محمد زكريابلغت عدن أوج ازدهارها الاقتصادي في عصر الدولة الطاهرية ( 858 - 945هـ / 1454 - 1538م ) بسبب عناية واهتمام سلاطين بني طاهر بحركة ونشاط مينائها . ولقد ذكرت المراجع التاريخية أنّ السلطان عامر بن عبد الوهاب أعظم سلاطينها المتوفى سنة 923هـ / 1517م . علىالرغم من انشغاله في حروبه الشبه دائمة مع خصومه والمناوئين لحكمه ، كان يشرف بنفسه على حركة الميناء في أثناء الرياح الموسمية الجنوبية الغربية التي تهب على السواحل اليمنية . وبسبب ذلك النشاط والحركة التجارية الواسعتين التي شهدتهما ميناؤها . فقد تقاطر عليها التجار من مختلف الأجناس والبلدان من الشرق ، والغرب . وكانت سوقها المالي - إنّ صح هذا التعبير - يحتوي على النقود والعملات المختلفة والمتنوعة فعلى سبيل المثال الدينار الذهب الأشرفي المصري المملوكي ، الدوكات البندقية وهي عملة ذهبية ضربت في مدينة البندقية بإيطاليا ، والنقود الذهبية الأفلورية المعروفة عند المصريين ب- (( المشخصة )) سكت في فلورنسيا بإيطاليا. وإلى جانب العملات الأجنبية ، كان سوقها المالي يضم أيضاً النقود المحلية اليمنية كالدينار الصليحي ، الدينار الرسولي ، و الدينار ألطاهري وغيرها من الدنانير المحلية . ولم يقتصر سوقها المالي على الدينار الذهب فحسب بل كان هناك الدينار الفضي ، والدرهم الفضي ، والفلوس النحاسية . وصارت عدن في عصر الدولة الطاهرية مدينة التجارة والمال . [c1]عدن وسمعتها المالية[/c]والحقيقة قبل أنّ نبحث ونخوض في أوزان ، وعيار العملات الأجنبية والمحلية وأنواعها ، ودار ضرب النقود أو السكة في عدن ، وكيف اتسمت نقودها بالأمانة وعدم الغش في أوزانها ، وعيارها ، لكونها ، كانت مدينة التجارة والمال - كما سبق وأنّ أشرنا - ، وملتقى التجارة العالمية ، فقد حافظت دائماً على سمعتها التجارية حتى لا تهتز سمعتها التجارية أمام التجار الذين يأتون من كل مكان من الهند والسند ، وفارس ، ومصر ، وإيطاليا وغيرها من بلدان العالم ، سنسرد قصة شروق الدولة الطاهرية الذي امتد ظل حكمها على اليمن قرابة أكثر من 90عاماً .[c1]غرة شادخة[/c]قامت الدولة الطاهرية على أنقاض الدولة الرسولية التي امتد حكمها على اليمن قرابة أكثر من قرنين من الزمن ( 626 - 858هـ / 1228 1454م ) وكانت الدولة الرسولية امتداداً للدولة الأيوبية في اليمن والذي استمر حكمها فيها نحو أكثر من خمسين عاماً . وكانت الدولة الرسولية في بداية عصرها دولة مرهوبة الجانب ، تميزت عن الدول التي تعاقبت على حكم اليمن بأنها دولة كانت تتحلى بالعلم والمعرفة وذلك لكون سلاطينها وملوكها تشربوا بحب العلوم والمعارف ، وكان غالبيتهم مولعون بالثقافة . وكانت أنموذجا للحضارة الإسلامية اليمنية . وقد وصفها مؤرخنا الكبير القاضي إسماعيل بن علي الأكوع وصفاً غاية في الروعة في كتابه الرائع ( الدولة الرسولية في اليمن ) - والذي يعد أفضل ما كتب عنها - ، قائلاً : “ وكان أبرز دول اليمن الحضارية ، وأخلدها ذكراً ،وأبعدها صيتاً ، و أغزرها ثراء ، وأوسعها كرماً وإنفاقاً هي الدولة الرسولية . . . والتي يعتبر عصرها غرة شادخة في مفرق جبين اليمن في عصرها الإسلامي ، ذلك لأن عصرها كان أخصب عصور اليمن ازدهارا بالمعارف المتنوعة ، وأكثرها إشراقاً بالفنون المتعددة ، وأغزرها إنتاجاً بثمرات الأفكار اليانعة في شتى ميادين المعرفة ، وما ذلك إلاّ لأن سلاطين وملوك الدولة الرسولية ، كانوا علماء ، فاهتموا بنشر العلم في ربوع اليمن على نطاق واسع “. [c1]أفول نجمها[/c]وعندما دب الشقاق والنزاع بيت دولة بني رسول ، وجلس على كرسي السلطنة الرسولية ملوك ضعفاء ، مستهترين مما شجع الثورات والتمردات أنّ تنفجر في وجه الدولة الرسولية ، وأنّ يهتز الحكم من تحت قدميها ، و كان ذلك إيذاناً بأفول نجمها وزوال ملكها العريض في اليمن . ويقول التاريخ ، أنّ بني طاهر كسبوا ثقة سلاطين وملوك الدولة الرسولية بسبب أنهم كانوا الدرع الواقي في حروبهم ضد خصومهم ، وكلما ضعف السلاطين والملوك الرسوليين ازداد بنو طاهر قوة ونفوذاً وسلطاناً ، وصاروا لهم اليد الطولى والكلمة العليا في شئون الدولة سواء في الحرب والسلم . وفي نهاية المطاف ورث الطاهريون حكم وممتلكات دولة بني رسول ، بعد أنّ أفل نجمها ، وذهب ريحها ، وانكسرت شوكتها وبذلك وطويت صفحة من صفحات الدولة الرسولية ، لتفتح صفحة جديدة من صفحات الدولة الطاهرية التي أمتد حكمها على اليمن قرابة أكثر من تسعين عاماً . [c1]ميناء عدن والسلطان عامر[/c]بعد وفاة السلطان المنصور بن عبد الوهاب بن داود سنة ( 894هـ / 1489م) تولى من بعده ابنه السلطان عامر بن عبد الوهاب مقاليد الحكم . و كان السلطان عامر في بداية حكمه ، مشغولاً في تثبيت وترسيخ أقدام مملكته الجديدة حيث انفجرت الكثير من التمردات والثورات في وجه سلطته. وكان ذلك شيئاً طبيعياً ، عندما كان يتولى الحكم حاكماً جديداً في اليمن , ولكنه استطاع ذلك الملك الشاب عامر أنّ يطفئ نار تلك التمردات والثورات والقلاقل بحزم وشجاعة بل إنه لم يكتف بإخماد تلك الاضطرابات بل وسع من رقعة مملكته ،. وكان السلطان عامر كثير الاهتمام والعناية بميناء عدن لكونها كانت تضخ الأحمر ، والأبيض أي الذهب والفضة و الأموال الطائلة في خزانة الدولة .. وكان السلطان الملك عامر يمكث ويستقر في عدن في أثناء الرياح الموسمية الجنوبية الغربية التي كانت تهب على عدن - كما قلنا سابقاً - ليراقب حركة قوافل السفن التجارية المتجه صوب الهند . وعلى أية حال ، كان سلاطين وملوك الطاهريين بصورة عامة يعتنوا اعتناءاً كبيراً بميناء عدن - كما أسلفنا - وانعكس ذلك على تنشيط حركة الميناء . ومن جراء ذلك طرق التجار من مختلف الأقطار من الهند ، السند ، الصين ، مصر ، وأوربا وتحديداً من مدينتي البندقية وفلورنسا بإيطاليا أبواب عدن . ومن جراء ذلك ضخت الكثير من العملات الأجنبية المختلفة والمتنوعة في دكاكين الصرافة . “ و كانت المعاملات المالية والتداول النقدي تتم في عدن ، وكانت حوانيت الصرافة تقوم بما بقوم به البنوك والشركات المالية في أيامنا ، والفرق بين عمل حوانيت الصرافة في ذلك العصر ، وعمل البنوك والشركات المالية هو الفرق بين التعامل بالنقود المعدنية في الماضي وبين النقود الورقية في عصرنا “ .