قصة قصيرة
كان والده هو مثله الأعلى .. شأنه في ذلك شأن أي طفل آخر فهو لا يمكن أن يخطئ ولا يمكن أن يرتكب شيئاً مخجلاً ولكن الأب في واقع الأمر كان لصاً كبيراً احتار رجال المباحث في أمره فهو إذا ما ارتكب أي سرقة لا يترك أثرا وراءه وسرعان ما يتوارى عن الأنظار. انفصل الوالد عن زوجته وأم طفله البالغ من العمر خمسة عشر عاماً بالطلاق وحمل الرجل ابنه ليعيش معه لان بينهما صداقة قوية دفعت الطفل إلى التعلق بأبيه.. ورفض أية محاولة للتفرقة بينهما ولو لبضعة أيام .. عندما كانت الأم تحن لرؤية ابنها. حتى عندما طردهما صاحب البيت بعد عجز الأب عن دفع الإيجار رفض الطفل أن يفترق عن أبيه وفضل أن ينام معه في سيارته على أن يعود إلى أمه وكان يقول كلما الحوا عليه بالذهاب إلى بيت والدته : إن الحياة جميلة طالما أنني أعيش مع أبي. ورأى الأب أن ينتقل هو وابنه للحياة في مدينة أخرى بعيداً عن المدينة التي كان يعيش فيها مع ابنه من قبل.. والتي كانت مسرحا لجرائم السرقة التي كان يرتكبها دون أن يقع مرة واحدة في قبضة رجال البوليس. ولكن الأب مالبث أن اكتشف أن المال يعوزه حتى بعد أن باع سيارته ليسدد بها ديونه فقرر أن يعود إلى السرقة ولو لمرة واحدة حتى يستطيع أن يدفع ثمن تذكرتي الباص إلى مدينة أخرى. وشاء سوء حظه أن يقع في أيدي الشرطة هذه المرة .. وقدم للمحاكمة ... وصدر الحكم عليه بالسجن لمدة ستة أشهر وسمع الطفل الصغير القاضي وهو ينطق بالحكم.. فأسرع يتجه إلى منصة القضاء ويقول وهو يبكي بحرقة : لقد كنت مع أبي وهو يسرق أنا ايضاً سرقت ولابد أن الاقي جزائي .. وأن تحكموا علي بالسجن مثله .. إنني أريد أن أكون معه في أي مكان. وأغرورقت عينا القاضي بالدموع وهو يستمع إلى حديث الطفل البريء ثم نظر الأب وقال : “ غداً سنعيد النظر في هذه القضية”.. وامتلأت قاعة المحكمة بالحضور في اليوم التالي وجاء دور قضية الأب ونطق القاضي بالحكم الجديد : “ وقد رأت المحكمة وقف التنفيذ للحكم ووضع الأب تحت المراقبة”. ومن وراء القضبان ذهب الطفل وأبوه في عناق طويل ووعد ابنه الحبيب إلى نفسه ألا يعود للسرقة مهما كانت الظروف القاهرة وان يبحث لنفسه عن عمل شريف يقتات منه حتى يربي ابنه تربية صالحة.. بعد أن أحس بأنه سيكون سبباً في ضياع ابنه الذي يتعلق به تعلقاً وثيقاً .