رحل عمر محمد عمر الأديب والشاعر والقاص والسياسي المكافح العصامي ابن عدن النقي الذي ظل يحمل (حافة حسين بقلب كريتر) هاجساً يحلق من خلاله في فضاءات اليمن والعالم من عمق المحلية (حافة حسين بكريتر) التي خصها بنص شعري. انطلق عمر الإنسان الشاعر مرهف الأحاسيس إلى العالم الفسيح الواسع عبر فضاءات اللغة والتدريس والفلسفة والسياسة والفكر الإنساني الخلاق من (كريتر) حاملاً معه في حله وترحاله ذكريات انسانية وروح الأمكنة وعاداتها وتقاليدها وثقافتها في كل مكان عاش فيه عمر طفلا وشاباً وأستاذاً تربوياً وشاعراً وقاصاً وصحفياً تأثر بالأمكنة وناسها وحمل معه بصماتها وسماتها وروحها وأثر فيها فترك فيها بصماته هو وروحه التي كانت دوماً روح المرح والنكتة والسخرية . انطلق عمر محمد عمر من الخصوصية المحلية لعدن متزوداً بالفكر الإنساني العالمي يحلق في فضاءاته الرحبة ويتمثله سلوكاً فعاش مع الفقراء والعمال والكادحين والمثقفين الثوريين البسطاء فأصبحت البساطة سلوكه الذي عرف به التزم فكر اليسار والثقافة الوطنية ذات الأفق الإنساني وظل مخلصاً لفكره وطبقته هكذا هم أبناء عدن الأوفياء لا ينسلخون من طبقيتهم وناسهم إلا ما ندر والنادر لا حكم له كثيرون جداً منهم ظلوا مخلصين لأفكارهم وناسهم ولم يعادوا أو يخاصموا منبعهم الطبقي ، لإنهم كانوا يرون التخلي عن الأفكار والمبادئ والتنصل عن الناس البسطاء والكادحين خيانة للنفس والفكر وهم لا يعيشون ولا يموتون إلا أوفياء مع أنفسهم وناسهم وفكرهم.عاش عمر فقيراً معتزاً بفقره وفياً ومات فقيراً رافع الرأس شامخاً عرف بإبداعاته ونفائسه من الشعر والقصة والأدب والكتابات الصحفية وبضحكاته المجلجلة و(عرعراته) وابتساماته المتواصلة لجميع من حوله للفقراء والعمال الكادحين ولزملائه وأصدقائه المتعبين في هذه البلاد وللقاطنين معه في الحي من كل المهن وكل من كان يتعامل معهم خلال أيامه وشهوره وسنواته كان لهم نصيب من ضحكاته ومن كان يودهم أكثر يخصهم بـ(عرعراته) لقد كانت ضحكات عمر محمد عمر وابتساماته و(عرعراته) تهب كنسمة حانية على أصدقائه ومحبيه كعادة أبناء عدن فهم عندما يرحبون بمن يحبون يعلنون حبهم بتلويحات أياديهم من بعيد مضاف إليها (عرعرة ) بصوت عالٍ مخلوط بابتسامات متواصلة وهذا تعبير عن غزارة الحب وليس شتيمة كما قد يتبادر إلى ذهن أي سامع من خارج مدينة عدن. منذ تعرفت على عمر محمد عمر بن عثمان الأديب والقاص والشاعر والكاتب الصحفي في بداية التسعينات من القرن العشرين الماضي عن طريق الأستاذ الفقيد عبد الله سعد محمد صالح المعبقي ( محيي الصحف وهي رميم) توطدت علاقتنا حيث كان يجمعنا (ديسك صحفي أسبوعي) منذ أن رأس بن سعد المعبقي صحيفة الشورى حتى غادرها وظل يجمعنا ذلك (الديسك) بعد ذلك في عهد نعمان قائد سيف إلى أن فرقتنا الأيام وكلما كنا نتقابل لا يخلوا حديثنا من تذكر مرابع الصبا والشباب “حافة حسين” نبدأ بـ “عليان أبو السياكل ومسجد حسين ودكان قائد البليط وعبده علي أبو البرد وفرور أبو القصب والميدان ومقهاية زكو وفندق الجزيرة والسوق الطويل وشارع الرشيد ومخبر هزاع بشر ومخبز علي عبد اللاه علوان ومطاحن البن وسوق الصيد والطويلة والصهاريج وزيارة العيدروس وحافة الزعفران والخساف وسواحل حقات وجولد مور وصيرة وكل مكان في كريتر ولا نترك شاردة ولا واردة إلا تحدثنا عنها.