مجاهد أحمد الشعبقامت الأمانة العامة للمجلس الوطني للسكان بالتعاون مع الجهاز المركزي للإحصاء بعمل إسقاطات سكانية لليمن حتى عام 2025م، وهذا العمل يعد من الأعمال المهمة في مجال التخطيط والمتابعة والتقييم وتلبية الاحتياجات الأساسية والخدمة للسكان وقد اعتمد على الطريقة التركيبية أي من خلال اتجاهات مكونات النمو السكاني الأساسي وبالذات اتجاهات مكونات الزيادة الطبيعية أي الولادات والوفيات باعتبار عامل الهجرة من العوامل التي يصعب قياسها في بلادنا ولا توجد بيانات يمكن الاعتماد عليها في إجراء إسقاطات وتوقعات لحجم وتركيب السكان.ولمعرفة اتجاهات مستويات الخصوبة والوفيات وتقديرها مستقبلاً لابد من الرجوع إلى تاريخ التغير من خلال بيانات التعدادات والمسوحات السكانية السابقة وفي ضوئها يتم توقع اتجاهات تطور تلك المتغيرات مستقبلاً في ظل المحيط الاقتصادي والاجتماعي والتعاون المتوقع.. وهنا نلاحظ مدى التعقيد والصعوبة في معرفة اتجاهات النمو السكاني إذا أردنا أن نحدده بمسار واحد. ولذلك يلجأ المختصون إلى استخدام عدة بدائل مستقبلية للنمو السكاني حسب اتجاهات ومستويات التغير في مكونات النمو السكاني أو الزيادة الطبيعية للسكان وتعدد البدائل بتعدد افتراضات وتقدير التغير المستقبلي لتلك المكونات.وفي حالة الإسقاطات السكانية التي تم إعدادها بناء على افتراض استمرار انخفاض تدريجي في معدل الولادات (الخصوبة) والوفيات بشكل تدريجي حتى نهاية فترة الإسقاط وهو اتجاه تاريخ عام تعيشه اليمن منذ منتصف تسعينيات القرن الماضي في ما يخص انخفاض الخصوبة وهي مرحلة مرت بها العديد من مجتمعات العالم وربما أصبح هذا الاتجاه هو السائد في الدول النامية ولكن بدرجات متفاوتة بحسب تدخل البرامج والسياسات المؤثرة في عوامل النمو السكاني. وعلى كل فقد توقعت الإسقاطات بالنسبة لليمن ثلاثة افتراضات لاتجاه الخصوبة حتى نهاية فترة الإسقاط عام 2025م أما أن تبقى في مستوى عالٍ أي انخفاض طفيف على مستوى الخصوبة في سنة الأساس البالغ 16 طفلاً لكل امرأة عام 2005م ليصل إلى 4.1 طفل لكل امرأة مع نهاية الفترة بانخفاض قدره 0.5 طفل كل خمس سنوات أو انخفاض متوسط ليصل هذا المعدل إلى 3.7 طفل/ امرأة أي بانخفاض 0.6 طفل لكل امرأة كل خمس سنوات ليصل هذا المعدل إلى 4.1 طفل لكل امرأة مع نهاية الفترة، أو انخفاض بمستوى عالٍ نسبياً وهو بمقدار 0.7 طفل/ امرأة كل خمس سنوات يصل إلى 3.3 طفل لكل امرأة مع نهاية فترة الإسقاط، وهي كما نلاحظ تقديرات متواضعة ولا تتوقع حدوث تغير كبير على ما شهده هذا التغير من انخفاض خلال الفترة السابقة منذ منتصف التسعينات من القرن الماضي حيث انخفض هذا المعدل من حوالي 7.4 طفل/ امرأة في تعداد 1994م إلى 6.1 عام 2004م أي بمعدل حوالي 0.6 طفل/امرأة كل خمس سنوات يماثل الافتراض المتوسط المعتمد في هذه الإسقاطات. أما مستوى الوفيات فقد توقعت الإسقاطات أن يكون الانخفاض بمستوى متوسط ليرتفع توقع الحياة عند الميلاد إلى 65 سنة لكلا الجنسين مع نهاية الفترة وذلك من 61.1 سنة لسنة الأساس 2005م. أي بزيادة قدرها حوالي عام واحد كل خمس سنوات وهي زيادة متواضعة جداً إذا قدرناها بزيادة توقع الحياة التي شهدها سكان اليمن خلال تعدادي 1994م و 2004م حيث ارتفع التوقع لكلا الجنسين من 57.3 سنة 1994م إلى 61.1 سنة عام 2004م أي بزيادة قدرها حوالي 3.8 سنة خلال عشر سنوات 1.9 سنة لكل خمس سنوات وهي ضعف معدل الزيادة السنوية التي قدرتها الإسقاطات للفترة القادمة تقريباً.