[c1]عدن والحصار البرتغالي[/c]والحقيقة من ينظر من أول وهلة إلى الأوضاع السياسية التي عاشتها الدولة الطاهرية المعقدة والصعبة من جراء الحصار البرتغالي للسواحل اليمنية ، ومحاولتها الفاشلة في غزو عدن سنة 919 هـ / 1513م . ونزول المماليك الغورية المصرية إلى زبيد وبعض المدن التهامية المجاورة لها ، والحروب القاسية التي خاضتها الدولة مع خصومها ، سيظن أنّ الكساد التجاري قد لحق بمدينة عدن ومينائها ، ولكن تلك القراءة التاريخية مخادعة للحقيقة ، فإنّ تلك الأوضاع السياسية لم تؤثر على حركة النشاط في ميناء عدن ودليل ذلك أنّ البوكيرك قائد الحملة البرتغالية على عدن ، عندما فشلت محاولته في احتلال عدن . فقد قام بقصف شديد بمدافعه الفتاكة لمينائها ، وأحرق قرابة أكثر من 40 سفينة كانت راسية فيه . وعلى ضوء ذلك أنّ الحصار البرتغالي البحري لم يؤثر على حركتها ونشاطها التجاري علاوة على ذلك أنّ العملات والنقود الإيطالية ، والهندية ، والفارسية ، والصينية ، كانت متوفرة في حوانيت الصرافة بل إنّ عهد حكم السلطان عبد الملك بن محمد المتوفي سنة ( 933هـ / 1527م) والذي يعد من أواخر السلاطين الطاهريين والتي شهدت عهد حكمه قلاقل ، واضطرابات ، وفتن وانكماشاً سياسياً كبيراً . فقد كانت الدراهم الفضية في عهد ه أكثر وزناً من الدراهم التي ضربت في حكم السلطان عامر بن عبد الوهاب والذي كان الأخير يعد أعظم سلاطين الدولة الطاهرية . [c1]ماذا يعني ضرب السكة ؟[/c]والحقيقة أنّ الحكام المسلمين بصورة عامة أول ما يفعلوه عندما يجلسون على سرير الحكم هو ضرب السكة باسمهم ، وذكر أسماءهم فوق المنابر . وهذا دليل بأنهم منحوا الشرعية في حكم البلاد والعباد . وهذا ما أنطبق على سلاطين وملوك بني طاهر عندما تولوا سدة الحكم في اليمن . وفي هذا الصدد ، يقول الدكتور محمد صالح بلعفير : “ أولى سلاطين بني طاهر بعد قيام دولتهم اهتماماً كبيراً بضرب السكة جرياً على عادة الحكام المسلمين السابقين عليهم والمعاصرين لهم ، لكونها تعد أحد مظاهر الشرعية للحكم والسيادية للدولة ، فالدعاء للحاكم على المنابر سواء كان سلطاناً أو ملكاً أو أميراً مستقلاً ، وضرب السكة باسمه هي من ضرورات السيادية والسلطة “ . [c1]نقود الدول الغاربة[/c]أول من ضرب السكة باسمه من سلاطين بني طاهر هو السلطان ( الأول ) الظافر , وبعد فترة ضربت السكة باسم أخيه المجاهد علي “ وبعد عهد كل من الظافر والمجاهد حرص بقية السلاطين الطاهريين على ضرب النقود “ . ونستخلص من ذلك أنّ ضرب السكة في الدولة الطاهرية كان له شقين الشق الأول سياسي يتعلق بالسيادة الشرعية في حكم البلاد ، والشق الثاني اقتصادي يتعلق بالمعاملات النقدية . وعلى أية حال ، فقد حرصت الدول التي تعاقبت على حكم اليمن كالدولة الصليحية التي أقامت أول دار ضرب النقود في عدن ، والدولة الرسولية ، وأخيراً الدولة الطاهرية على ضرب السكة بأسماء سلاطينها وملوكها كمظهر من مظاهر السيادة الشرعية في حكم البلاد - كما قلنا سابقاً - . ولكن لا يفهم من هذا أنّ الدول الغاربة عن سماء اليمن السياسي ، قد أختفت نقودها من الساحة التجارية والمالية . فعلى سبيل المثال ، كان الدينار الذهب الصليحي يستخدم في المعاملات التجارية في عصر الدولة الرسولية وأيضاً في عصر الدولة الطاهرية ، كان الدينار الذهب ألرسولي يتداول في الحياة المالية والتجارية .[c1]ظهور النقود الطاهرية[/c]نستطيع أنّ نؤرخ بداية ظهور تاريخ النقود الطاهرية في عهد حكم السلطان الظافر ( الأول ) عامر ، والسلطان المجاهد ( علي ) مؤسسي الدولة الطاهرية سنة ( 858هـ / 1454م ) . وفي عصر الدولة الطاهرية “ ضرب ثلاثة أنواع من النقود هي : الدنانير الذهبية ، والدنانير الفضية ، والدراهم الفضية ، علاوة على الفلوس “ . والجدير ذكره أنّ الفلوس النحاسية تلك ، كانت متداولة في المعاملات التجارية الصغيرة أو بعبارة أخرى ، كان الناس يستخدمونها في متطلباتهم اليومية , وكانت أوسع انتشاراً بين الناس.[c1]الدينار الطاهري[/c]والحقيقة أنّ الدينار الذهب الذي ضرب في عصر الدولة الطاهرية ، كان وزنه منخفضاً بخلاف وزن الدينار الذهب المتداول في أقطار إسلامية أخرى ، ويعلل الدكتور بلعفير سبب ذلك إلى أنّ التخلف الاقتصادي لليمن بالنسبة للأقطار الإسلامية الأخرى ، فيقول : “ وبالنظر إلى التخلف الاقتصادي لليمن أحدثت أوزان محلية للنقود سواء الذهبية أو الفضية تقل كثيراً عن أوزان نظيراتها التي ضربت في أمصار وأقطار إسلامية أخرى “ . ويضيف ، قائلاً : “ وهذا النظام النقدي الخاص باليمن جر نفسه على نقود الدول التي ظهرت منذ القرن الثالث الهجري - القرن التاسع الميلادي ( يقصد الدول اليمنية ) - ، ولعل أبرز مثال على ذلك الدنانير التي ضربها الإمام الهادي إلى الحق يحيى بن الحسين مؤسس الدولة الزيدية ، وكذلك الدنانير التي ضربها الأمراء الزياديون حكام زبيد وتهامة . فقد كانت تلك الدنانير تقل عن وزن الدينار العباسي المضروب في حاضرة الدولة العباسية “ . [c1]الدينار الصليحي [/c]ويصف محمد بلعفير الدينار الذهب الذي ضرب في عصر الدولة الصليحية ، قائلاً : “وفي عصر الدولة الصليحية التي ارتبطت بعلاقات مذهبية مع مصر الفاطمية ، لم يختلف الوضع عما كان عليه من قبل ، فالدينار الصليحي الملكي ( من ضرب المكرم الأول أحمد بن علي بن محمد ) أختلف وزنه من سنة إلى أخرى “ . ويحدد بلعفير مقدار وزن الدينار الذهب الصليحي ، قائلاً : “ فأعلى وزن له يصل إلى 45و2غ . أما أخف وزن له فيبلغ 13و1غ ، وهذا يعني أنّ كل دينارين ملكيين يساويان ديناراً مصرياً فاطمياً ، على خلاف ما ذهب إليه ابن المجاور من أنّ كل أربعة دنانير ملكية تعادل ديناراً فاطمياً ، إلاّ إذا كان المقصود بالأربعة دنانير من ذوات الوزن الخفيف “ . [c1]الدينار الرسولي والدينار الفاطمي[/c]لقد ذكر الدكتور بلعفير بأنّ الدينار الذهب