أزمة الأغنية اليمنية
د. زينب حزام مرحلة الستينات هي البداية الجادة والمهمة للموسيقى اليمنية التي عرفت الناس بها وشدتهم إليها ، وكان من الطبيعي أن تكون البداية الأولى لازدهار الموسيقى والأغنية اليمنية وكان شعار معظم الفنانين اليمنيين هو ( الفن للجماهير) ما أدى إلى خلق القطاع العام الذي قدم الفن الحقيقي للبسطاء وليس للموسرين فقط ، ولذلك لم يكن بالإمكان أن تسقط الأغنية في تلك المرحلة أسيرة للموقف التجاري الذي تشاهدونه اليوم أكثر نشراً للموسيقى التجارية. لقد ازدهرت الموسيقى اليمنية في الستينات من القرن الماضي - رغم بساطة الأجهزة الموسيقية في تلك الفترة- وازدهرت الأغنية الوطنية نتيجة حماس الشعراء اليمنيين في دعوتهم لتحرير الوطن من الاستعمارالبريطاني. ودفع الحماس القوي الشاعر الدكتور سعيد شيباني إلى كتابة أغنيته المشهورة (ياطير يا رمادي ) التي بعث بها من القاهرة بعد الإعلان عن الثورة اليمنية ، حيث جسدت الأغنية مشاعر الإنسان اليمني وإحساسات الغربة في المهجر بعد أن ترك وطنه بحثاً عن العيش الكريم ، هذه الأغنية ( ياطير يا رمادي ) لحنها وغناها الفنان الكبير محمد مرشد ناجي وقد حققت رواجاً وذيوعاً واسعين ..تقول الأغنية :- [c1]" بالله عليك ياطير يارمادي تفرد جناح تردني بلادي خلف البحار ماحد درى بمابي ضاع الشباب وأنا على عذابي جنيت أنا يارب طار صوابي على الشقا كتب كتابي من أربعين من السنين وأكثر وأنا هنا من قريتي مزفر قلبي قنع رضى بما تقدر لاعد شكا همه ولا تحسر [/c]وقد لعب الفنان اليمني الكبير محمد مرشد ناجي دوراً كبيراً في نشر الأغنية الوطنية والعاطفية في تلك الفترة واستمر دوره حتى اليوم وقد عرف عنه انه فنان تسري في شراينه قضية كبرى .. هي اليمن لأنه عندما يكتب لا يكتب إلا عن سيدة جميلة هي اليمن اولاً واخيراً وله مؤلفي ( أغانينا الشعبية ،والفنان اليمني القديم ومشاهيره) والفنان الكبير محمد مرشد ناجي ولد ونما وترعرع فقيراً لا يملك الوسائل والإمكانات المادية فهو منتم إلى أسرة فقيرة محدودة الدخل إلى حد جعله ينقطع عن دراسته تلقى تعليمه الابتدائي في مدرسة الحكومة في الشيخ عثمان ، وانقطع عن الدراسة في المدارس الحكومية القانونية بحكم كبر سنه ولم يستسلم رغم انه عاش فقيراً مع والده العامل في شركة المملاح فتلقى مبادئ تعليمه الثانوي على يد الشيخ صالح حسن تركي ثم واصل دراسته بالاعتماد على القراءة والاطلاع دخل معركة الحياة وقد عصرته الآلام ، وتملكته نزعة قوية لقهر الطبيعة القاسية حق أن المرشدي لا يملك الوسائل والإمكانات المادية لكنه يمتلك الموهبة الفطرية والعزيمة والإصرار والإرادة ( المتفولذة) التي جعلته يصبح - بعد تنمية الموهبة فناناً كبيراً ومؤلفاً كاتباً يحظى من خلال رؤيته النقدية التحليلية باحترام الجميع ، وقد عبر الكثيرون من كبار الأدباء والمتثقفين عن قدرة المرشدي الفنية والثقافية. ومن الأغاني الوطنية التي قدمها الفنان الكبير محمد مرشد ناجي أغنية يا بلادي للشاعر الكبير