تمر اليمن بالمرحلة الثانية من مراحل التغير السكاني التي تتميز بزيادة سكانية سريعة بسبب انخفاض معدلات الوفيات وبقاء معدلات المواليد مرتفعة. وكلما طالت فترة بقائها في هذه المرحلة كلما زاد احتمال ضياع فرصة الاستفادة من منافع النافذة الديموجرافية ـ وهي مرحلة زمنية محددة لها دور كبير في عملية التنمية بل الأخطر هو وقوع اليمن في (الفخ الديموجرافي).فاستمرار تراجع معدلات النمو الاقتصادي إلى مادون معدلات النمو السكاني في السنوات الأخيرة ستؤثر سلباً بشكل أكبر على المستوى المعيشي لأفراد المجتمع فيقل متوسط دخل الفرد وتتسع رقعة الفقر وتنتشر البطالة وترتفع معدلات الجريمة والتفكك الاجتماعي وتنشغل الدولة بمعالجة الأزمات الطارئة الناتجة عن ذلك وتعجز عن تنفيذ خططها وإستراتيجياتها في مجال التنمية المستدامة وسينخفض مستوى وحجم الخدمات التعليمية والصحية، الأمر الذي سيعكس نفسه سلباً على تلبية حاجات السكان المتزايدة لهذه الخدمات كماً ونوعاً مسبباً ارتفاعاً لمعدلات الوفيات واستمرار ارتفاع معدلات المواليد وعودة اليمن من جديد للمرحلة الأولى من التحول السكاني منذرة بسنوات صعبة قادمة سنعيشها نحن وأبناؤنا إذا ما أستمر الوضع على ما هو عليه دون تدخل فعلي وجاد ومثابر ومتواصل حكومي أولاً ثم دولي مساعد ما لم فنحن ذاهبون إلى مستقبل مجهول غامض وخطير إذا ما تفاقمت وانتهت المشكلة بانهيار كامل لعملية التنمية مع جميع جوانبها فنسأل الله الستر والسلامة.ومن هنا تأتي أهمية دورنا كديموغرافيين نعيش هذه الحقبة الزمنية من تاريخ بلدنا بأن تعمل وبكل جهد وبجميع الوسائل والطرق المتاحة لمنع وقوع اليمن في الفخ الديموجرافي ثم العمل لتسريع مرحلة التحول السكاني الثانية التي نعيشها مع التخطيط المدروس للتهيئة وللاستفادة القصوى من فوائد النافذة الديموجرافية .. وأهم وسائلنا هي التوعية بالقضايا السكانية في وسائل الإعلام (التلفزيون، الراديو، الصحف). فالإعلام كان وسيظل من أفضل واقوى الوسائل الموجهة للسلوك والتفكير وتعبئة الرأي العام. إلا أنه من خلال متابعتنا وجدنا أن التوعية بالقضايا السكانية في وسائل الإعلام اليمنية مصابة بالعديد من الإختلالات أهمها ندرة الإنتاج وما ينتج لا يعزى غالباً إلى جوهر المسألة السكانية.الاختلال الأكبر متمثل في تدني المساحات المستغلة للتوعية السكانية في وسائل الإعلام وهو في تقديرنا كارثة إعلامية يمنية إذا نظرنا بعمق لحجم المشكلة السكانية وعواقبها على مجتمعنا، فقد أصبنا بالإحباط عند مراجعة الأرقام والبيانات لنسب التوعية السكانية والبيئية والتثقيف الصحي التي بلغت 22 % فقط من إجمالي الإرسال السنوي في القنوات التلفزيونية اليمنية والمحطات الإذاعية المحلية في عام 2006م (الجهاز المركزي للإحصاء) .تلك النسبة الضئيلة ليست مقتصرة على الإذاعة والتلفزيون بل في الصحافة المطبوعة ايضاً فقد أظهرت دراسة حديثة تدنياً كبيراً في حجم ما تخصصه الصحافة الرسمية والحزبية والأهلية لقضايا السكان في اليمن.وأعتقد أن ذلك يعود إلى قلة الكوادر المدربة المتخصصة والمؤهلة لإنتاج مادة إعلامية سكانية غزيرة إضافة إلى أن نسبة كبيرة من الإعلاميين اليمنيين يجهلون المشكلة السكانية أو ربما يتجاهلونها لعدم قناعتهم - كغيرهم من النخب اليمنية ـ بجدوى الحلول المقترحة والإلحاح عليها دون التركيز الفعلي لحل المشكلة السكانية إدارياً وتنموياً وإقتصادياً.