الصليحي أخف وزناً من الدينار الذهب الفاطمي . ويلفت انتباهنا أنّ العلاقة الصليحية الفاطمية اقتصرت فحسب على الجانب المذهبي أي روحي ، أمّا العلاقة الاقتصادية بين الصليحيين في اليمن والفاطميين بمصر ، تكاد تكون غائبة إنّّ لم تكن غائبة بالفعل ودليل ذلك أنّ الدينار الذهب الفاطمي كان في إمكانه أنّ يدعم الدينار الذهب الصليحي لمّا له من قيمة شرائية قوية . علماً أنّ الدينار الذهب الفاطمي ، كان من أقوى النقود في الشرق ، فقد كان أقوى من الدينار الذهبي العباسي المضروب في دار السكة ببغداد ، وكذلك أقوى من الدينار البيزنطي . وفي أثناء الحروب الصليبية على الشرق العربي ، كان الصليبيون يقلدون الدينار الفاطمي ويتم التعامل به في المعاملات التجارية في الشرق , ولكن كان الدينار الصليبي المعروف بالدينار الصوري نسبة إلى مدينة صور في لبنان والذي كان إمارة صليبية وقتئذ ، كان أخف زناً ، وعياره أقل جودة من الدينار الفاطمي ( المصري ) . ولذلك عمد الصليبيون على تقليد الدنانير الذهبية الفاطمية عن غيرها من الدنانير الذهبية العباسية ، والبيزنطية بسبب أرتفاع وزنها ، ونقاء عيارها . وهذا ما أكده الدكتور رأفت محمد النبراوي في كتابه ( النقود الصليبية في الشام ومصر ) ، قائلاً : “ وطبيعي أنّ يقوم الصليبيون بتقليد النقود الذهبية الفاطمية التي كانت تتميز بارتفاع وزنها ، ونقاء عيارها بعد أنّ فطنوا إلى مركز كل من الدينارين العباسي والبيزنطي اللذين كانا يعانيان في تلك الفترة من تدهور شديد . . . ولذلك قام الصليبيون بتقليد دنانير الخليفة المستنصر بالله الفاطمي ثم بعد ذلك قلدوا دنانير الخليفة الآمر بأحكام الله . وهذه النقود الصليبية المقلدة أطلق عليها في المراجع الغربية Besant Sarracenat ، وفي المصادر العربية (( الدينار الصوري )) الذي كان يبلغ وزنه حوالي ثلثي وزن الدينار الفاطمي الأصلي “ . ونستخلص من ذلك أنّ الدولتين الصليحية في اليمن والفاطمية بمصر ، كانت تتمحور علاقاتهما فحسب حول العلاقة المذهبية . وهذا ما دفع سيد مصطفى سالم أنّ ، يقول : “ أنّ النفوذ الفاطمي في اليمن في عصر الصليحيين ، كان نفوذاً روحياً أكثر منه سياسياً “ . - كما ذكرنا في السابق - . [c1]البعثات التجارية الصينية[/c]شد انتباهي إلى أنّ الدولة الرسولية التي امتد ظل حكمها في اليمن إلى نحو أكثر من القرنين من الزمان ، تصمت مصادرها عن الحديث عن الدينار الذهب إلرسولي وغيره من أنواع النقود في عصرها كالدينار الفضي ، والدرهم الفضي ، والنقود النحاسية . علماً أنّ تلك الدولة الرسولية ، كانت لها علاقات تجارية واسعة مع دول شرق آسيا كالهند ، والشرق الأقصى مع الصين . وهذا ما أكده مؤرخنا الأستاذ عبد الله محيرز بأنه في عهد السلطان الملك الناصر أحمد بن الأشرف إسماعيل المتوفي سنة ( 827 هـ / 1424م ) الذي امتد حكمه في اليمن 24 عاماً بقيام بعثتين صينيتين زارتا عدن في ظل حكمه . وزيارة أخرى قامت بها بعثة صينية في سنة ( 836 هـ / 1433م ) ، كانت في عهد السلطان