يبرز تنوع وثراء النحت والتصوير المصري
بقلم/ صلاح بيصار :يعد الفنان الكبير محمد رزق أحد رموز الإبداع في فن التجريد، وقد قدم بصمة خاصة في هذا الاتجاه الذي يقترب في لغته من الموسيقى. بمعنى آخر يمثل عالمه موسيقى مرئية في مقابل الموسيقى المسموعة. وقد قال عن أعماله الفنان بيكار: (تعد أعمال رزق انعكاسا لهذا الوعي الناضج والسيطرة على تقنية التصوير أسلوبا وأداء فهو يقفز قفزة جريئة متخطيا كل أبعاد التشخيصية ليستقر فوق ساحة التجريد بفرشاة بالغة اللماحية وبحس شديد الرهافة والشاعرية).وفوق كل هذا أدار محمد رزق مركز الجزيرة للفنون بقوة واقتدار منذ بداية افتتاحه عام 1998 والذي يضم متحف الخزف الإسلامي مع قاعات العرض المتغير، وهي أربع قاعات تمت تسميتها باسم أربعة من عمالقة الفن المصري الحديث من جيل الرواد والجيلين الثاني والثالث، وهم الفنانون أحمد صبري وراغب عياد والحسين فوزي وكمال خليفة.وشهد المركز طيلة فترة إشرافه عليه العديد من الفعاليات والأنشطة والعروض الفنية لفنانين مصريين وعرب وأجانب، كما شارك في عروض بينالي القاهرة. كل هذا في أعمال ارتفع مستواها من الفنون البصرية عموما بدءا من الفنون التقليدية الأصيلة إلى فنون الحداثة المختلفة من فنون الميديا والوسائط المتعددة كالفديو أرت والكمبيوتر جرافيك والأعمال الفنية المركبة. وتتواصل الأجيال، ويترك فناننا محمد رزق مركز الجزيرة ليتفرغ لفنه. وتتولى الفنانة الشابة د. إيناس حسني إدارته وذلك منذ أسابيع قليلة. وفي بداية نشاطه بعد توليها، قدمت معرضا جماعيا جاء بعنوان (رؤية فنية) شهد لها ببداية نجاحها. وشارك فيه 22 فنانا من مختلف الأجيال وارتفع مستواه كما تنوعت الأعمال من التصوير والرسم إلى النحت. ولا شك أن ماقدمه الفنان احمد نوار من تكرارية العلم المصري الذي يبدو أشبه بدرجات السلم الموسيقي مع الشكل الفضائي الذي اشتهر به أنما يمثل المعنى الحقيقي للثورة وآفاقها الجديدة رغم أن أعماله تلك سابقة على 25 يناير. وهو هنا يجعل العلم بألوانه الثلاثة من الأحمر والأبيض والأسود أيقونة للوطن ورمزا للتضحية والفداء مع الشكل الفضائي الذي يبدو في طائرات ومركبات يمثل كائنا كونيا سابحا في الفراغ يعكس للحرية والانطلاق. وتنساب شاعرية أعمال الفنان ابوبكر النواوي والتي تتوهج بالأضواء والظلال تجسد صورا من الحياة اليومية للناس من النساء والرجال وحتى الأطفال تنتمي للواقعية التعبيرية المسكونة بالمشاعر والأحاسيس. وفي إيقاع أسطوري تزدحم فيه العناصر والكائنات تطل سمكة ديناصورية ضخمة في بؤرة لوحة الفنانة أسماء الدسوقي “رسم” بالأبيض والأسود تنقلنا إلى دراما لا تنتهي بين هالات الضوء وكثافة الظلمة.ويتحول الإنسان في لوحات الفنان احمد موسى إلى كائن آخر جديد بعينين شاخصتين بين التجريد والتشخيص مع الهلال ورموز عديدة من الأقنعة والأسماك وحمامة السلام في إيقاع داكن بين الرمادة والأزرق والأحمر.وفي لوحتي الفنان محمد عبلة نطل على الناس في ميدان التحرير بكثافة شديدة من الزحام وبوسائط عديدة يسقطها الفنان على السطح التصويري مجسدا عمق الثورة وعمق الإنسان في الزمان والمكان، بألوان داكنة تعكس إيقاعا ليليا يغلب عليه الأزرق ولمسات من الأحمر الناري.