وهنا تبرز لنا قضية مهمة مفادها أن التوعية السكانية اولاً وقبل أن نوجهها للجمهور وعامة الناس يجب أن تغرس في عقول وأدمغة النخبة من مفكرين وأدباء وشعراء وكتاب وصحفيين ومدراء وصناع قرار ورجال دين عبر دورات ومؤتمرات وندوات تثقيفية سكانية تخصص لهم وبمستواها حتى ينقلوا بعد ذلك إلى الجمهور آرائهم وأفكارهم وقناعاتهم من خلال أحاديثهم ومقالاتهم وكتبهم وقنواتهم الخاصة والعامة سواء هم ـ النخبة ـ اقتنعوا أن لم يقتنعوا بالحلول المطروحة، حتى لو أثارت كتاباتهم جدلا كبيراً في وسائل الإعلام والمجالس والمقايل فهذا صحي جداً وسيخدم الفكرة في انتشارها ومناقشتها بتعمق ومسؤولية بين أوساط النخبة والمواطنين. وفي هذا الإطار يجب أن يكون للصحافة المكتوبة دور أكبر وهي التي لا تحتاج لا لسيناريو ولا لإنتاج ولا لإخراج ولا لممثلين لعرض القضية السكانية بجوانبها المختلفة فكل ما تحتاجه مجرد أدمغة وعقول تفكر وأقلام تكتب ومقالات ترسل للصحيفة للنشر مباشرة .. ورغم ذلك يجب علينا أن نشد على أيدي المسؤولين الإعلاميين ونشجعهم على ضرورة الاستمرار بالتطور والاستفادة من الخبرات الإعلامية الأكاديمية اليمنية المتوفرة ثم اقتفاء أثر التجربة المصرية في المجال الإعلامي السكاني وهي التجربة السباقة عربياً في هذا المجال.من أهم الإختلالات ايضاً عدم الترابط والتماسك بين أجزاء ومكونات وأفكار التوعية السكانية في اليمن .. فبرامج التوعية السكانية الحالية لا تعطي اهتماماً لشرح وتفنيد أساس المشكلة السكانية وإظهارها بكل وضوح للجمهور ابتداء من المفهوم السكاني ومراحل التحول السكاني على مر العقود السابقة في اليمن مروراً بالتعريف بمصطلح الزيادة الطبيعية وأثرها الكبير على معدل النمو السكاني ومعدل النمو الاقتصادي ثم التعريف بالمفردات الفرعية للمشكلة السكانية كالنافذة الديمغرافية والفخ الديمغرافي والتعرف على آثارهما الإيجابية والسلبية على الأسرة والمجتمع اليمني وانتهاء بعرض كافة الحلول من زيادة الاستثمار الحكومي والخاص وتشغيل الشباب وتحسين وتوسيع انتشار التعليم وخدمات الصحة الإنجابية والتركيز على النوع الاجتماعي وكذلك الحد من التفاوت في توزيع الدخل والثروة .فالتوعية السكانية لدينا لا تصل إلى المواطن بهذا الوضوح الكامل والمتسلسل للمشكلة بل تصله مفككة مجزأة في برامج سكانية مكررة تركز على بعض المفردات السكانية أو تسلط الضوء على حل من الحلول السكانية دون غيرها مثل الصحة الإنجابية وتنظيم الأسرة أو تمكين المرأة حتى دون أن يوضح علاقة ذلك ارتباطه أو عزوه إلى جوهر المسألة السكانية، فالصحة الإنجابية وتنظيم الأسرة والزواج المبكر تعزى غالباً إلى أسباب طبية وتمكين المرأة يعزى إلى أسباب حقوقية وديمقراطية والأمراض المنقولة جنسياً لأسباب دينية، بينما لو ربطت هذه الأفكار والمفردات بأساس المشكلة السكانية التي يعاني منها البلد لكانت ربما أكثر إقناعاً والاستجابة أكبر.وبين مفهوم المشكلة السكانية اليمنية ومفرداتها وحلولها إعلامياً اضعف التوعية السكانية لدينا وجعلها أكثر التباساًَ وعرضة للتشكيك من قبل الناس.فمن حق المواطنين جميعاً والشباب تحديداً أن يعلموا ما يدور في بلدهم وما ينتظر أبناءهم باطلاعهم على تفاصيل صورة المستقبل المنظور بكل شفافية وعرض جميع الحلول لهم وغرس حب الوطن وفيهم من خلال حبهم لأبنائهم وأسرهم وتوعيتهم بالواجب الديني والأخلاقي وبضرورة المشاركة وبحماسة في كل هذه المشكلة جماعياً.[c1][email protected][/c]
التوعية بالقضايا السكانية في وسائل الإعلام
أخبار متعلقة