قصة قصيرة
نادية أبو جيابهذا قدرنا أن نحيا في نصف ونصفنا الآخر في مكان آخركان عليه أن يستيقظ كل يوم حاملا عبء مسئولية جسيمة لكي يمضي إلى الجانب الآخر من الجدار ، في كل يوم يمتص الألم ويمضي ويتساءل إلى متى ولا إجابة ..جدار ينقض بوحشية على جسد قريته واغلاقات لا تتوقف وحزن لا ينتهيهذه فلسطين-(سمير أفق) بدأ الصوت جلياً وهو يطارده ، دفع لحافه بقدميه وتأفف بصوت مسموع -(لا أريد الذهاب، لا أريد، أخبرتك البارحة ) أغمض عينيه لبرهة تذكر حلما رأى فيه أخته حنين مضرجة بدمائها ، نفض نعاسه وعاد لواقعه ، صوت قدميها المتعبتين تزحفان باتجاه المنضدة تحمل صينية الإفطار ككل يوم يحفظ خطواتها جيدا ، بالتأكيد جهزت له الحمام ،(دش بارد في الصباح سينعشك ) : هكذا أخبرهم مدرس التربية الرياضية .سبقه إلى الإفطار حازم وحنين أخواه ورفيقا طريقه البعيد إلى المدرسة ، (لا أريد الذهاب الأستاذ أخبرنا أن هناك اعتصاما عند الجدار ولن يأتي)(عليك أن تذهب من يهتم بأخويك، أنت الكبير) صوت والده الهادي أتاه من الزاوية حيث انتهى لتوه من صلاة الفجر.هذا مايقولونه دائماً عندما يحتاجونني، أما في الأوقات الأخرى فأنت مثلهم لا تطالب بأكثر منهم ، تناول حقيبته ودس شطيرته فيها، تقدمهم وعلى ملامحه بوادر التفكير هل يتسلل ويذهب لذلك الاعتصام ؟ خائف هو أجل خائف، ذلك الجندي عند الجدار يرمقه بنظرة اشمئزاز يقف وكأنه لم يذهب للحمام منذ أسبوع، لا يتحدث كثيرا وأحيانا إن تحدث فبشتيمة تلحق جذور عائلته ، مرة سأل والده : هل هم كفار ؟ ماذا يريدون منا ولماذا منعوك من الدخول لأرضنا، لم يجبه وأخبره أن ينتبه لدروسه ولا يفكر بالمشاكل الأخرى .وصلوا إلى الحاجز رغم أنهم بكروا بالخروج إلا أن المكان كان مزدحماً، أمسك حازم بيده ويد أخرى تمسكت به بطمأنينة ، أتاهم صوت عجوز قادمة من الطرف الآخر تحمل سلة على رأسها نظرت إليهم وابتسمت مشجعة ، يعرفها قبل أن يبنوا هذا الجدار اللعين قبل أن يمتد كالشرخ في جسد بلدتهم الصغيرة فيقسمها لنصفين، وقبل أن يسلبوا أرض أبيه ويحولوا بينه وبينها، اقترب دورهم في المرور ، بدا الحائط العالي شوكة تنغرس في قلبه تحسس آثارها على صدره ( يلااا) انتفض جسده وازداد التصاق حنين به ، يحفظهم هذا الجندي يراهم مرتين يوميا ذهابا وايابا، ويحفظون هم شكل بندقيته ووقفته الغريبة .تنفس الصعداء حين مروا وهرولت أقدامهم الصغيرة باتجاه المدرسة ، كان الباب مفتوحا والطابور آخذاً بالانتظام ، لم يأت الأستاذ كما أخبرهم لكن الباقين أتوا، طوال الدوام لم يفعل شيئا سوى صنع الطائرات الورقية واللعب بالطباشير والاختباء خلف غرفة المدير كي يسترق السمع الى أحاديث المعلمين الدائرة حول الوضع بعد الجدار العازل والاعتصام الذي يدور هناك، وحين آن أوان العودة للمنزل انتظر أخويه وسلكوا الطريق نفسه ، كان يمشي بحذر يشعر بداخله بشيء ما ، نصبوا حاجزا آخر في منتصف الطريق (ممنوع الدخول مغلق الآن )، ( لكن متى سنرجع لبيوتنا) صاح أحدهم ولم يلق جواباً، تلاميذ المدرسة اجتمعوا يراقبون الكبار بعيونهم اللامعة ، خلعوا أحذيتهم ورموا حقائبهم وبشعورهم الشعثاء أخذوا يلعبون بكرة قدم مثقوبة .اقترب العصر ولم يفتح الحاجز المدرسة مغلقة الآن أيبيتون هنا في العراء ؟ لاماء معهم ولا غذاء ، بماذا ستفكر أمه الآن؟. -( سمير أنا جائعة )-(أنا أيضاً) نظر إليهما. -لا بأس اصبرا سنعود قريباً الكبار استظلوا بالأشجار التي كانت منذ فترة ليست بالطويلة ملكا لهم يلتمسون ظلها، افترشوا أمتعتهم غفا بعضهم والبعض الآخر أخذ يسرد ما وصله من أخبار جديدة .كانوا أول الواصلين إلى الطابور حينما ندت قرقعة من الميكروفون الذي يحمله الجندي- ( هيا استعدوا لتعودوا لبيوتكم ) .