بضحكاته المجلجلة وقفشاتة المازحة كان عمر حكاء المرح بتعبير الصديق محمد عبد الوهاب الشيباني يضفي على كل لقاء يجمعه بالزملاء والأصدقاء جواً من الفرح والضحك والنكات اللاذعة والسخرية الهادفة لا يوفر أحداً إلآ ويرمي إليه (جلب) صيده لينتزع منه ابتسامة وضحكة ولو غصباً عنه مهما كانت الظروف والهموم الجاثمة عليه وعلى أصدقائه وزملائه .الله .. الله.. الله يا عمر تنهمر الذكريات خاصة تلك التي حدثت بعد حرب صيف 94م المشئومة فكنت ملاذنا في (مقايلنا ولقاءاتنا) تربت على أرواحنا بسخريتك اللاذعة و(عرعراتك) المصحوبة بضحكات مجلجلة كنا منكسرين مكتئبين وأنت من يمسح من على لوحات أرواحنا قطرات الدم والدموع ومن يغسل قلوبنا بضحكات تنتزعها غصباً عنا ومن لم يضحك تضحكه (بعرعرة )خاصة به. عمر محمد عمر صاحب الضحكات المجلجلة المشهورة بين أصدقائه ورفاقه ومحبيه وكل من عرفه كان يضحك وبداخله نار تغتلي بل قل (وقيد جمر) تشتعل مما يعانيه الأصدقاء والفقراء في كل مكان ولإن الإنسان أبن بيئته كان يبدأ تألمه على الناس في عدن أولاً ثم بعد ذلك باقي أرض الجنوب فصنعاء محل سكنه وعمله فيتوسع الألم إلى كل اليمن ولأنه شاعر والشاعر أكثر حساسية وقدرة على إلتقاط تفاصيل هموم الآخرين كان يتذكر الأصدقاء القدامى (عيال حافة حسين) وأصدقاء الدراسة والثقافة والشعر والفن والإبداع في عدن وصنعاء وأبين وحضرموت وكل مدن اليمن فرداً فردا وأصدقاء العمل والصحافة يسأل عنهم ويكابد معهم شظف العيش ومدلهمات الحياة إنه اليساري المخلص لفكره وطبقته عمر العدني الوطني اليمني الإنساني . عمر محمد عمر كان يغضب بشدة ضد الظلم والقهر يرتفع صوته عالياً يسمعه الجميع يقول كل شيء بفطرة أبناء عدن لا يخاف في قول الحق لومة لائم ينفس عن نفسه وعن أصدقائه بالضحكات المجلجة وبـ (العرعرة) التي كانت بمثابة تحية وسلام وكان عمر يمتاز بالنكات والقفشات العدنية اللاذعة ويختمها بضحكة مجلجلة كما هي عادة أبناء عدن. غادرنا عمر الإنسان المحلق في فضاءات الإنسانية فكراً وسلوكاً ومعنى ونحن في أشد الحاجة إليه فأخر مرة تبادلنا التحية على الطريقة العدنية وتعانقنا كان يوم عزاء الفقيد الفنان التشكيلي عبد العزيز إبراهيم برغم الحزن الذي كان يلف الجميع يومها لكن عمر العدني الوفي قال كلمته ومشىلقد كنت وفياً يا أبن الدوش عندما كتبت عن عبد العزيز فقد رحل في زمن أغبر وصمت عجيب والناس مشغولين فكان ردي عليه لكن لا تنسى حبيبك (ابن الدوش) اعتقاداً مني أني سأرحل قبله خاصة وأن شرايين القلب متعبة ولم أكن أدري لا أنا ولا هو ولا غيرنا من الإصدقاء أن ذلك سيكون أخر لقاء مع عمر وأن الله سيختاره إلى جواره قريباً وإلا كنت أطلت العناق يا عمر ولكن لا اعتراض على قضاء الله وقدره فهو دائماً يختار مبكراً ( الحبايب من عباده) الذين يحبهم يصطفيهم إليه ويناديهم بسرعة للرحيل وبهدوء والذين يؤخرهم مثلنا يصفيهم من ذنوبهم في هذه الدنيا التي لا تساوي جناح بعوضة.فوداعاً أيها العزيز الغالي عمر إلى جنة الخلد ففي كل مكان من ارض اليمن عشت فيه أو مررت به أو كان لك معه ذكرى تركت نكتة لاذعة وسخرية وضحكات مجلجلة بالفرح و(عرعرة) على الطريقة العدنية فغسلت بها قلوب مكروبة وأنفساً متضجرة والى إن نلقاك نقول لقد تركت لنا نفائس من الشعر والنثر والأدب والكتابات والنكات اللاذعة والسخرية و(عرعراتك) التي تتفرد باختيار وقتها وطريقة أدائها لأنك كنت تهدف بها غسل أرواحنا من التعب. فنم قرير العين أيها العدني النقي فأنتم السابقون ونحن اللاحقون.[email protected]
|
ثقافة
رحـــــل عـمـــر الإنــســـان ابــــن عـــــدن النـــقـي
أخبار متعلقة