للكاتبة العراقية هدية حسين..
بيروت / رويترز :الرواية البوليسية الناجحة تبدو أمراً نادراً في العربية خاصة التي تتناول موضوع جريمة تقع وسط عالم من القتل والموت.والكاتبة العراقية هدية حسين تطل على القارئ بعمل من تلك الأعمال النادرة المشار إليها من خلال روايتها الأخيرة (أن تخاف).عندما يكون العالم عالم حروب واغتيالات وتصفيات جسدية لأسباب سياسية فمن النادر أن تجد ضابط شرطة يصر على تحقيق العدالة أو فلنقل الكشف عن جريمة تذهب ضحيتها امرأة عادية من الناس. مسرح الرواية هو العراق خلال عهد الرئيس الراحل صدام حسين.والواقع أن هذا الموضوع قد جرى تناوله في أعمال غربية من زاوية تطرحها هدية حسين أيضاً وهذه الزاوية تبرز في سؤال هو من يعرض نفسه للخطر مصرا على الكشف عن جريمة وهو يدرك أن مسؤولين سياسيين أعلى منه منزلة قد يكونون وراء الأمر خاصة عندما يصرون على أن يتخلى عن المسألة ويصطنع لها نهاية ترضيهم.جاءت الرواية في 222 صفحة متوسطة القطع وصدرت عن المؤسسة العربية للدراسات والنشر في بيروت وعمان.تكتب هدية حسين بقدرة على التشويق وبغور في أمور الحياة يجعل من روايتها عملا تتكامل فيه زوايا إنسانية وفكرية متعددة ولا يتحول إلى مجرد قصة بوليسية عادية تسير في خط واحد. أسئلتها ابعد من ذلك بكثير وأجوبتها غير عادية.إلا أنها تصدر حكما مبرما في هذا المجال وكأنها تقول انه في نظام كذاك الذي تتحدث عنه لا قيمة لأية محاولة للحفاظ على أي شكل من أشكال القانون والنظام وان أي محاولة من هذا النوع ستجعل من بطلها ضحية فتتحول حاله إلى أسوأ من حال ضحية الجريمة التي يسعى إلى حلها.ومع ذلك فالكاتبة تطرح سؤالا مهما هو (من يهتم) في ظروف من هذا النوع بالكشف عن (جريمة صغيرة) في عالم من الحروب والموت والمؤامرات؟. ويبدو أنها تريد أن تقول انه على الرغم من كل الأخطار فهناك من يهتم ولربما لأسباب مختلفة. انه ضابط التحقيق زهير مراد.والغريب في الأمر أن زهير مراد ليس شخصية من الشخصيات المثالية التي تتعلق بقيم معينة ولو كلفها الأمر حياتها. انه محقق من هذا النظام وقد اشترك في أمور عديدة في تصرف لا يعتبر مثالياً.كان أساساً يميل إلى أن يصبح كاتبا روائيا وكاتب قصص بوليسية ولكن الظروف أبعدته عن هذا السبيل وحملته إلى دائرة الشرطة. وكان له اسم ومهابة وسمعة جيدة بأنه قادر على حل أعظم الجرائم. وفي يوم من الأيام يستفزه فجأة شعور بأن عليه حل هذه الجريمة التي تحمله إلى مجالات فيها خطر أكيد عليه.تبدأ الرواية في بغداد في ليلة سادتها عواصف ترابية غطت سماء المدينة وأرضها والاقضية المجاورة لها.تقول الكاتبة (قبل أن تأخذ العاصفة مداها وحين كان ثمة رؤية خرجت أنعام عارف من بيت صديقتها فيروز السعدي... متوجهة إلى شقتها).وعند انحسار العاصفة كان مما خلفته وراءها (امرأة جميلة في الخامسة والثلاثين لقيت حتفها أمام باب شقتها بأربع طعنات نافذة وعميقة في الرقبة).قام زهير مراد بالتحقيقات وأجرى مقابلات مع فيروز السعدي صديقة الضحية.وفي عمله على حل الجريمة كان يتلقى تحريضا من المسؤول السياسي جمعة عليان الذي كان يقول له (لا تتعب نفسك في قضية أنعام عارف. سجلها ضد مجهول وخلص. نحن بحاجة إليك... لا احد يحاسبك أنها امرأة نكرة ولدي معلومات تفيد بأنها سيئة السمعة وتتردد على بيوت مشبوهة).أراد زهير مراد أن (يعرف تلك البيوت فلعل حل القضية يكمن فيها لكن جمعة عليان قال له بحسم.. لا تبحث في هذه الأمور لكي لا تتشعب القضية. اخلص منها وكفى).ما تجمع لدى زهير مراد كان يشير إلى أن المرأة شريفة محترمة هي وصديقتها وانه ليس هناك ما يؤخذ عليها إطلاقاً. والواقع أن الرجل وهو متزوج وليس من النوع اللعوب كما يبدو أحس بميل شديد إلى صديقة الضحية التي لم تبادله الشعور وان عاملته بلطف اتقاء لأي شر قد يصدر عنه.بعد كلام جمعة عليان (شيء ما غص به زهير مراد شيء مثل عظم السمك شكه خلف اللسان ولم يجادل. تسربت إليه شكوك غامضة فيما قاله جمعة عليان. شعر بالفزع كمن اكتشف بالقرب منه أفعى برأسين تحاول أن تلدغه).إلا انه استمر في تحقيقاته فتوصل إلى علاقة لجمعة عليان نفسه ببيوت مشبوهة ولما عرف المسؤول السياسي بسعيه أمره بختم القضية وتسجيلها ضد مجهول وبأن يأخذ إجازة من العمل. وقد فعل زهير مراد ذلك لكنه كان قد اكتشف أن مسؤوله السياسي كان قد سعى إلى إقامة علاقة مع الضحية فرفضت فهددها. إلا أنها استمرت في الرفض وهددت بأن ترفع القضية إلى من هو أعلى منه في الحزب الحاكم.أما الذي جرى لزهير مراد فهو انه في النهاية وجد نفسه في مستشفى للأمراض العقلية للعلاج فيه. (بعد كم من الساعات.. من النهارات.. من الليالي.. لا يدري. حين وعى فتح عينيه بصعوبة وشعر بفراغ هائل داخل رأسه كما لو أن رأسه تمدد وأصبح مثل كرة ليس فيها غير هواء أو كأن خرطوما اخترق جمجمته وسحب كل ما فيه).وبعد زمن أطلق سراح النزلاء فعاد الرجل إلى بيته وقد تحول إلى شخص آخر غير الشخص الذي كان. كانت زوجته التي انقطعت عنها أخباره ولم تعرف مكانه قد تركت البيت وذهبت إلى أهلها في تركيا.عاش لفترة وحيدا فقيرا شريداً إلى أن اختفى مدة من الزمن ليتبين انه قتل في منزله.كأن هدية حسين تقول في هذه الرواية المشوقة التي تحاكم كثيرا من أمور الحياة انه في نظام من هذا النوع لا أمل بعدالة ولا أمل بأن يستطيع البعض أن يصلح أو أن يتصرف التصرف الخير.