في دراسة ميدانية تحليلية عن أطفال الشوارع في اليمن:
عرض/ بشير الحزمي:أوضحت دراسة ميدانية تحليلية عن أطفال الشوارع في اليمن نفذها فريق أكاديمي متخصص من جامعة صنعاء برئاسة الدكتور فؤاد الصلاحي في ثماني محافظات هي ( الأمانة ، عدن ، تعز، الحديدة، حضرموت، إب، حجة، ذمار ) بهدف تحديد حجم أطفال الشوارع في المدن الرئيسية لعدد من المحافظات، ومعرفة الأسباب والعوامل التي تفرز ظاهرة أطفال الشوارع، والتعرف على المتغيرات الاجتماعية والاقتصادية لأسر هؤلاء الأطفال، واستكشاف واقع حياة الأطفال في الشارع (المخاطر التي يتعرض لها أطفال الشوارع) بالإضافة إلى استعراض التشريعات والقوانين الدولية والوطنية الخاصة بأطفال الشارع ـ أن أطفال الشوارع هي ظاهرة ذات طبيعة مركبة متعددة المجالات وهي ظاهرة ومشكلة اجتماعية اقتصادية وسياسية وقانونية في آن واحد . وأشارت الدراسة إلى أن المتغيرات التي يشهدها المجتمع اليمنى في مختلف المجالات اقتصاديا واجتماعيا ناهيك عن المتغيرات الديموجرافية وتزايد حجم السكان قد شكلت السياق المجتمعي العام الذي يفرز ظاهرة أطفال الشوارع.وأظهرت الدراسة- التي تعد أول دراسة اجتماعية تشمل اكبر حجم في عينتها الميدانية وهي لذلك اقرب إلى المسح الاجتماعي الشامل، وتعتمد منظورات حديثة في التناول لقضايا أطفال الشوارع تبتعد عن الوصف إلى التحليل والمقارنة وتعتمد أكثر من أداة منهجية، و تكمن أهميتها العملية في محاولة الكشف الموضوعي عن واقع ظاهرة أطفال الشوارع في اليمن حتى يتسنى للجهات الحكومية اعتماد إجراءات عقلانية قابلة للتطبيق توجه كعلاج لهذه الظاهرة- أن مشكلة أطفال الشوارع بصورتها الحديثة هي مرتبطة بالتحضر “والحراك السكاني” فمعظم أطفال الشوارع في أمانة العاصمة صنعاء وغيرها من المدن الكبرى قد وفدوا إلى هذه الأماكن الحضرية من الريف ومن مجتمعات محلية أصغر إما مع أسرهم أو بمفردهم ومع معارف وأصحاب بحثاً عن فرص حياة أفضل وسعياً نحو رزق جديد لهم ولذويهم وهم يعيشون على هامش الحياة الحضرية، مكونين في الحضر بيئات عشوائية أو تجمعات غير منتظمة.[c1]عدد أطفال الشوارع[/c]وكشفت الدراسة بان إجمالي عدد أطفال الشوارع في اليمن وهو اقرب إلى واقع المجتمع يصل إلى 30 ألف طفل شارع بالمفهوم العام لطفل الشارع . أي باعتماد مستويين من تحديد هذا المفهوم الأول طفل يعيش في الشارع ويعمل به والشارع كل عالمه والثاني طفل يعيش ويعمل في الشارع بعض الوقت وجزءا من اليوم فقط ويعود إلى أسرته ليلا . مؤكدة أن ثلث عدد أطفال الشوارع المشار إليه هم من الأطفال الذين يعيشون ويعملون بشكل دائم في الشارع وهم منفصلون عن عائلاتهم.ولفتت الدراسة إلى أن الأطفال في المجتمع اليمني كما هو الحال في كثير من دول العالم يتواجدون في الشارع بفعل محددات وعوامل اجتماعية واقتصادية وثقافية كثيرة، كما أن هناك ترابطاً قوياً بين مشكلة أطفال الشوارع والمشكلات التي يعاني منها المجتمع في أوقات وظروف تاريخية اجتماعية معينة، فالمجتمعات التي تعاني من الفقر والبطالة بين السكان، وارتفاع الأمية، والهجرات الداخلية العشوائية والأزمات الأسرية يزداد فيها إهمال الأطفال ويتكاثر وجودهم في الشارع، والطفل عادة هو الحلقة الضعيفة في ظل هذه الظروف والمحددات.