تسجيل ضخم لحياته وفنه والعلاقة الخيميائية بينهما
في كتابهما الجديد عن سيرة فان جوخ بعنوان (حياة فان جوخ) يتيح (ستيفن نيفه وجريجوري وايت سميث) رحلة مع دليل عبر العالم الشخصي وأعمال ذلك الرسام الهولندي ويلقيان ضوءاً مبهراً على تطور فنه ويوضحان ما هو أكيد ، نظرية مثيرة الجدل عن موته وعمره سبع وثلاثون سنة.وبينما ظل الانتحار بالبندقية لمدة طويلة جزءا من أسطورة الفنان المعذب التي تغلف فان جوخ إلا أن السيدين نيفه و سميث يلاحظان بأن هناك قضايا تتعلق بتلك الفرضية - مثل زاوية الإطلاق واختفاء البندقية وبقية البراهين والرحلة الطويلة على الأقدام التي كان على فان كوخ الجريح أن يقوم بها كي يرجع إلى مسكنه. وبدلاً من ذلك يقترحان نظرية بديلة مخادعة دارت حولها الإشاعات لأول مرة من قبل مؤرخ الفن (جون ريوالد) في الثلاثينات من القرن الماضي خلال زيارة إلى (أوفير) وهي بلدة فرنسية صغيرة مات فيها فان جوخ. و كما يخبرنا الكاتبان فإن مراهقا مشاكسا يدعى (رينيه سكرينان) الذي يحب أن يلبس ملابس الكاوبوي التي اشتراها بعد أن شاهد مسلسل (الغرب الوحشي) لبفالو بيل من المحتمل أنه كان مصدر البندقية ( اشتراها أو استعارها من حارس حانة). اعتاد سكرينان وأصدقاؤه أن يزعجا فان كوخ غريب الأطوار ويقترح الكاتبان بأن هناك بعض المواجهة بين الفنان والصبيين في يوم تبادل إطلاق النار. وقد كتبا: (ما أن أخرجت البندقية من حقيبة الظهر لسكرينان حتى أمكن حدوث شيء سواء أكان مقصوداً أو غير مقصود بين المراهق الأخرق ذي الفنتازيات المستمدة من الغرب الوحشي والفنان الثمل الذي لم يعرف شيئاً عن البنادق ومسدس عتيق يميل نحو عدم الأداء جيداً).لا يدل الكاتبان بشكل مقنع على أن فان جوخ التعس بشكل عميق (رحب بالموت) وربما يكون (سكريتان) قد أتاح له (الهروب الذي كان يتوق إليه لكنه غير قادر أو راغب في توليده بنفسه بعد حياة قضاها وهو يتنصل من الانتحار كونه (جبناً أخلاقياً).لا يوجد دليل ثابت قوي على هذه النظرية وهي مدفونة على نحو واضح في ملحق هذه السيرة. بما أن السبب الحقيقي لقراءة هذا الكتاب لا علاقة له بالتأمل بموت فان جوخ لكنه تسجيل ضخم لحياته وفنه والعلاقة الخيميائية بينهما.إن التصوير الكلي لفان جوخ الذي ظهر في هذا الكتاب سوف يكون مألوفاً لدى قراء السير السابقة - وبخاصة دراسة ديفيد سويتمان المحكمة- لكنها مضخمة بالتفاصيل المتعددة المظاهر مثل ضربات الفرشاة لإحدى لوحاته المتأخرة.. وبينما استعمل المؤلفان في سيرة جاكسون بولوك الصادرة عام 1989 والتي فازت بجائزة بوليتزر، الفرويدية المخففة في محاولة تفسير فنه إلا أن هذا الكتاب يكافح من أجل أن يتجنب الترابطات المبسطة المرسومة بين عمل فان جوخ العصبي ومصاعبه العاطفية. (يبدو أن المؤلفين متفقان على أن سلوكه غير المعتاد أحياناً كان سببه نوعاً من الصرع كما استنتج أحد أطبائه). وبدلاً من ذلك فإن الكاتبين يفحصان على نحو مجتهد تطور الأفكار وتقنيات الفنان وقابليته المدهشة على تعلم الدروس من الرسامين الآخرين ونقل إبداعاتهم إليه. اعتمد المؤلفان في كتابهما كثيراً على المادة الأرشيفية والدراسات المتوفرة في متحف فان جوخ بأمستردام وبالأخص الطبعة الجديدة لرسائل فان جوخ والتي ظلت 15 سنة في التحضير وصدرت عام 2009. ومثل السير السابقة فإن قابليتهما على وصف الحياة الداخلية لفان جوخ بشكل مقنع مستقلة بشكل كبير عن تلك الرسائل الرائعة - التي تسجل تقلباته الجنونية وعمليته الإبداعية وعلاقته المعقدة مع مواهبه الأدبية الواسعة وعزمه الصلب على التعلم والتطور كفنان.