الخير للإسلام والعرب، فقد شرعا في بث الدعوة الإصلاحية الدينية والاجتماعية بين أهل البلاد المجاورة للدرعية ثم توسعا في الدعوة إلى سائر أطراف نجد ولقيا في سبيل الدعوة كل مشقة وعناء. وشهد محمد قبيل وفاته عام 1179هـ - 1765م مملكة واسعة الأطراف تشمل أكثر نجد، ورأى مبلغ انتشار الدعوة بين أهل نجد أنفسهم، ولم يخلص من حكم الإمام محمد سوى بلدة الرياض والحسا والقصيم، وكان أمير الرياض ( هام ابن دواس ). أما عن الجانب الجغرافي في تكوين مناطق السعودية يذكر بأن أهم الصفات الطبيعية لها هي سلسلة جبال السراة التي عرفت بالحجاز، وهي تخترقها على محاذاة الساحل الغربي من الشمال إلى الجنوب. إن هذه الجبال هي ما يكون القسم الشمالي والأوسط من هذه السلسلة لجبال السراة، وهي التي تقسم جزيرة العرب إلى قسمين شرقي وآخر غربي منحدرة نحو محاذاة ساحل البحر الأحمر من شمالي عدين إلى اليمن، وبفعل قربها من الساحل الغربي يصبح ذلك الانحدار إليه شديد.وقد أطلق اسم الحجاز على هذه السلسلة لأنها حجزت ما بين ساحل البحر الأحمر، وهو منخفض عن مستواها وبين ساحل النجاد الشرقية المرتفعة مقارنة إلى الساحل الغربي، وقد أطلق على القسم الهابط عن مستوى الحجاز إلى الغرب بتهامة، وسمي الجانب الشرقي بنجد. أوجد هذا التكوين الطبيعي لجبال الحجاز تقسيماً جغرافيا لمناطق المملكة، وجعل لكل منها صفات تميزها عن غيرها ، وهذا لاينفي وجود عدة حالات تقارب بين هذه المناطق، مثل منطقة الربع الخالي، وهي قسم شاسع من الرمال، كانت تعرف في الماضي باسم رملة يبرين، وقد ظلت هذه المنطقة مجهولة عند الكثيرين، بالرغم ممن عبر بها من بدو الصحراء وسار بها من الشمال إلى الجنوب ومن الشرق إلى الغرب، وأقاموا فيها، ويرجع عدم ذكر الناس لها لعدم تدوين شيء عن نوعية الحياة، كذلك بذلت جهود عدة لمعرفة أحوال هذا المكان وما يوجد به من ناس وحيوان ونبات وجبال ووديان ومياه، وكان أول من دخل هذه المتاهة الرملية البريطاني برترام توماس وسانت جون فلبي من الشمال إلى الجنوب إلى نقطة متوسطة، كان قد وصل توماس إليها وسار منها غرباًَ إلى نهاية وادي الدواسر.وعن أهمية تلك الرحلات يقول الكاتب:(يذكر أن المستر برترام توماس حاول اختراق منطقة الرمال الكثيفة عدة مرات ولم يتح له الوصول إلى غرضه إلا في شتاء عام 1930م - 1931م ففي ذلك الوقت أكمل معداته للسفر من ظفار على شاطئ المحيط الهندي ماراً بسلسلة جبال القارة المشرفة على المحيط الهندي ومؤخرها يتصل بإقليم المهرة المعروف في تلك الجهات بنجد. وفي 19 ديسمبر سنة 1930م كان بقرب شيصور التي تبدأ منها المنحدرات الشمالية للبلاد النجدية هذه حيث المنتهى الجنوبي لمنطقة الرمال. وقد استغرق اختراقه الرمال من شيصور إلى قرب شبه جزيرة قطر ما يقرب من شهر. وكانت طريق على محاذاة الحافة الشرقية للربع الخالي الصحيح حيث تكثر المياه والآبار والخيرات.واما المستر فلبي فإنه اتبع طريقاً آخر للسير، فسار من الهفوف (الحساء) في أواخر شهر يناير سنة 1932م إلى واحة جبرين ومنها اتجه جنوباً إلى حيث يكون الربع الخالي في متوسط نقاطه من كل الجهات عند بئر نيفا وانطلق من هناك في اتجاه غربي مطرد إلى مسافة 250 ميلاً فوصل إلى بلده سليل في منتهى وادي الدواسر، ومن أجل التدقيق في العمل وربط النتائج التي حصل عليها هو بالنتائج التي حصل عليها المستر توماس في الشتاء السابق فقد وصل فلبي إلى آبار شفة الواقعة على خط العرض 18 درجة و 59 ثانية.وكان من نتائج الرحلتين الآنفتي الذكر أنه أمكن معرفة كثير من الحقائق الجغرافية والجيولوجية والاجتماعية لمنطقة الربع الخالي الشاسعة التي يجوز لنا أن نحددها بأنها واقعة بين خطي العرض 18 و 24 من العرض الشمالي والخطين 46 و 54 من الطول الشرقي.