أخونة الدولة
ميدان التحرير في العاصمة المصرية القاهرة الذي اسقط الرئيس المصري السابق محمد حسني مبارك غص بحشود وشعارات تحررية وثورية ارتفع سقفها الى حد المطالبة برحيل مرسي ذاته، لاسيما بعد ان لوحت جماعته (الإخوان المسلمون) بمليونية لتأييد الإعلان الدستوري التي كان قد أقر الإخوان موعدها في ميدان التحرير ثم تم تأجيلها لما تحتمله من مخاطر أمنية غير محمودة العواقب. والمتابع هذه الايام عبر الشاشات الفضائية العربية والأجنبية لمليونية ميدان التحرير في قاهرة المعز وفي مصر الكنانة تلك الحشود الهائلة التي تجمعت من مختلف ألوان الطيف السياسي وشرائح وفئات المجتمع المصري ومنظماته المدنية وشخصيات سياسية وثقافية وفكرية وقضائية وإعلامية يلمس ودون شك رفضا واستنكارا وغضبا عارما وبلا حدود لسياسات الرئيس المصري المنتخب محمد مرسي الذي لم يمض على ولايته الرئاسية الجديد والأولى لمصر إلا أربعة أشهر فقط إلاَّ أنه قام بما لم يقم به مبارك نفسه من تكويش على السلطات الثلاث المعروفة (التشريعية والتنفيذية والقضائية) وحتى السلطة الرابعة (الصحافة) وذلك حينما اقدم على إغلاق قنوات فضائية تلفزيونية وصحف وطنية لمجرد أنها اختلفت معه في الرأي، فضلا عن إقدامه على حل المجلس العسكري الذي كان له الدور الابرز في نجاح ثورة 25 يناير المصرية ونقل السلطة بهدوء الى السلطة المدنية في مصر عبر انتخابات رئاسية نزيهة، ومن ثم اقال النائب العام في مصر وذلك في تجاوز صريح وتعد على سلطة القضاء والقانون ولصلاحيات المحكمة الدستورية العليا في مصر وأعضائها، وأخيرا إقدامه على قرار الإعلان الدستوري الذي تم صياغته و(سلقه) في جنح الظلام من قبل أعضاء الجمعية التأسيسية التابعين للاخوان وعلى الرغم من انسحاب واعتراض العديد من أعضائها من القضاة المشهود لهم بالكفاءة والنزاهة على المواد التي تضمنها مشروع الدستور الاخواني الجديد لمصر الذي ناهضته معظم القوى السياسية والثورية ومنظمات المجتمع المدني في مصر حيث أكدت رفضها الصريح والواضح وتصميمها على إسقاط الإعلان الدستوري (غير الدستوري).وقد كانت الشعارات المناهضة للاخوان في مصر قد ملأت الأماكن والساحات والأزقة المصرية ليس في ميدان التحرير وحسب بل في الإسكندرية والإسماعيلية والجيزة وجامعة عين شمس وحتى محطات المترو. ومن بين هذه الشعارات التي انتشرت (مصر ضد الإخوان مش ضد الإسلام) و(يسقط يسقط حكم المرشد).. وحتى الشعارات التي كانت ومازالت تردد في الميدان لم تخل من تعليق ساخر من وحي ظرافة وخفة دم المصريين، فبينما كانت مجموعة من الثوار المصريين يرددون بصوت واحد (تحيا مصر تحيا مصر) علق مواطن مصري قائلا: (هي ماتت) واردف قائلا: مصر عمرها سبعة آلاف سنة وما ماتتش.. قولوا: (أنت ماشي ومش حنمشي) ويقصد مرسي.ساحات عديدة امتلأت في مختلف محافظات مصر يوم الجمعة الماضي بعضها اتجهت الى قصر الاتحادية للدعوة الى إسقاط المسودة الأصلية للدستور المقدم من الجمعية التأسيسية لوضع مشروع الدستور وهي فاقدة الشرعية، وأخرى باقية في ميدان التحرير معلنة (الشعب يريد إسقاط حكم الإخوان). وبذلك تعيش اليوم مصر مخاضا ثوريا مختلفا وجديدا. وبالنظر الى ما يحدث اليوم في ذلك البلد الشقيق ألا وهي مصر الكنانة نلاحظ أن ثمة تشابها كبيرا حينما نسقط ما يسمى بـ (الحالة الثورية) لدى إخوان المسلمين في مصر وبين الإخوان المسلمين لدينا في اليمن والمعروف بـ (حزب الإصلاح).. وذلك أثناء قيامهم بما بات يعرف بالثورة الربيعية وعند تسلمهم لمقاليد الحكم من ناحية وتناقضها الكامل مع الشعارات التي رفعها كل من اخوان مصر وإخوان اليمن ونوجزها بالآتي: ـ الثورة المصرية تم الاعتراف الدولي الكامل بمجلسها الثوري. أما في اليمن فلم يتم هذا الاعتراف لا دوليا ولا حتى إقليميا وعربيا بمجلسها الثوري، وانما نظر الى الثورة اليمنية بكونها أزمة سياسية بين طرفي نزاع (السلطة والمعارضة) وتم معالجتها على هذا الأساس وتمت التسوية السياسية لها وأفضت إلى التوقيع على المبادرة الخليجية وآليتها المزمنة لتجنيب اليمن شبح الحرب الأهلية.ـ الحالة الثورية المصرية تؤكد الأحداث اليومية أن الثورة فيها مثمرة وان استمراريتها هي الضامن الوحيد لتحقيق كافة أهدافها. كما ان هذه الحالة المصرية لها انعكاساتها المباشرة على اليمن والتغيير فيه والذي لم يحدث او لم يكتمل في اليمن..لأن المعارضة أو الإخوان المسلمين في اليمن لم يستلموا السلطة 100 % مثلما حصل في مصر، ولكنهم قبلوا بها مناصفة بينهم وبين من انقلبوا عليه، وبالتالي فان أحزاب المشترك وفي مقدمتها حزب الإصلاح سرقوا ثورة الشباب أو أضاعوها حينما قبلوا الصعود الى الحكم بالمناصفة مع الحزب الحاكم.. وبالتالي فهم فرطوا بدماء الشهداء مقابل حقائب وزارية وسلطة وجاه، وذلك ما لم يفعله ثوار مصر حتى اليوم او ثوار بلدان ما بات يعرف بالربيع العربي. ففي يوم 11 فبراير 2011م أعلن محمد حسني مبارك تنحيه عن الحكم منهيا بذلك حكمه الممتد لثلاثة عقود، وعلى اثر ذلك وفي اليوم ذاته انطلقت شرارة ما تسمى بالثورة الشبابية من مدينة تعز معلنة بذلك بصوت عالٍ الشعب يريد إسقاط النظام..هذه المحاكاة للتجربة المصرية ليست العامل الوحيد، فلقد كنا ومازلنا أحوج من المصريين الى ثورة تغيير أخرى ليست في الأشخاص وحسب بل في الفكر والمفاهيم القبلية والجهوية والدينية المتطرفة والبالية التي يتم تكريسها حالياً والبعيدة كل البعد عن مفهوم الدولة المدنية الحديثة دولة النظام والقانون والمؤسسات ومقاومة تيار الإسلام السياسي الذي أخذ في التمدد في المنطقة العربية ومنها بلادنا اليمن الذي يتستر تحت غطاء وعباءة الإسلام، والإسلام براء منه، ويقف بالتضاد من قيام وبناء الدولة المدنية الحديثة وحرية الفكر والتعبير كما هو حاصل في مصر وفي بلادنا اليمن.