الراحل لطفي جعفر أمان رحمه الله التي تقول:- [c1]" يا بلادي يا نداءً هادراً يعصف بي يابلادي يا ثرى ابني وجدي وأبي يا كنوزاً لا تساويها كنوز الذهب اقفزي من قمة الطود لأعلى الشهب يا بلادي كلما أبصرت شمسان الأبي شاهقاً في كبرياء حرة لم تغلب صحت : يا للمجد في أسمى معاني الرتب [/c]لقد عرفنا المرشدي فناناً فأحببناه وقدرناه ونعرفه اليوم مؤلفاً فيزداد حبنا له وتقديرنا. وهو متعدد المواهب وملكته الموسيقية لا تقل عن ملكته الكتابية وقد صدر كتابه " الغناء اليمني القديم ومشاهيره" وفيه حاول أن يتطرق إلى جملة من القضايا لا سيما قضية التراث الغنائي اليمني ورموزه وأن يبسط موقفه الوحدوي ورؤيته الثاقبة للتراث الغنائي اليمني على نحو يؤكد مدى استيعابه العميق للتراث اليمني ووعيه السياسي لدور التراث في تعميق الوحدة الوطنية. موقف طبيعي وإنساني حرص الفنان اليمني على رزقه كما أننا نجد أن معظم الفنانين اليمنيين العاملين في الغناء والموسيقى عملوا في هذا المجال من اجل كسب لقمة العيش الكريمة وليس من اجل الترف. وقد كانت الشركات الاحتكارية في عدن في فترة ما قبل الاستقلال الوطني تعمل على الحفاظ على التراث الغنائي القديم ، فبقدر ما كانت تستغل جهود المطربين مقابل مبالغ زهيدة بقدر ما كانت تعمل على توثيق هذا التراث وتسجيله على اسطوانات من غير أن يكون ذلك هدفها الحقيقي نظراً لتفكيرها في الربح لاغير مثل شركة أو ديون طه فون ، جعفر فون وشركة التاج العدني لقد تحمل المطربون في عدن - التي لم يكن الغناء فيها محرماً - مسؤولية الحفاظ على التراث الغنائي القديم ونشره بشتى الطرق ولولا وجود الغناء الصنعاني في عدن وغيرها من المناطق التي لم تكن خاضعة لحكم آل حميد الدين لتلاشى ذلك التراث الذي انحدر إلينا من عصر الإمام شرف الدين ( 965هـ - 1557م ) كما جاء في ( شعر الغناء الصنعاني) للدكتور محمد عبده غانم. وفي الخمسينات من القرن الماضي قام الشاعر والفنان محمد السلامي بتسجيل أغنيته المعروفة بصوته في إذاعة عدن وعندما سمعها الفنان المطرب احمد يوسف الزبيدي أعجب بها وسجلها هو الآخر للإذاعة ونالت بصوته شهرة واسعة في داخل البلاد وخارجها. وتقول كلمات الأغنية وهي بعنوان ( ساكت ولا كلمة) شعر ولحن الفنان محمد محمود السلامي:[c1]ساكت ولا كلمة صابر ولا رحمة وبا تألم وأنا ساكت وبا تظلم وأنا ساكت النظرة بكا فيها والضحكة شكا فيها ولا قد جيت باتكلم عجم فمي ولا كلمة يا قاسي وأنا جنبك يا ناسي وأنا حبك وقلبك لامتى قاسي وانته لامتى ناسي وحبك في الحشا والروح تعبني بالسهر والنوح وأنا صابر وبا تظلم وعطفك فين والرحمة ويا سالي وأنا محروم وياهاني وأنا مظلوم أنا محروم يا ربي من الدنيا ومن حبي وليه الناس تشناني وتتهنى وتنساني وأنا صابر وباتظلم وهو ساكت وكلمة [/c]وهكذا نرى أن كل الأغاني الوطنية والعاطفية التي قدمت تحمل افكاراً جادة وليس فيها كلمات تقليدية .. بل هي أفكار تدعو إلى الأمل والترقب.. وتحمل مبادئ فنية تحترم نفسها وجمهورها.