[c1]أسباب تنامي الظاهرة[/c] ولفتت الدراسة إلى أنه وبمراجعة بعض الأدبيات والدراسات السابقة في مجال أطفال الشوارع أو أطفال التسول، وعمالة الأطفال وغيرها وجد أنها قد اتفقت إلى حد كبير على المحددات والعوامل أو الأسباب التي تقود إلى تواجد الطفل في الشارع في ظروف غير طبيعية وغير عادلة، كما تقود إلى تنامي الظاهرة. وأبرز هذه المحددات أو العوامل هي العوامل الاقتصادية والمتمثلة في: الفقر وفقر الأسرة بالتحديد ، و البطالة ، وعدم كفاية المشاريع الاقتصادية. وأيضا العوامل الاجتماعية- والثقافية والمتمثلة في : التفكك الأسري ، والطلاق ، والعنف الأسري ، واليتم ، والتسرب من التعليم ، والأمية ، وارتفاع الخصوبة بين الفئات الفقيرة. وأشارت الدراسة إلى أنه مع وضوح هذه الأسباب في تزايد حجم أطفال الشوارع في كثير من المجتمعات بما فيها مجتمعنا اليمني، هناك من يرى أن أطفال الشوارع هي من أعراض حالة الأنانية المنتشرة، وعدم التحسس لحاجات الآخرين وتلاشي روح الجماعة، كما ينظر إلى مشكلة أطفال الشوارع بأنها ليست مسألة أحداث، يتامى، أو انحرفوا بل هي علة تمتد إلى أعماق المواقف المجتمعية والسياسات الحكومية. الأمر الذي يؤكد على ضرورة سيادة روح التضامن الاجتماعي في مجتمعاتنا. [c1]دور المجتمع المدني[/c]وأكدت الدراسة أهمية وتعاظم دور المجتمع المدني في المشاريع الخيرية والإنمائية وبروز دور الدول والحكومات في رسم السياسات وتبني البرامج والخطط الإنمائية التي من شأنها أن تسهم في تحجيم مشكلة أطفال الشوارع وغيرها من المشكلات المتعلقة بالطفولة وحمايتها.وذكرت الدراسة أن البعض يعتقد أن طفل الشارع هو مشروع لمجرم خطير في المستقبل وبالتالي فإنهم يمثلون خطراً كبيراً على المجتمع حيث يعمل عدد منهم في السرقة والأعمال غير القانونية.[c1]أطفال الشوارع في اليمن[/c]وأظهرت نتائج الدراسة أن غالبية أطفال الشوارع في اليمن هم من المتسربين من التعليم الأساسي وتبقى العوامل الاقتصادية هي السبب الأساسي في تسربهم من التعليم والدفع بهم إلى الشارع . ثم تأتى الأسباب الأخرى مثل العنف الأسري والصراعات بين الأبوين وتفكك الأسرة والفشل الدراسي وتقليد الأصدقاء، و كلها عوامل تدفع الأطفال إلى الشارع ليس من بينها الرغبة الشخصية للطفل .وبينت نتائج الدراسة أن حجم الإناث من أطفال الشوارع يصل إلى 15,1 % من إجمالي حجم العينة مقابل 84,9 % من الذكور .كما أظهرت نتائج الدراسة أن غالبية أطفال الشوارع لا يزال آباؤهم وأمهاتهم على قيد الحياة بنسبة تصل إلى 90,5 % من عينة الدراسة في حين أن 9,5 % أباؤهم وأمهاتهم متوفون . وأوضحت الدراسة أن غالبية الأطفال يسكنون في بيوت غير صحية فهي مزدحمة بالأطفال وتتكون من غرفتين أو ثلاث غرف بعضها مبني من الحجر والاسمنت والأخرى من الصفيح وصندقات خشبية وعشش. وهناك أكثر من أسرة تتشارك نفس السكن.