ويبدو الإنسان في فراغ اللوحة عند الفنان اشرف رسلان، ضارعا صارخا وحيدا وكأنه يجسد حيرة الإنسان المعاصر بين الخوف من المجهول وغموض الحاضر المسكون بالأسرار رغم التطور الحالي وثورة العلم. وتؤكد التشكيلات النحتية الشهيرة للفنان محمد رضوان على بساطة وثراء الشكل الذي يبدو غاية في الرهافة، يستطيل في سطوح تنقل الضوء من حالة إلى حالة حين يتكسر عليها منسابا مع تنوع الشكل الذي ينثني ويسمو ويتصاعد يكاد يذوب في الضوء. ويتوحد البشر في كتلة واحدة للفنان أسامة عبدالمنعم .. ناس وناس يتفاعلون، يتحدثون في إشارات وحركات إيمائية في دنيا يسيطر فيها ثراء الخطوط بالأبيض والأسود، صورة للتواصل الإنساني وحشود تذكرنا بسحر الثورة وهديرها.وينقلنا الفنان عادل حسني إلى الزمن الجميل، (صندوق الدنيا) وأتفرج يا سلام مع أربعة أطفال وعجوز يحكي وامرأة تطل من الشباك. كل هذا في إيقاع عصري تؤكده حيوية الألوان من الأحمر الناري والأخضر البهي والأزرق البحري. هذا بالإضافة إلى لوحته التي تجسد الفرح بالثورة من تلك المراكب النيلية على خلفية من البيوت ذات الأعلام والتي تحتفل بالنصر. وينطلق إنسان الخامس والعشرين من يناير طائرا في فراغ اللوحة بالأبيض البريء للفنان رضا عبدالسلام فاردا ذراعيه وناشرا العلم معلنا الخروج من دوامات التسلط والظلم والتي تبدو بالأسود في قاع اللوحة.ونطل على رموز الفنان عماد أبوزيد أشبه بنقوش معاصرة على جدران الزمن. رموز تتكاثف وتتلاقى من كريات وأشكال دائرية ومربعة وأشرعة وبقع داكنة وأخرى مضيئة، في رصانة لونية من البنيات والأسود والبيج والرمادي.وأشبه بوسادة يرتاح عليها إنسان العصر الحديث نطل على مناظر الفنان محمد مكاوي المسكونة بشاعرية النيل والنخيل والبيوت مع الأفق البرتقالي وتتربع ايزيس تتخلل كل تلك العناصر. هنا رحيق الزمن يمتزج بروح الحاضر في لمسة شديدة العصرية. ويتوحد الإنسان مع الحصان وزغاليل الحمام في أعمال الفنان مصطفى الرزاز. عناصر تتماسك وتخرج على إطار السطح التصويري بالأبيض والأسود في همس شاعري توحي بالطمأنينة والسلام.وتظل أعمال المثال هاني فيصل بتلك الوجوه ذات اللمسة الواقعية والتي تبدو أحيانا في تحريفات تخرج على الإطار الواقعي إلى دنيا تعبيرية وأحياناً يمتزج فيها الرمز مثل منحوتته للمرأة الخارجة من الصخر فيها القوة والتحدي وفيها من روح مصر وعزيمتها، تتنوع فيها المستويات من الغائر والبارز. وتنتمي أعمال الفنانة صباح نعيم إلى دنيا الوسائط الحديثة تمتزج فيها الفوتوغرافيا والألوان مع عناصر من الزهور والورود تنثرها على السطح التصويري تجسد من خلال كل هذا عالما شديد الإنسانية، عالماً ينتمي لفن (البوب) أو الثقافة الجماهيرية، تصاوير لشخوص عادية محفوفة بهالات ذهبية، وكأنها تعطي هالة لهؤلاء الناس الذين يعيشون بيننا احتراما لرحلتهم مع الحياة وبعيدا عن الجاه والسلطان وعن الدرجات المادية الزائفة التي يصطنعها البشر للآخرين. وفي حس شديد السخرية ينقلنا الفنان مصطفى يحيى إلى دنيا تعبيرية تجسد موقعة الجمل في لوحة تحتشد بالعناصر وجمال الخطوط الانسيابية التي تتحاور فيها الشخوص والكائنات بالأبيض والأسود.كل هذا مع أعمال بليغة للفنانين: هشام نوار ومحمد الطراوي وعز الدين نجيب وناثان دوس والسيد القماش ويوسف مكاوي. تحية إلى لمسة من التنوع والثراء جسدت لروح مصر الثورة.