الملك الظاهر بن يحيى ابن إسماعيل المتوفى سنة ( 842 هـ / 1439م ) . [c1]عدن وابن بطوطة[/c]ووصف الرحال المسلم ابن بطوطة المتوفي سنة ( 779 هـ / 1378م ) عندما زار عدن في عهد السلطان الملك الرسولي المجاهد علي بن المؤيد بن داود المتوفي سنة ( 764 هـ / 1363م ) بأن المدينة تموج بالحياة والنشاط التجاري الكبيرين ، وأنّ الكثير من التجار يتقاطرون عليها من الهند ، ومصر ، وأنه شاهد المراكب العظيمة - على حد تعبيره - القادمة من مختلف المدن والولايات الهندية ولقد شد انتباهه ثراء تجار عدن ، بقوله : “ وللتجار منهم أموال عريضة ، وربما يكون لأحدهم المركب العظيم بجميع ما فيه لا يشاركه فيه غيره لسعة ما بين يديه من الأموال “ . وعلى الرغم من النشاط والحركة التجارية في ميناء عدن في عهد سلاطين وملوك دولة بني رسول التي بلغت من العمر عتيا لم يهتم المؤرخون المعاصرين لها بتسجيل وتدوين العملات الأجنبية والنقود المحلية المتداولة فيها أو بالأحرى بنشاطها المالي على وجه الخصوص . فقد صبوا كل وجل كتاباتهم في الجانب الحضاري فيها وهو أنها كانت دولة علوم ومعارف ، وثقافة , وفنون في المقام الأول بسبب أنّ سلاطينها وملوكها ، كانوا امتداداً للدولة الأيوبية في مصر ( 564 - 648هـ / 1169 - 1250م ) والتي كانت تمور بالحياة الحضارية موراً كبيراً ، فقلد سلاطين وملوكه بني رسول ، سلاطين الدولة الأيوبية في مصر باهتمامهم بالفنون والمعارف والأفكار المتنوعة ، فنشروا العلوم والمعرفة ، والفنون في ربوع اليمن - على حسب قول مؤرخنا القاضي إسماعيل الأكوع - . وأعرب الدكتور محمد بلعفير عن دهشته وأستغرابه ، وأسفه الشديد لعدم العثور على أنواع مختلفة من النقود التي ضربت في عصر الدولة الرسولية ، فيقول : “ أمّا في عصر الدولة الرسولية ، فمما لا شك فيه أنّ السلاطين الرسوليين الذين استمر حكمهم لمّا يزيد عن قرنين من الزمان ، قاموا بضرب الدنانير الذهبية ، ومن أسف أنه على الرغم من طول زمن هذا العصر إلاّ أنّ المعروف من الدنانير الرسولية لا يتعدى دينارين : الأول من عهد المؤيد داؤد بن يوسف بن عمر ، وضرب في عدن سنة 718هـ ( 1318م ) ، والثاني من عهد ابنه المجاهد على ، وضرب بعدن سنة 739هـ ( 1339م ) . ويعقب بلعفير ، قائلا ً : “ وليس من شك في أنّ هذا العدد الضئيل جداً لا يسمح ألبته بتكوين أي تصور عن متوسط ووزن الدنانير الرسولية “ . [c1]الفلوس النحاسية[/c]يوضح لنا الدكتور محمد صالح بلعفير أنواع النقود المتداولة في عصر الدولة الطاهرية بالنسبة إلى النقود المحلية ، ونقصد بها النقود التي ضربت في عهد بني طاهر ، فكانت الدينار الذهب ، الدينار الفضي ، والدرهم الفضي وهو أخف وزناً , وأقل جودة من الدرهم الفضي إلى جانب تلك الوحدات النقدية ، الفلوس النحاسية وتلك الفئة الأخيرة من النقود تمثل أهمية كبيرة بسبب ارتباطها بالحياة المعيشية للناس . وفي هذا الصدد ، يقول بلعفير : “ يشكل الفلس الحلقة الأخيرة في سلسلة النظام النقدي للدولة الطاهرية ، ويصنع عادة من