نبض القلم
يعتبر القائد في أية منشأة اقتصادية أو اجتماعية أو خدماتية هو المسؤول الأول المخول بحكم القانون واللوائح الإدارية بإصدار الأوامر والنواهي للمرؤوسين، وهو الذي يمتلك السلطة الإدارية التي بمقتضاها يحق له مراجعة أعمال المرؤوسين، وإثابتهم أو عقابهم، ولا يعني امتلاكه للسلطة الإدارية تخويله استعمال القسوة مع مرؤوسيه، لإجبارهم على إنجاز الأعمال الموكولة إليهم، كما لا يعني أنه يحق له أن يصدر ما يشاء من الأوامر والتعليمات التي تخطر في ذهنه دون مسوغات وأسباب منطقية تقتضيها متطلبات العمل وظروف العاملين، لأن هناك حدوداً أو قيوداً تمنعه من إصدار القرارات على هواه ومزاجه، وتحول بينه وبين التعسف في استعمال سلطته الإدارية.ومن العيوب البارزة لدى بعض القادة في كثير من المرافق الحيوية، وعلى وجه الخصوص المرافق الإدارية أنهم يعتبرون السلطة مغنماً يفيض بالرغبات وسلماً يؤدي إلى الثراء، فما يكاد الواحد يتسلم مقاليد السلطة في هذا المرفق أو ذاك حتى يتحول إلى وحش كاسر، فيستنسر على الناس ويستأسد بينهم، فلا هم له إلا أن يظهر سلطانه، ويبدي عنفوانه، فتراه يشطح وينطح فتارة يطغى ويتجبر، وتارة يتحكم ويسيطر وتارة يصيح فيمن حوله ليسمعوا كلامه، ويعوا أنه هو المسؤول ولذا فهو الآمر والناهي، ولا سلطة لأحد سواه، فلا معقب لحكمه ولا شريك له في أمره، وبالتالي هو لا يقبل النقد من زملائه ولا يسمح بالمساءلة عن أخطائه.وهذا النوع من القادة يشعر في قرارة نفسه بمركب النقص فيه، فيستر عيوبه ومركب نقصه بخداع الناس بالاغترار والاستكبار، والأسوأ من ذلك أنه يلجأ إلى سرقة جهود مرؤوسيه فينسب انجازاتهم إلى نفسه، وبدافع من الاغترار بالنفس يدعي أن النجاح الذي حققه مرفقه كان بفضله، فلولاه ما تحقق من ذلك شيء، متجاهلاُ بذلك إسهامات الآخرين. وهذا النوع من القادة يعتبر نفسه الكل في الكل، لذا يبقى دائماً متخوفاً عديم الثقة بنفسه وغالبا ما ينطلق سلوكه من سوء الظن بالمرؤوسين، فهو يعتبر ان المرؤوس كسول بطبيعته لا يحب العمل، وانه خامل لا يريد تحمل المسؤولية في العمل،وانه يفضل دائما ان يجد شخصا يقوده ويوضح له ماذا يعمل، وان العقاب او التهديد بالعقاب من الوسائل الأساسية لدفعه على العمل.ويرى هذا النوع من القادة ان الموظف او العامل لا يعمل من تلقاء ذاته حبا في العمل، بل يعمل خوفا من العقاب او الحرمان من المكافأة او الترقية، لذلك تراهم يشددون من الرقابة على المرؤوسين، متصورين ان الفرد لا يؤتمن على أمر هام دون اشراف ومتابعة، وعلى أساس هذه النظرة الخاطئة تراهم يجعلون القوة شعارا لهم، ويلجؤون الى التهديد والاشراف المحكم والرقابة الدقيقة.والمؤسف ان بعض المرؤوسين الذين يعملون تحت رئاسة بعض هذا النوع من القادة تراهم يدورون كالآلة الصماء، ولا يدرون سبب دورانهم، فهم يعملون عندما يطلب منهم العمل، من غير ان يعرفوا الغاية من عملهم، ولا النتائج المرجوة من ذلك العمل، والأسوأ من ذلك انهم قد يتوقفون عن العمل الذي كانوا قد شرعوا فيه استجابة لرغبة قائدهم الذي يكلفهم القيام بعمل آخر متجاهلا الخطط والبرامج التي تنظم سير العمل ومواعيد انجازه.والعجيب ان بعض القادة يتظاهرون بالقوة وهم عاجزون عن اتخاذ أي قرار، فيصدرون أوامرهم للمرؤوسين ويطالبونهم بتنفيذها مهما كان سخف تلك الأوامر وربما يتلقى المرؤوس الأمر الخاطئ وهو يعلم بخطئه، ولكنه ينفذه لمسايرة قائده.وفي واقع كهذا قد تمر على المرؤوس حالة تحتاج منه الى التبصر وحسن التصرف في معالجتها، لكنه قد اعتاد على العودة الى قائده فيستفتيه بشأنها، فيقوم بعدئذ بتنفيذ اوامره دون نقاش. وربما تمر على المرؤوس نفسه حالة مشابهة للحالة الأولى، فيعالجها باتباع القاعدة السابقة، ولكنه يفاجأ بغضب رئيسه لعدم العودة إليه وهذا دليل على مزاجية القيادة الادارية في كثير من المرافق.