ومــاذا بــعــد؟
وحدها محافظة أبين تدفع الثمن باهظاً .. منذ عام ونزيف الدم لم يتوقف يوماً بعد يوم تتناقل وسائل الإعلام المحلية وفضائيات العالم الأنباء المريعة عن سقوط العشرات من عباد الله في هذه الأرض المحروقة بين قتيل وجريح في حرب مجنونة تشنها الجماعات المسلحة لأنصار الشريعة التابع لتنظيم (القاعدة) على وحدات الجيش والمدن السكنية الآهلة بالسكان المسالمين أبرزها زنجبار التي اجتاحتها في الـ 27 من مايو العام الماضي 2011م وأجبرت سكانها على النزوح الجماعي ثم أجهزت على جميع المرافق والمؤسسات الخدمية ودمرت الممتلكات العامة ومنازل المواطنين الذين هربوا إلى محافظات عدن ولحج وغيرها ويعيشون ظروفاً إنسانية قاسية ومعاناة شديدة لا تنتهي وتزداد سوءاً يوماً بعد آخر فيما جعار المعقل الرئيسي للجماعات كانت قد سقطت في الـ 29 من مارس العام نفسه.فيما صارت معظم مديريات أبين تسير بلا دولة باستثناء لودر الأبية الباسلة ومودية قررت هذه الجماعات الإرهابية كسر شوكة وكبرياء المديرية العصية لودر بتنفيذ أوسع هجوم عدواني دام في الـ 9 من أبريل الماضي ورغم تمكنها في عمليتها الإجرامية الغادرة من اغتيال وجرح عدد من ضباط وجنود موقعين عسكريين للجيش تابعين للواء 111 مشاة في مدخل المدينة وجبل يسوف إلا أن التحرك السريع لشباب اللجان الشعبية وأبناء قبائل لودر ودخولهم من الساعات الأولى في خط المواجهة مع القاعدة قد أفشل خطة دخول المدينة والسيطرة عليها وتركيع هامات رجالها كما حصل في زنجبار وجعار.يقيناً إن الحرب على لودر تدخل شهرها الثاني وأبناؤها الشرفاء يتصدون ببسالة للعدوان البربري لجحافل الإرهاب ويكبدونهم خسائر فادحة ويلحقون بهم الهزائم.أبناء لودر الشرفاء قطعوا على أنفسهم العهد بالصمود والاستبسال والشهادة في سبيل حماية أرضهم الطاهرة .. ومن حسن حظهم أن معركتهم المصيرية اندلعت بعد تعيين الأخ جمال العاقل محافظاً لأبين الذي اتجه مباشرة بعد أداء القسم الدستوري إلى صميم المعركة في لودر ليشد من أزر اللجان الشعبية وأبناء القبائل وأفراد الجيش وكان لتواجده هناك أثره البالغ في توفير وسائل الدعم والإمكانيات المادية للمقاومة في لودر الأبية الباسلة.لكن الراجح أن تواجد المحافظ الجديد العاقل وإن كان ذا أهمية في المنطقة الملتهبة إلا أنه أثر سلباً على سائر أبناء المحافظة المشتتين والفراغ الذي تركه ألحق أضراراً بالغة بالمواطنين النازحين والموظفين واستحقاقاتهم وتضاعفت معاناتهم جراء استغلال بعض مدراء العموم الانتهازيين الفاسدين الفرصة لظلم عباد الله في المحافظة المنكوبة أو المخطوفة حسب تعبير طيب الذكر المحافظ السابق م. أحمد الميسري حفظه الله ورعاه.