كلمات
ليس مصادفة اعتذار رئيس حكومة الكيان المفاجئ لرئيس وزراء تركيا بعد ثلاث سنوات من الاعتداء على أسطول الحرية وسفينة مرمرا التركية، والّتي أعقبها سحب السفير التركي وطرد السفير الإسرائيلي من تركيا، وبدء تركيا بإجراءات قانونية لمحاكمة الجنود الذين اعتدوا على السفينة التركية وقتلوا بعص رعاياها ومواطنيها، في ظّل زيارة الرئيس الأمريكي أوباما للمنطقة، وعلى وجه التحديد « إسرائيل». هذه الزيارة الّتي لَم تخرج عن المتوقع بشيء، ولم تحمل جديداً من رئيس الدولة الحاضن للكيان منذ نشأته والذي يعتبر أحد قواعدها الحيوية والوظيفية الهامة في منطقة حبلى بالتعقيدات السياسية والجغرافية، وحبلى بالموارد الاقتصادية والنفطية، ومصادر الطاقة الأخرى ...إلخ. لكن الجديد هو اعتذار رئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو لتركيا الّتي تعتبر مفتاحاً حيوياً ومهما بالنسبة للولايات المتحدة الأمريكية في المنطقة، هذا المفتاح الذي استطاع أن يبني علاقات متميزة مع جميع الأطراف في المنطقة، ويخلق حالة توازن سياسي مع جميع المفاصل سواء مع إيران القوة الإقليمية الصاعدة والمعادية للولايات المتحدة الأمريكية، أو مع دول الخليج العربي المورد النفطي الحيوي والداعم لثورات العرب في ليبيا وسوريا، أو مع جماعات الإسلام السياسي الّتي بدأت تفرض إرادتها السلطوية في المنطقة كأنظمة جلبتها الثوّرات الربيعية العربية، وكذلك الدور التركي المهم على المستوى الشعبي العربي والإسلامي نظير مواقفه من القضية الفلسطينية ومن اعتداءات « إسرائيل» ضد لبنان وغزة. أضف لذلك موقفها من القضيتين الليبية والسورية وهو الموقف الذي توافق مع السياسة الأطلسية الّتي هي عضو فيه وأحد أركانه وتلتزم بسياساته وقراراته. كل هذا يضاف إلى علاقاتها أو حفاظها على حالة التوازن مع « إسرائيل» ونجاح سياستها الأردوغانية في القدرة على العزف على كل الأوتار رغم اختلافات نغماتها، وابتعاد كل وتر عن الآخر.هذا الاعتذار مثل نصرًا لتركيا يضاف لانتصاراتها السياسية التي يقودها أردوغان - أوغلو منذ الحقبة الثانية لحكم حزب العدالة للجمهورية التركية والذي ساهم في ترسيخ الدور التركي، ورسم الصورة التركية النقية في ذهن المواطن العربي والمسلم عامة. وعليه كان لابد أن يحمل ويسعى أوباما على حث أو دفع رئيس وزراء الكيان إلى الاعتذار مستغلًا حالة الود والغزل الّتي حاكى بها أوباما يهود العالم والشعب الإسرائيلي في تثبيت حق « إسرائيل» في فلسطين كأرض يهودية، كصك جديد من الإمبراطورية الأمريكية، وكذلك مع نتياهو المنتشي بانتصاره الأخير في الانتخابات الإسرائيلية، ونجاحه في تشكيل الحكومة التي توحي للناظر أنها حكومة أكثر تطرفًا وهي حقيقة تم من خلالها دحض فكرة أن الحكومة السابقة أو بعض وزراء الحكومة السابقة كانوا يقفون حجر عثرة في وجه نتيناهو من تقديم اعتذاره لتركيا، بل تؤكد على أن أوباما استطاع أن يقدم لنتنياهو وحكومته مكافآت ومزايا جديدة لم يعلن عنها مقابل هذا الاعتذار حسب المتعارف عليه بأن حكام « إسرائيل» لا يقدموا شيئًا مجانًا للولايات المتحدة الأمريكية أو غيرها، وبكل تأكيد قدم أوباما بجانب هذه المزايا حقيقة المأزق الأمريكي في سوريا الذي أصبحت عاجزة عن فك طلاسم الحالة السورية، وتحقيق إرادتها كما فعلت سابقًا في العراق وليبيا، خاصة وأن الدب الروسي يقف صامدًا فيما يتعلق بالأزمة السورية، وعليه بهذا الاعتذار يعمق الدور التركي الحيوي ويزيد من قوته في الساحة السورية بما أن تركيا أهم لاعب على الساحة السورية في الوقت الراهن، من جهة ومن جهة أخرى يعزز قدرة تركيا على الضغط على حركة حماس في قطاع غزة لتقديم مزيداً من الليونة والتنازلات السياسية في مرحلة قادمة، ويستطيع التحرك بقوة أكبر في الضغط على حماس حسب الإرادة الأمريكية وسياساتها مستقبلًا، وهو ما يفسره سرعة اتصال أردوغان بالسيد خالد مشعل رئيس المكتب السياسي لحركة حماس مطلعًا إياه على اعتذار « إسرائيل» وما أعقبه من أولًا: إعلان» إسرائيل» عن تسهيلات على المعابر الفلسطينية الّتي تربط غزة بـِ» إسرائيل» رغم إعلانها المسبق قبل ذلك بيوم أن هناك إجراءات عقابية إسرائيلية ضد غزة من خلال فرض قيود أكثر صرامة على المعابر البرية، وتقليص مساحة حركة صيادي غزة في البحر لمسافة ثلاثة أميال، وثانيهما: الإعلان من قبل رئيس وزراء الحكومة المقالة إسماعيل هنية عن زيارة رئيس الوزراء التركي أردوغان إلى غزة ممّا يعني عمليًا البدء فعليًا في مراسيم انتهاء الحصار الإسرائيلي كليًا عن غزة، وتحرك تركي رسمي نحو تأسيس لمرحلة أكثر تقارباً بين حماس و» إسرائيل» من جهة أخرى.وعليه فإن الاعتذار الإسرائيلي هو رد اعتبار لتركيا ودورها أكثر من كونه اعتذاراً ..