النحاس ، وهو رغم انخفاض قيمته النقدية مقارنة بالدراهم مثلاً ، إلاّ أنّ استعماله ، كان رائجاً لدوره في تسهيل عمليات البيع والشراء الصغيرة التي تخص الحاجات المعيشية للناس . . . “ . [c1]النقود الإيطالية[/c]ومن التداول النقدي الأجنبي في عدن في عصر الدولة الطاهرية ، كان الدينار الذهب الأشرفي ( المصري ) الذي يعود إلى السلطان المملوكي الأشرف سيف الدين برسباي ( 825 - 841 هـ / 1421 - 1437م ) . “ إذاً ، فالدينار الأشرفي ، كان معروفاً وقتذاك في الأسواق اليمنية ، وخاصة مدينة عدن ، ولا نستبعد أنّ يكون السوق المالي بعدن ، قد عرف التداول بالنقود الذهبية الأفلورية. . . - التي ضربت في مدينة فلورنسا الإيطالية - لخدمة الحركة التجارية وبخاصة مع التجار البنادقة - القادمين من مدينة البندقية في إيطاليا - الذين كانوا يأتون إلى عدن ويترددون على أسواقها “ . وإلى جانب العملة الإيطالية المعروفة باسم ( الأفلورية ) . كانت عملة إيطالية أخرى وهي الدوكات البندقية وهي عملة ذهبية . وكان التعامل مع تلك العملات الإيطالية ، الهندية ، الفارسية وغيرها من العملات الأجنبية بالوزن وليس بالعد - كما سبق وأنّ أشرنا - . [c1]النقود المقلدة[/c]والحقيقة لا نعلم على وجه الدقة عن النقود والعملات المقلدة من قبل الدولة الطاهرية التي ضربت في عصر الدول التي سبقتها في حكم اليمن كالدولة الصليحية أو دولة بني زريع في إمارة عدن أو الدولة الأيوبية أو الدولة الرسولية . علماً أنّ سلاطين وملوك بني طاهر استعملوا في معاملاتهم التجارية الدينار الصليحي ، والدينار ألرسولي . ومن المحتمل أنّ الدولة الطاهرية في بداية حكمها ، قد تكون استعملت الدينار الصليحي و ألرسولي بصورة واسعة في معاملاتها التجارية , وبعدها قامت بتقليدها مع تغيير في وزنها ، وعيارها ، وقطر حجمها ، وأيضاً في كتابة اسماء سلاطينها وملوكها للتأكيد على منح الدولة الطاهرية الشرعية في مقاليد حكم اليمن . ولقد ذكرنا في السابق أنّ من المظاهر السيادية للدول التي تعاقبت على حكم اليمن هي ضرب السكة باسمها إلى جانب ذكر اسماء سلاطينها وملوكها فوق المنابر . [c1]عدن ودار ضرب النقود [/c]و يتحدث التاريخ أنّ دار ضرب السكة أو النقود في عدن يعود إلى فترة حكم الدولة الصليحية ( 439 - 532 هـ / 1047 - 1137م ) . وتميزت دار الضرب بعدن بالأمانة ، وعدم الغش في سك النقود بسبب خشيتها من اهتزاز صورتها وسمعتها التجارية أمام التجار الذين يأتون إليها من كل مكان من الشرق والغرب . وفي هذا الشأن يقول بلعفير : “ ولعل مما زاد في الأهمية السياسية والاقتصادية لمدينة عدن احتفاظها بمكانتها كدار ضرب للنقود منذ أيام الدولة الصليحية ، وكانت في عصر الدولة الطاهرية إحدى ثلاث دور للضرب تسك فيه الوحدات النقدية الأساسية وقتذاك هي : الدنانير الذهبية ، والدنانير الفضة ، والدراهم الفضة ، وكذلك الفلوس ، بل إنّ أهميتها في ضرب النقود فاقت داري ضرب زبيد وتعز ، ولم يعرف عنها حدوث عمليات غش أو تغير في السكة “ . ويعلل