[c1]أطفال من جميع المحافظات[/c]ولفتت الدراسة إلى انه وبالرغم من أن الدراسة شملت ثماني محافظات فقد كشفت النتائج أن الأطفال الذين تمت مقابلتهم يمثلون جميع المحافظات ، فالأطفال الذين تمت مقابلتهم في مدينة عدن ليسوا جميعا من أبنائها بل هم مهاجرون إليها من محافظات تعز و اب والضالع . وفى الأمانة هاجر الأطفال إليها من ذمار وعمران وتعز والحديدة. وفي حضرموت غالبية الأطفال هم من المحافظات الشمالية ومعنى ذلك أن أطفال الشارع في ارتباطاتهم المكانية يمثلون جميع المحافظات. [c1]أسباب تواجد أطفال الشوارع[/c]وذكرت الدراسة ان أسباب تواجد أطفال الشوارع ترتبط بمحددات اجتماعية واقتصادية بل وسياسية وقانونية في آن واحد ولا يمكن اعتماد رؤية مختزلة لهذه الأسباب كأن نحصرها في الفقر أو في غياب دور الأسرة ، وبالرغم من صحتها إلا أننا هنا أمام ظاهرة معقدة تتعدد وتتنوع أسبابها وعواملها كما تتعدد وتتنوع مظاهرها وآثارها . وتعتقد الدراسة بان الفهم الدقيق لظاهرة أطفال الشوارع يستلزم بالضرورة اعتماد منظور بنائي يعكس مجمل الأبعاد والمتغيرات التي ترتبط بشكل مباشر أو غير مباشر بظاهرة أطفال الشوارع ولذا تم التركيز على السياسات الاقتصادية التي تؤثر في معيشة الناس وطبيعة النظام الاقتصادي السياسي وموقع الطفل في برامج وخطط الحكومة ثم بالعوامل الاجتماعية (الدينية، الأسرية، الثقافية) .وأوضحت الدراسة أنه ولمزيد من الفحص الواقعي لهذه الأسباب تم الاعتماد على منهج السؤال والمقابلات البؤرية مع أفراد المجتمع المحلي إضافة إلى دراسة الحالة . وأظهرت النتائج الميدانية صحة ما تم الذهاب اليه من اعتماد المنظور البنائي حيث أجاب الأطفال بتعدد الأسباب وتنوعها فهي أسباب عنف في المنزل والمدرسة وأسباب اقتصادية بما يعني ذلك من غياب الضمان الاجتماعي وعدم مساعدة الطبقات الفقيرة على تعليم أولادها. إضافة إلى أن الثقافة التقليدية السائدة في المجتمع تشرعن عمل الأطفال في الشارع وفى الحقل طالما انه يكسب المال ويساعد أسرته. وتوضح نتائج الدراسة بعض مظاهر العنف التي يتعرض لها أطفال الشوارع والتي تشمل العنف الجسدي والتوبيخ والاحتقار والتحرش الجنسي والسرقة وكلها عوامل تزيد من حالات القلق والخوف وعدم الأمان لدى هؤلاء الأطفال .[c1]المعالجة من وجهة نظر الأطفال[/c]ووفقا لنتائج الدراسة فأن أطفال الشوارع يرغبون بدور ايجابي كبير من قبل الدولة بهدف حل مشكلاتهم وتقديم كافة أساليب الرعاية اللازمة لخروجهم من هذا الواقع الكئيب .وأوردت الدراسة في نتائجها رؤية أطفال الشوارع الخاصة والتي تتضمن أساليب معالجتهم للخروج من الشارع . حيث تم التركيز على أساليب الضمان الاجتماعي حتى يتمكنوا من تلبية حاجاتهم الأساسية دون العودة إلى الشارع ثم بعد ذلك لابد من دعم استمرار تعليمهم ودعم أسرهم ماليا إضافة إلى توفير كل مستلزمات الحياة (الماء والكهرباء ، المدارس ، فرص العمل ) بل والاهتمام بقضايا عامة مثل مكافحة الفساد وهى قضية مهمة ووفقا لذلك يجب تفعيل مؤسسات الضمان الاجتماعي التي تقدم الحماية للأسر الفقيرة وللعاطلين . ومن هنا يدرك أطفال الشوارع أن وجودهم في الشارع ليس هواية منهم بل هم مجبرون على ذلك وإذا ما تغيرت ظروفهم سيتركونه .