والمؤسف أنني أكتب هذه التناولة الصحفية ولم تبارحني الصدمة العنيفة من مجزرة دوفس الثالثة الدامية التي سقط فيها العشرات من جنود وضباط بين شهيد وجريح وأسير ومفقود في الهجوم الإرهابي الغادر فجر الإثنين الـ 7 من مايو الجاري على أحد المواقع العسكرية المرابطة في جبهة زنجبار وتعد هذه المجزرة هي الثالثة التي ينفذها المسلحون في غضون شهرين حيث كانت العملية الأولى في بداية شهر مارس وأسفرت عن استشهاد عدد كبير من الجنود والضباط في جبهة دوفس نفسها وأسر “73” جندياً وضابطاًَ أفرجت الجماعات عنهم الأسبوع الماضي بعد تدخل وساطات قبلية ودينية وحقوقية فيما العملية الثانية كانت في بداية شهر أبريل الماضي عندما هاجموا نقطة عسكرية في منطقة الراحة أسفرت حينها عن استشهاد “16” جندياً وهذه العمليات تأتي في ظل ضربات موجعة تلقتها عناصر (القاعدة) على يد الطيران والجيش أبرزها مقتل القيادي الأبرز في التنظيم فهد القصع مساء الأحد الماضي الـ 7 من مايو الجاري إثر غارة جوية استهدفته في منطقة رفض بمحافظة شبوة.أمام هذه الأحداث الإرهابية المتسارعة والمشهد الدموي المتفاقم في أبين الضحية فقد تفاءلت بالأمس بتحرك معالي وزير الدفاع اللواء محمد ناصر أحمد وتواجده في مدينة عدن التي وصل إليها عقب مجزرة دوفس وظهر على شاشة الفضائية اليمنية يترأس اجتماعاً موسعاً مع القيادات العسكرية والأمنية بالمنطقة الجنوبية ويأتي ذلك بعد غياب طويل لمعالي الوزير المناضل اللواء محمد ناصر أحمد عن المحافظات الجنوبية والشرقية التي كان قد تواجد فيها وبالذات عدن لأشهر للإشراف المباشر على العمليات العسكرية التي يخوضها الجيش ضد مسلحي القاعدة وتعرض لكمين غادر في النفق البحري في جولد مور بمديرية التواهي في الفترة نفسها نصبته الجماعات الإرهابية ونجا منه بأعجوبة فيما أصيب بعض مرافقيه وحينها بذل أقصى الجهود المضنية والمخلصة في قيادة المعركة على الإرهابيين لتطهير مدينة زنجبار منها .. لكن ظروف اشتداد الأزمة وانقسام الجيش حالت دون تحقيق ذلك وجاء هذه المرة بعد تحقيق أكبر النجاحات والإنجازات في المؤسسة العسكرية منها قيادته عملية رفع المتارس المسلحة من أحياء العاصمة صنعاء وإحداث نقلة هائلة من التغييرات في أبرز تشكيلات القوات المسلحة على طريق هيكلة الجيش على أسس وطنية دفاعية موحدة.والثابت أن تواجده حالياً مهم في عدن متحفزاً بالانتصارات التي أنجزها شخصياً بالعاصمة وغيرها وتطورات الحرب الضارية التي تدور رحاها في محافظة أبين من زنجبار إلى لودر وما تحقق من نجاحات ضد المسلحين الذين يشعرون بتوالي الهزائم بعد أن فقدوا المئات من عناصرهم وقياداتهم المهمة.وبالعودة إلى مآسي أبناء أبين النازحين والمهجرين من منازلهم ومناطقهم أو الذين بالمديريات فإن معاناتهم تتضاعف جراء عصابات الفساد من المسؤولين المحسوبين على المحافظة الذين استمرؤوا الظلم واختلاس حقوق الموظفين دون أن يجدوا من يردعهم مستغلين انشغال المحافظ العاقل في مجريات الحرب في لودر، وعم التلاعب والمتاجرة حتى بالمعونات الغذائية حيث اختفت هذه المرة مواد الزيت والطماطم والسكر والشاي والمعلبات واقتصرت على الدقيق والأرز غير الصالح للاستخدام الآدمي .. ضغوط الظروف المعيشة المزرية لنازحي أبين في عدن ولحج وغيرهما أدت إلى تعرض الكثير للإصابات بحالات نفسية وانتحارية وآخرهم الشاب نائف حسن بكير من نازحي منطقة المخزن بجعار الذي انتحر بالأمس شنقاً في إحدى المدارس بكريتر.