كاتبة تونسية تكشف (حكومة الظل)
شكري الباصومي عرفناها ناقدة مرهفة ذات ذائقة فنية، تمرست بمطالعاتها لتصدر مجموعتها القصصية الأولى (المشهد والظل) التي توجت بجائزة زبيدة بشير للإبداع الأدبي.هيام الفرشيشي ناقدة تابعت أقرب المسالك وأقومها واستفادت بشكل جيد من (مكان اللذة) في النصوص التي عالجتها وهي تكتب (المشهد والظل) بأسلوب المهيمن على النص الآسر لقارئه موحية بتجربة عميقة في الكتابة.ما يشد في نصوص هيام الفرشيشي ذلك الإغناء وشحن اللغة بطاقات شعرية وومضات تحيلك على الروح الشاعرة الكامنة فيها. إنها بداية للعبة (الظل).ومن الغلاف تبدأ اللعبة: لوحة للمصور اللبناني حسن بحسون من جريدة (الأخبار) اللبنانية يبدو فيها الظل متهاويا رافعا اليدين. شبح يستغيث أو يمارس لعبة الهرب والتخفي رافضا الإعلان عن نفسه.الغلاف لعب وظيفة انتظارية بل لعله وجه القارئ وحذره (حذار فتحة الرماد اللهيب) أو كأنه قدم نفسه: (هل يستقيم الظل والأصل أعوج؟) .ما الأصل؟ وما أصل الحكاية؟12 قصة وشخصيات مأزومة وأزمنة غامضة وأمكنة شاسعة كونية ماعدا بعض الإشارات إلى باب سويقة وحديث عن (عصفور السطح) والمدينة العربية في قصة (غياهب الوهم) حيث تصبح المدينة العربية موحشة ومصدر توتر.ولعلنا لا نبالغ إذا قلنا إن قصص (المشهد والظل) هي قصص التحليل النفسي. ويبدو أن هيام الفرشيشي مارست لعبتها المفضلة في خلط أوراق الحاضر والماضي والمتخيل بل إنها عمدت إلى (لعبة الحلم والواقع) على حد تعبير جورج طرابيشي، وحتى تحكم السيطرة على شخصياتها المرضية والمأزومة تسللت إلى عالم معجمي يراوح بين الشاعرية وتوظيف الأسطورة والتعاطي مع الأحلام وفق التصور الفرويدي.في قصص هيام الفرشيشي صراع بين الانطلاق (الحلم) والواقع، بين المشهد المأزوم والمحلوم به (الظل).مارست هيام نقدها كما شاءت في الظل. شكلت حكومة ظل تحرك الخيوط معملة المشرط دون أن تظهر في الصورة وهي تلعن هذا الزمن بصحافته العفنة وعلاقاته العاطفية الزائغة والمدينة الخادعة التي وصفتها بأنها (مجرد قضبان لسجن الأحلام )هل كتبت هيام 12 قصة أو أوهمتنا بذلك؟هل كانت شخصيات قصصها التي أعملت فيها مشرطها هي الشخصيات الفاعلة أو أن الشخصيات القادحة هي الفاعلة؟ هل كان رئيس التحرير الذي لم تذكر حتى اسمه مجرد (ظل) في قصة (المشهد والظل) التي حملت عنوان المجموعة؟هذه القصة التي تعتبر واحدة من أجمل قصص المجموعة، كشفت حقيقة (الظل) باعتباره نقيضا للامرئي المتحفز للانطلاق. إنه الجانب العفن الذي علينا أن ننتبه إليه لأن كل مظهر في نهاية المطاف ما هو إلا انعكاس لمسكوت عنه أو مخفي.إنها لعبة الدمى الصحفية في المشهد والظل كانت شاهدة و(الظل) لا بد له كي يصبح واقعا من كشف أو كشاف.هيام الفرشيشي استفادت من تعاطيها مع الصحافة طيلة سنوات لتوظف هذا المخزون. هل كانت الصحفية المخدوعة في تلك القرية تكتب ما قبض ثمنه رئيس التحرير هي هيام الفرشيشي؟ أم كانت هيام هي (الظل الكبير) الذي يتستر ويلبد كي يكشف المستور في لعبة تقص فريدة.هيام الفرشيشي أعلنت عن حضورها بقوة وبرهنت أنها (طرازة) من طراز نادر، صبر ليرتوي، ثم هضم ليقدم لنا صورة عن القاصة التونسية التي تمتلك تقنيات كتابة فريدة تميزت بها، وخاصة تلك النهاية المحبوكة التي تترك القارئ ينتظر المزيد، بل يتساءل ماذا لو كانت النهاية بشكل آخر؟ أليس القارئ هو (الظل) الكامن في مخيلة الكاتب بفرض حضوره عليه فيجعله ينوع مضامينه؟ هل كانت هيام مجرد شاهد؟إن هيام كما قال أحمد ممو في تقديمه للمجموعة: (متمكنة من أدوات التناول السردي تتناول بالعرض الوضعيات النفسية والاجتماعية التي تثير إشكالات فكرية لا تخلو من أهمية ولا يستطيع القارئ بعد أن يقرأ هذه المجموعة إلا أن يراجع ملامح العديد من شخصياتها في ذاكرته لما لها من حضور مقنع في طرح الإشكالات الفكرية والنفسية المقترنة بها).