وفي حالة البديل الثاني للوفيات توقعت الإسقاطات أن يصل توقع الحياة لكلا الجنسين إلى 70 عام بنهاية فترة الإسقاطات أي بزيادة قدرها 2.2 سنة كل خمس سنوات خلال فترة الإسقاطات وهو معدل قريب من الاتجاه التاريخي لتطور هذا المؤشر خلال الفترة 1994م - 2004م وبهذا فإن الإسقاطات لا تتوقع تغييراً كبيراً في مستويات المكونات الأساسية للزيادة الطبيعية لليمن حتى في ظل وجود سياسة وطنية للسكان والتزام أعلى بتنفيذها وهو ما عكس نفسه على استمرار النمو السكاني للبلاد في مستوى عالٍ في كل البدائل التي قدمتها الإسقاطات وكان الفارق في حجم السكان قليلاً مع نهاية فترة الإسقاطات في البدائل الستة وبين البديل الأعلى والأقل التي قدمتها لنا الإسقاطات حيث بلغ عدد سكان اليمن في حالة البديل الأعلى 35.3 مليون نسمة في حالة الوفيات المنخفضة والخصوبة المرتفعة و 33.2 مليون نسمة في حالة البديل المنخفض (توقع الحياة متوسط وخصوبة منخفضة) أي بفارق 2.3 مليون نسمة خلال فترة عشرين عاماً (2005 - 2025م).ومن حيث معدل النمو السكاني توقعت الإسقاطات أن ينخفض المعدل النمو السكاني من 3.1 % سنوياً عام 2005م إلى 1.9 سنوياً مع آخر الإسقاطات (2025م) في أحسن الأحوال وأقل البدائل أو وفيات متوسطة، خصوبة منخفضة ووفق أعلى البدائل سينخفض هذا المعدل فقط إلى 2.47 % مع عام 2025م. وفي كلا البديلين في وجهة نظري يظل النمو السكاني في مستوى عالٍ خاصة إذا قدرنا بأوضاع النمو السكاني في العديد من الدول العربية التي تعيش حالياً بين معدل نمو سكاني أقل من 1 % سنوياً في تونس وفي أقل من 2.5 % في معظم الدول العربية.إن أهم ما لفت نظري هو وفيات الأطفال الرضع حيث أن الإسقاطات توقعت أن يهبط هذا المعدل من (77) حالة وفاة لكل ألف عام 2005م إلى حوالي (42) حالة وفاة لكل ألف سنوياً في أفضل البدائل عام 2025م وهو معدل دون مستوى الطموح حيث تسعى السياسة السكانية الوصول إلى أقل من (30) حالة وفاة لكل ألف عام 2025م هذا من ناحية، ومن ناحية ثانية يعتبر معدلاً متواضعاً إذا قدرناه بما هو في معظم الدول العربية حيث يبلغ هذا المعدل حالياً 2010م في الأردن 18، الكويت 9، المغرب 28، عمان11، السعودية17، جميع الدول العربية 38 حالة وفاة لكل ألف سنوياً. والمعروف أن الأطفال في هذه السن هم أكثر الفئات السكانية تعرضاً للوفيات، وتكاليف خفض هذا المعدل ليست كبيرة فكثير من الدول خفضت هذا المعدل برفع الوعي الصحي لدى الأسرة وتوفير بعض الخدمات الصحية المقدمة للطفل والأم.وخلاصة القول إن هذه الإسقاطات تبين حجم المشكلة السكانية وتوقعاتها المستقبلية التي تعزز أنها ليست بالأمر السهل وأنها ستشكل التحدي الأهم لعملية التنمية في اليمن على الأقل خلال العقود الثلاثة القادمة، ما يتطلب مضاعفة الجهود ورفع مستوى الالتزام السياسي لمعالجة هذه المشكلة وترجمة الالتزام إلى برامج ومشاريع حقيقية تؤثر على العوامل الأساسية للنمو السكاني.وأعتقد أن الإسقاطات لو التزمت بثلاثة بدائل فقط لكانت أوضح وأسهل للمستخدمين والمخططين من البدائل الستة التي تبنتها، كما كنت أتمنى أن تتبنى بديلاً طموحاً فيه افتراض انخفاض أكبر لمعدل الوفيات وبالذات وفيات الأطفال لإمكانية حدوث ذلك بزيادة الجهد والتركيز على تحسين ظروف هذه الفئة خلال الفترة لتحقيق ما تسعى إليه السياسة السكانية.
قراءة تحليلية لنتائج الإسقاطات السكانية للجمهورية اليمنية (2005 – 2025م)
أخبار متعلقة