الثلاثاء 25 سبتمبر .. كانت نهاية الرحلة، بحثاً عن الهدوء والسكينة، بعيداً عن الضوضاء وتتبع مفاتن الدنيا الفانية .. هكذا غادرنا الأستاذ التربوي العلم النقابي والمناضل الجسور عبده فارع شمسان الذي كان مرحلة بحد ذاته .. مرحلة عشناها ما بين المدرسة والنقابة والنضال والقلم والدبلوماسية .. بل تعداها ليجمع بين العمل الحر والعمل الأمني في سيمفونية عجيبة، قل أن يعزفها عازف أو كورال في هذه الدنيا.عبده فارع نعمان المربي الفاضل، وهل يخفى على أحد هذا العلم وأدواره المميزة لقد تجلى في افعاله بمثلما هي أقواله .. ولعل عمله النبيل في (صوت العمال) كان أهم الأفعال، فقد حمل القلم واشرعه لمكافحة الفساد ومقارعة المفسدين .. وتتلمذ عليه جيل وصف لا يحصى .. في حين معظم هؤلاء هم صفوة تلاميذه سواء من (ثانوية مأرب) أم (المعهد الوطني) أم ممن كان يرعاهم في الملحقية الثقافية في الخارج .. هذا هو عبده فارع الخالد الراحل الذي تهافت عليه عدد من أهل الكلمة والحكمة راجين تأطيره إليهم للاستفادة منه ومن خبراته ومواقفه وصلابته ونبله. المنطقة الحرة بعدن أيام الأخ درهم نعمان استقطبته للعمل كمستشار، وكان خير من يستشار، وقد ذكره بخير زميله الفذ حسين بارباع (عملا معاً في نفس المكان) وكانوا يطلقون عليه (أبو الهول) لصمته ورجاحة عقله وعدم مجاراته الثرثارين والمتكلمين بمناسبة وبغير مناسبة، لم يكن الرجل يتكلم إلا لضرورة الكلام، جاد وحصيف، ولعل من تتلمذ عليه يفهم ذلك في حين هو صاحب ابتسامة عريضة وقلب صاف يغمره الحب الجارف لمن حوله،ولم نجد له عدواً أبداً، فكلهم كانوا اصحابه ومحبيه حتى آخر يوم من عمره.في منزله بحي الرشيد (منزل متواضع كصاحبه) افترش المعزون أرض المنزل (الحوش) واكتفظ بالحضور .. لا أدري كيف عرفوا بموته، رغم عدم اعلانه بوسائل الإعلام .. لقد استكثروا عليه نعياً أو تعزية، ربما لأن المرحلة تقتضي ان يغضوا الطرف .. وهذا هو الجحود بعينه.زرافات ووحدانا جاؤوا إلى منزل عبده فارع وكان أولاده الثلاثة مستقبلين للناس كأبيهم بشاشة وترحاباً وتواضعاً .. رغم المصاب الجلل .. لكن هي إرادة الله ولا راد لها.كان المؤثر والمؤلم ان رفيق دربه الأستاذ عبدالرزاق شائف وهو فدائي مناضل وقائد وطني ومن رموز الثورة والاستقلال كان قد أتى مسنوداً على عصا يتكأ عليها، ما ذكرني بالمرحوم الخالد عمر الجاوي رحمة الله عليه وهو الذي لم يفارق العصا حتى القبر .. وكالعادة كان المتفاني الرجل الطيب سيف صالح سيف هو من رافق عبدالرزاق شائف للعزاء، وهو بالمناسبة من اعلمنا بالوفاة .. وسيف هذا رجل الملمات والمهمات يعطيه ربي العافية وطول العمر.انا حقيقة اتصلت على رقم المرحوم وكان على الخط إحدى بناته في يوم الوفاة أردت التعزية، فتألمت لما سمعت نحيباً وبكاء متقطعاً وتنهدات تقطع القلب .. قدمت التعزية وأنا زعلان من تطفلي هذا الذي كان يمكن تأجيله لكن حبي لاستاذي وحبيبي ورفيقي عبده فارع هو الذي دفعني لذلك .. ولا أملك إلا الدعاء له بالرحمة والمغفرة ولأهله الصبر والسلوان .. آمين. ولن ننسى سيرة وسلوك ونضال رفيقنا العملاق إن شاء الله فهو مثلنا الذي كنا ومازلنا نعتز ونقتدي به.بطاقة شخصيةعبده فارع نعمان احمدمن مواليد عام 1939متلقى تعليمه العام والجامعي في عدن.بدأ الحياة العملية مدرسا في لودر م/ أبين.اعتقل عام 1963م، في لودر بسبب نشاطه السياسي والوطني وابعد إلى صعيد شبوة، ليعمل مدرساً في الابتدائية ثم مديراً لنفس المدرسة ومديراً للمتوسطة بعدها.عمل مدرساً في المدرسة الحكومية المتوسطة في عدن عام 1968م.انتخب اميناً عاماً مساعداً لنقابة المهن التعليمية عام 1970م.عين مديراً لثانوية مأرب بالمعلا، ثم بعدها عميداً للمعهد التقني الصناعي (الفني) بعدن وانتخب سكرتيراً للمجلس المركزي للشؤون الثقافية ورئيساً لتحرير (صوت العمال) في اتحاد النقابات عام 1986م، واقصي من كل مناصبه بسبب كتاباته الناقدة ونفي إلى تشيكوسلوفاكيا (آنذاك) فعمل ممثلاً لليمن في الاتحاد العالمي للنقابات بدرجة سفير عام 1992م.انتخب مجدداً رئيساً لتحرير (صوت العمال) عام 1992م.أحيل إلى التقاعد عام 2000م واستمر في ممارسة نشاطه الصحفي والجماهيري حتى يوم وفاته.متزوج وأب لـ (9) من البنين والبنات (4) أبناء و(5) بنات.توفيت شريكة حياتة (أم العيال) عام 2004م، وعاش مخلصاً لها حتى لحقها في يوم الثلاثاء 25 / 9 / 2012م، في صنعاء اثر مرض ألم به عن عمر ناهز الـ (73) عاماً.(إنا لله وإنا إليه راجعون)
عبده فارع نعمان.. رحيل آخر العمالقة
أخبار متعلقة