بلعفير سبب ذلك ، قائلاً : “ لأن طبيعتها كمركز للتجارة نأى بالقائمين عليها عن أفعال كهذه ، وهو أمر إذا ما وقع أو تكرر حدوثه فإنه سيترتب عليه عزوف التجار عن قصدها ، وبالتالي التسبب في كسادها التجاري ، وضياع أهميتها الاقتصادية “ . [c1]عدن وحوانيت الصرافة[/c]والحقيقة أنّ عدن كانت في العصور الإسلامية وتحديداً في عهد الدولة الصليحية و الدولة الأيوبية والدولة الرسولية والتي هي امتداداً تاريخياً لها ، وأخيراً الدولة الطاهرية مزدهرة دائما بالحركة والنشاط والانتعاش التجاري الكبير بسبب الأمانة وعدم الغش والخداع في ضرب وسك النقود ، فانتشرت حوانيت الصرافة فيها بصورة ملفتة نظر التي صبت فيها مختلف النقود المحلية والعملات الاجنبية المتنوعة من مصر ، وإيطاليا ، والهند ، وفارس وغيرها من البلدان . وفي هذا الشأن ، يقول الدكتور محمد صالح بلعفير : “ وهكذا فقد تحولت مدينة عدن ليس فقط إلى ميناء ومرسى للسفن ومركز تجاري عالمي ، بل إلى مدينة للأعمال والمال . انتشرت في أسواقها حوانيت الصرافة التي كان لها دون شك الأثر الكبير في انتعاش التجارة وحركة التداول النقدي . فقد عرفت تلك الأسواق المعاملات المالية والتداول النقدي للعملات الوطنية وبخاصة النقود الفضية التي كانت أساس للتداول والتي وصفها ابن الديبع بأنها نقد البلد . ويمضي في حديثه : “ وكذلك التداول بعملات الأقطار الإسلامية الأخرى . . . وفضلاً عن ذلك ، فقد عرفت حوانيت الصرافة بعدن التعامل بنقود المدن الإيطالية ولا شك ، وكذلك ممالك الهند والسند وفارس وعُمان وهي أقطار ارتبطت مع مدينة عدن بعلاقات تجارية لم تبخل علينا المصادر التاريخية والجغرافية من وصفها أو الإشارة إليها “ . [c1]الهوامش : [/c]اعتمدنا في هذا الموضوع ، على دراسة الأستاذ الدكتور محمد صالح بلعفير تحت عنوان ( العملة والتداول النقدي بعدن في عصر الدولة الطاهرية ) والتي قدمت في الندوة - عدن أوضاعها السياسية والاجتماعية والأقتصادية منذ عام 856 هـ وحتى عام 1254 هـ . - والتي نظمها مركز البحوث والدراسات اليمنية بجامعة عدن للفترة من 27 حتى 28 ديسمبر 2005م. الدكتور سيد مصطفى سالم ؛ الفتح العثماني الأول لليمن 1538 - 1635م ، الطبعة الخامسة نوفمبر 1999م ، دار الأمين للطباعة والنشر والتوزيع - القاهرة - جمهورية مصر العربية - .الدكتور رأفت محمد النبراوي ؛ النقود الصليبية في الشام ومصر ، 2004م ، مكتبة القاهرة للكتاب ، - القاهرة - جمهورية مصر العربية - . القاضي إسماعيل بن علي الأكوع ؛ الدولة الرسولية في اليمن ، الطبعة الأولى 2003م ، دار جامعة عدن للطباعة والنشر - الجمهورية اليمنية - .عبد الله أحمد محيرز ؛ رحلات الصينيين الكبرى إلى البحر العربي ، 2000م . دار جامعة عدن لطباعة والنشر - الجمهورية اليمنية - . رحلة ابن بطوطة المسماة تحفة النظار في غرائب الأمصار وعجائب الأسفار ، الجزء الأول ، دار الشرق العربي ، بيروت - لبنان ، حلب - سوريا - .
|
تاريخ
تاريخ النقود في مدينة عدن
أخبار متعلقة