نعم إن توماس وفلبيفي رحيلتها لم يتمكنا من زيارة كافة أصقاع الربع الخالي، وبقيت أمام طلاب الارتياد مساحات أخرى يجب أن تعرف أحوالها، إلا أنهما وقفا بصورة جازمة إلى إيضاح المهم من طبيعة هذه البلاد وتكوينها وما فيها من تضاريس طبيعية وأحوال عمرانية واجتماعية. سنصفه بإيجاز فيما يلي: قال توماس: (يتألف الربع الخالي من أرض صحراوية يكاد يكون قسماها الشرقي والجنوبي إلى حد يقرب من ثلث مساحتها كلها عبارة عن أراضي الهضبات والقسم الباقي عبارة عن أوقيانوس من الرمال المنتشرة نحو الشمال والغرب).ومما يشير إليه الكاتب تلك المعلومات التي يقدمها عن تنوع الأجناس في المملكة حيث يعود هذا الفعل إلى:1ـ الفاتحون والغزاة الذين جاؤوا إلى هذه البلاد من أجناس غير عربية عن طريق الأسر وتجارة الرق. 2ـ ما بقي منهم من الغزاة والأجانب. 3ـ الذين رغبوا في البقاء والمجاورة للاماكن المقدسة من مختلف البلدان الإسلامية. 4 ـ ما جلبه تجار الرقيق من العناصر غير العربية. فالهنود والأفغان والترك والبخارى تلك التجمعات تواجدها في المدن الحجازية ومكة وبها عائلات هندية وتعد من أغنى البيوت وأكثرها جاهاً وشهرة بالعالم. أهل جاوى والصين والشرق الأقصى، ويرجع توطنهم إلى عدة قرون من الزمن، وقد تزايد عددهم في تلك الفترة وإختلاطهم مع سكان البلاد العرب وأصبح الكثير منهم لهم مناصب مهمة في جهاز الدولة. أما عن القبائل والعشائر التي تسكن هذه الأنحاء من المملكة، نذكر منها: بالأحمر، بالأسمر، أهل بارق، بحر بن سكينة، اليقوم، بلى ، بنو تميم، بنو ثواب، ثمالة، الجحادلة، وغيرها ممن جاء على أصولهم الكاتب في كتابه.أما الموقع الجغرافي للمملكة يذكر الكاتب:( تقع المملكة العربية السعودية بين البحر الأحمر غرباً والخليج الفارسي شرقاً ومبدؤها من الغرب عند الدرجة 32 والدقيقة 30 ومنتهاها الشرق من جهة الخليج الفارسي عند الدرجة 60 من الطول الشرق، وهي محدودة من الشمال بأراضي شرقي الأردن والعراق والكويت ومن الجنوب بلاد عمان وحضرموت واليمن. ولم تعين حدودها بصورة قطعية إلا مع الكويت والعراق، وقد عينت الحدود بين نجد وشرق الأردن، أما بين الحجاز وشرق الأردن فما زال الحد غير معين. ويمتد خط الحدود الشمالية مع الكويت والعراق وشرق الأردن من نقطة واقعة على الخليج الفارسي هي (رأس القليعة) كما يلي مكن نقطة واقعة جنوب رأس القليعة وممتدة على جانب الخط المحاذي لنصف الدائرة الحمراء المبينة في المادة الخامسة من الإتفاق الإنجليزي التركي سنة 1913م إلى ملتقى خط العرض 29 من العرض الشمالي بنصف الدائرة الحمراء المشار إليها ومن هذه النقطة على خط مستقيم إلى نقطة تقاطع وادي العوجا ).سنوات طويلة مرت على صدور هذا الكتاب ، ومازالت منزلته في مرجعيات دراسة تاريخ الجزيرة العربية في موضعها من حيث العودة إليه لمعرفة حقب ومواضع تعزز لمن أراد التواصل المعرفي.وقد اكتسب هذه الأهمية بما حوى من معلومات عن السعودية ومناطق في الجزيرة العربية وهذا يجعل منه صاحب رؤية في مسار الكثير من أحداث الماضي الذي ظل يسرد أدبياته حتى اليوم، فهو كمرجع لا يمكن إغفاله وهو ككتاب يقدم لنا المستوى الذي تعتمد عليه الكتابات في هذا النوع من الأمور. وهذا الفعل يدل على أن قضية التعامل بين القلم والتاريخ ليست مجرد الوقوف عند درجة الشاهد أو المتلقي، بل فيجعل بعد الفكرة حركة تواصل مع الحياة، وهذا ما يعطي لطابع الكتابة صفة الإستمرارية مع الزمان، حقائق لا تسقط بتقادم الفترات، بل تظل نظرة الراهن نحو الماضي لا ستجلاء آفاق الغد، وذلك ما نتعلمه من كتب التاريخ، وهذا السفر جزء من المنظمومة التي قدمت صورة عن جزيرة العرب، يظل مرجعاً نعود إليه إن تحركت رمال هذه المساحات من أرض العرب.
|
ثقافة
قــلب جـزيـــرة العـــرب
أخبار متعلقة