د. يسرى مريط اختصاصية أمراض النساء والولادة تتحدث لـ 14اكتوبر :
لقاء / زكي الذبحاني :قلما سلط الإعلام الضوء على مشكلة مرضية شائعة في مجتمعنا، كداء السكر وما له من تداعيات ومساوئ على الصحة يجهلها غالبية المرضى، في حين يغلب على تناولها طابع السطحية والتهميش، ما ينعكس سلباً على حال المرضى الأشد تأثراً ذوي الوضع الحرج الحساس كحال ملازمة المرض للحمل لما يلزم من تدابير الحوامل لينأين بأنفسهن وبأحمالهن عن مرمى الخطر وتداعياته. في ثنايا هذا اللقاء الذي جمعنا بالدكتورة يسرى مريط - اختصاصية أمراض النساء والتوليد، نعرج على مشكلة السكر الملازم للحمل لما لهذا المرض من حساسية (متى خرج عن نطاق السيطرة) لا تقتصر على تأثيرها سلباً على الأم الحامل بل تصل إلى حد التأثير على مولودها المنتظر.. فإلى ما ورد في هذا اللقاء. إطلالة وتوضيح نريد أن نطل بهما على القارئ للتعرف على حقيقة مرض السكر وبالذات عند النساء الحوامل؟ ومدى ما يشكله من خطورة على صحتهن.داء السكر مرض يصيب الناس رجالاً ونساء جراء فقدان أو نقص في هرمون ( الأنسولين ) الذي تنتجه خلايا في غدة البنكرياس تسمى خلايا (بيتا)، وفيه لا يتمكن الجسم من السيطرة والمحافظة على نسبة السكر في الدم ضمن المعدل الطبيعي فإذا لم يتحكم المريض بمستوى سكر الدم لديه ضمن مستواه الطبيعي يعرض نفسه لمشكلات كثيرة تؤدي بمرور الوقت إلى مضاعفات جسيمة، لاسيما على العين وشبكيتها وعلى الكلى والقلب والجهاز العصبي كاملاً، علاوة على تأثيره في زيادة تصلب الشرايين. وجهان للإصابة هل ثمة أنواع للإصابة بالسكر لدى النساء الحوامل؟ وما وجهة الاختلاف بين أنواعه إن وجدت؟ بالطبع هناك وجهان للإصابة بسكر الحمل، إما أن الحمل حدث مع وجود المرض عند الأم أصلاً أو أنه وقع أثناء فترة الحمل ( أي لازم الحمل )، وفي كلتا الحالتين يجب معالجة الحامل المصابة بداء السكر بالأنسولين حقنا، من بداية الحمل حتى وإن كانت سلفاً قبل وقوع الحمل تتعالج للسكر بالأدوية (الحبوب) المخفضة له، ولها بعد الولادة أن تعود للمعالجة بالحبوب، وهذا إذا كانت - أساساً - مصابة بالسكر قبل حدوث الحمل. أما بالنسبة للحامل التي أصيبت بمرض السكر فقط أثناء الحمل ، فلن يستمر المرض معها وإنما سينتهي بعد الولادة مباشرة، ويعود سكر الدم إلى المستوى الطبيعي. مبررات الفحص الطبي** كيف للأم المصابة بالسكر أن تكتشف الأعراض بما يحملها على الشك فتجري فحص السكر للتأكد من وجود المرض من عدمه؟ * من المقرر بدء عمل فحوصات السكر للحوامل في نهاية الشهر الخامس، بالذات للحوامل اللواتي يعانين من : زيادة كبيرة في الوزن ( السمنة ).وجود تاريخ وراثي في العائلة لمرض السكر. إصابتها بارتفاع السكر في حمل سابق. ولادة أطفال بأوزان كبيرة فوق (4 كجم). وجود توترات عصبية وانفعالية. الحمل في سن متأخرة. تعدد حالات الإسقاط، أو وفاة الطفل داخل الرحم في الأشهر الأخيرة. وعلى كل تظهر أعراض جلية أثناء الحمل تدل على وجود سكر الحمل، وعلى كل امرأة حامل التنبه إليها، وتتضمن: العطش الشديد. كثرة التبول. التعب والإجهاد السريع لأقل مجهود. كثرة الالتهابات الجرثومية أو الفطرية في المسالك البولية. إذ غالباً ما تظهر هذه الأعراض في الشهر السادس ولكن في بعض الأحيان يمكن ظهور المرض بدون أعراض، ما يعني بالضرورة عمل فحص سكر الدم عند الحامل في نهاية الشهر الخامس لاكتشاف ما إذا كانت الحامل مصابة بسكر الدم أم لا. ولأن الحمل المصحوب بمرض السكر محفوف بالمخاطر فإن تأثيراً سلبياً ليس على صحة وحياة الأم فقط، بل حتى على صحة وحياة الجنين أيضاً. صيام الحامل** قضية الصيام والمرض الذي لا يطيق صاحبه الصيام محسومة فقهيا عند علماء الشريعة الذين أجمعوا على جواز الإفطار بنص القرآن الكريم، وفي هذا الإطار يجوز للحامل أن تفطر .. ومحور السؤال هنا هل ثمة إمكانية لصيام الحامل المريضة بالسكر؟ إن المرأة الحامل يمكنها صيام شهر رمضان، وهذا - بالطبع - يتوقف على قدرتها على أداء هذه الفريضة. والشرع - كما ذكرت - قد أجاز لها الإفطار إذا لم تستطع الصيام، وبالتالي قضاء الصيام بعدد ما أفطرت من أيام في وقت لاحق بعد الولادة. كما يمكن للحامل في الأحوال العادية الاستعانة بطبيب متخصص ليقرر ما إذا كان بمقدورها الصيام أم أنه سيؤثر عليها سلباً. فالضرر هنا - إذا حدث - لن يقتصر وقوعه عليها فقط، بل سيطال حتى جنينها. بينما المصابات بداء السكر المعتمدات على الأنسولين قد يتعرضن في فترة الصيام لخطر هبوط السكر الحاد وظهور ( الأسيتون ) بالدم، لذلك لا أحبذ صيام الحامل المصابة بداء السكر مثلها مثل بعض المصابين بأمراض الكلى والمصابين بقصور في وظائف الكبد. وتظل المصابات بداء السكر عرضة لتسمم الحمل الناجم عن ارتفاع ضغط الدم، وكذا زيادة الوزن نتيجة لاحتجاز السوائل والأملاح وارتفاع نسبة الزلال في البول. وبهذا تصبح الحامل المصابة بالسكر عرضة للمضاعفات الخطيرة المترتبة على هذا المرض، من أزمات قلبية أو كلوية وغيرها من المضار الأخرى المؤثرة سلباً على صحتها. أضرار داء السكرالعجز عن السيطرة على مستوى سكر الدم عند المستوى الطبيعي وبقاؤه في حالة الارتفاع أليس له تأثيرات سلبية؟ وهل يشكل تهديداً لصحة الأم وصحة الجنين؟ هذا أمر لاشك فيه، حيث تشمل التأثيرات المترتبة عن سكر الحمل على الأم الحامل متى ظل مستوى سكر الدم مرتفعاً دون التحكم بضبطه ضمن المستوى الطبيعي: التهابات المسالك البولية. نوبات من التشنجات بسبب ارتفاع ضغط الدم. النزيف الحاد بعد الولادة نتيجة كبر حجم الرحم. استمرار المرض إلى ما بعد الولادة. الولادة عبر عملية قيصرية. في حين أن مؤشرات الخطورة على الجنين جراء تأثره بسكر الحمل : في الأشهر الأولى: يترتب على ارتفاع السكر أثناء الحمل استمرار حدوث تشوهات خلقية للجنين في القلب أو بالجهاز البولي.في الأشهر الوسطى : عندما لا تتحكم الأم الحامل بزيادة السكر وضبطه من خلال جرعات الأنسولين يزداد وزن الجنين ويبدأ جسمه بالتضخم، من ثم يعاني من انخفاض السكر في دمه ما قد يؤدي إلى وفاته داخل بطن أمه. في الأشهر الأخيرة : قد تتأثر المشيمة وأوعيتها الدموية من استمرار ارتفاع السكر وصولاً إلى مرحلة خطيرة تكون فيها المشيمة غير قادرة على تغذية الجنين بالشكل المطلوب، لأن نمو الجنين كبير فلا يكون هناك تكافؤ. ونتيجة لعدم تمكن المشيمة من أداء عملها بالشكل المطلوب، تقود هذه المشكلة إلى وفاة الجنين في الأشهر الأخيرة من الحمل أو في أي مرحلة من الحمل. أضف إلى ما سبق أنه يترتب على بقاء واستمرار سكر الدم عند مستوى مرتفع، زيادة في الماء حول الجنين، ما يزيد من احتمال الولادة المبكرة قبل الأوان. نمط الغذاء ** النظام الغذائي الذي تنصح به الحامل ألا يلزمه نمط معيشي معين للحفاظ على المستوى الطبيعي لسكر الدم أثناء الحمل؟ * بكل تأكيد، فلابد للأم الحامل من حمية غذائية صحية مع مزاولة التمارين الرياضية المعتدلة المناسبة كالمشي - مثلاً - فهما الخطوة الأولى في العلاج. كما تحتاج الحامل إلى إجراء تحاليل متكررة للدم، فإذا استمر السكر في الارتفاع لزم بالضرورة إعطاؤها حقن الأنسولين بشكل منتظم طيلة فترة الحمل، ومن ثم يعود سكر الدم بعد الولادة إلى المستوى الطبيعي، لكنها مع ذلك تظل معرضة للإصابة بالسكر في أحمالها المقبلة. قد يستمر ارتفاع السكر بعد الولادة ويتطور إلى سكري من النوع الثاني ( أي النوع غير المعتمد على الأنسولين )، وهنا يتوجب فحص السكر في الدم بعد شهر ونصف من الولادة، ثم بشكل دوري كل عام. وبالوقوف على غذاء المرأة الحامل المصابة بالسكر فإني انصحها بالمحافظة على المكونات الغذائية المتنوعة المحتوية على العناصر الغذائية اللازمة لها ولجنينها ولكن من خلال وجبات قليلة من حيث الكمية والاستعاضة عن ذلك بزيادة عدد الوجبات المتناولة، وأوكد ضرورة تقليلهن من الدهون ذات المصدر الحيواني والسكريات والحلويات وكذا النشويات. نصائح مهمة ** ما الذي تودين تقديمه من نصائح للأمهات الحوامل المريضات بالسكر حتى يتجنبن ارتفاع مستوى سكر الدم والأضرار المترتبة عليه؟ * من النصائح التي أتوجه بها للحامل المصابة بسكر الحمل، أن تحرص على الإرضاع الطبيعي عقب الولادة من الثدي، فهو يسهم في منع عودة سكر الحمل بعد الولادة، إلى جانب مراجعة الطبيب أو الطبيبة بشكل دوري لإجراء الفحص اللازم وتلقي المشورة والنصح. أما بالنسبة للمصابة بمرض السكر من قبل حدوث الحمل، فعليها إذا أرادت الحمل أن تكون بحالة صحية جيدة جداً، وسكر الدم لديها تحت السيطرة، وأن تكون بمأمن من المضاعفات ، أيضاً لابد لها من استشارة طبيبها المعالج للسكر المشرف على علاجها، فهو من يقرر إذا كان باستطاعتها الحمل أم لا. فعلى الأمهات الحوامل المصابات بالسكر أن يتوقفن عن الصيام وقضائه في أيام أخرى بعد الولادة عندما تتأمن لديهن القدرة. حيث يصعب صيام المرأة الحامل المصابة بسكر الحمل، لأنه يصعب عليها تنظيم السكر في رمضان وقد لا تستطيع ضبط الجرعة المناسبة من الأنسولين، وبالتالي من الممكن إصابتها وجنينها بالمضاعفات السالفة الذكر لسكر الحمل ولابد على الحامل المصابة بداء السكر المؤقت أن تتبع العلاج عبر : المراقبة المنزلية لمستوى السكر في الدم قبل الإفطار وبعد الوجبات بساعتين، وقد يلزم عليها عمل تحليل ما قبل النوم. الحمية الغذائية: بحيث تتألف وجباتها من ثلاث وجبات رئيسية وثلاث وجبات خفيفة، على أن تكون قليلة السكريات وقليلة الدهون. الإكثار من الماء، وتناول الفواكه مثل التفاح والبرتقال بكمية قليلة. إذا كانت الحامل بدينة ( سمينة ) يجب عليها إنقاص كمية الغذاء بحيث لا يزيد وزنها خلال فترة الحمل أكثر من ( 8 كجم ). أما الحامل المصابة بالسكر ذات الوزن المقبول فيجب إعطاؤها كمية كافية من الغذاء الصحي لتصل الزيادة في الوزن إلى (12 كيلو جراماً) كما يجب تعزيز غذائها بالفيتامينات والحديد وحمض (الفوليك). في حال عدم انتظام السكر بالحمية الغذائية تعطى المريضة جرعات مناسبة من ( الأنسولين ) قبل الإفطار وقبل العشاء، أي جرعة صباحية وأخرى ليلية موعدهما قبل الأكل. المتابعة المستمرة للأم والجنين. تحريض الولادة في الأسبوع الثامن والثلاثين تجنباً لتضخم الجنين الذي قد يستدعي إجراء عملية قيصرية. الرضاعة الطبيعية بعد الولادة مهمة جداً كي لا يعود السكر للزيادة بعد الولادة. استعمال وسيلة منع آمنة كاللولب بعد الولادة. عمل تحليل سكر الدم للأم بعد الولادة بشهر ونصف، ومن ثم بشكل دوري كل عام إذا كانت النتيجة طبيعية. مع خالص أمنياتي الطيبة للجميع بصوم مقبول وذنب مغفور، سائلة المولى عز وجل في هذا الشهر الكريم أن يبرئ الإسقام ويشفي المرضى وأن يغمرنا بواسع رحمته ويجعلنا فيه من العتقاء الأنقياء.