الطلاق في مجتمعنا ..هل أصبح ظاهرة تقرع أجراس الإنذار؟
استطلاع / فايزة أحمد مشورةطلقني!أنت طالق!! كلمات سهلة القول في زماننا الراهن حتى غدا وقعها مألوف على الاسماع،وكأنها بها عند البعض(تميمة سحرية) يتحلل بها قائلها من تبعات الالتزامات الأسرية والمعيشية،وكأني بها كلمة تلفظها الزوجة في لحظات ضغط وفقدان وعي تخال بها الخلاص من زوج سيئ الخلق والمعشر أو بخيل أو...إلخ.الطلاق في مجتمعنا الإسلامي هل أصبح ظاهرة تستحق أن نقرع لمخاطرها أجراس الإنذار؟هموم وتساؤلات عديدة حول هذه الظاهرة حملناها إلى كل من القاضي/سبأ الحجي الأستاذ في كلية الشريعة والقانون بجامعة صنعاء والدكتور/سالم الشوافي أستاذ الفلسفة الإسلامية بكلية الآداب بجامعة صنعاء وقد تحدثنا عن هذا الموضوع فإلى التفاصيل:[c1]* القاضي سبأ الحجي/مدرس في كلية الشريعة والقانون وقال:[/c]للأسف لا يوجد في المحاكم والجهات القضائية باحثون تستعين بهم المحاكم يقومون بحصر ودراسة الأسباب والمسببات لهذه الظاهرة الاجتماعية وعلى كل أقول أن الطلاق هو أبغض الحلال عن الله عز وجل وأنه قد شرع كآخر الأدوية على سبيل المثل القائل(آخر الدواء الكي).فالإسلام حرص على بناء المجتمع القويم السليم الذي يقوم على أساس متين من الثقة والترابط والتراحم بين افراده،وقوام المجتمع هي الأسرة التي تمثل اللبنة الأولى في بناء المجتمع فمتى كانت الأسرة قوية متماسكة كان المجتمع قوياً متماسكاً وإذا حدث في الأسرة خلاف أو شقاق كان كالشرخ في الزجاج يبدأ صغيراً ثم ما يلبث أن يتسع ويمتد حتى ينكسر الزجاج بكامله.فالطلاق هو ذلك الشرخ في لبنة المجتمع الذي قد يصيب المجتمع ويؤدي إلى انهياره،وبهذا ورغم أن الشرخ قد أباحه الإسلام كآخر المعالجات إلا أنه مع ذلك فقد حث على التريث فيه وإمعان النظر قبل اتخاذ القرار فأوجب في الطلاق السني الثابت عن الرسول صلى الله عليه وسلم أن يكون في طهر لم يمسها فيه.ومعنى ذلك أن لا يستعجل في الطلاق فور ظهور السبب الموجب له بل على المرء أن يتأنى ويمعن النظر أسبوعاً أو أسبوعين أو ثلاثة حتى تحيض وتطهر ثم إن شاء الله طلق أو أمسك فيكون قد راجع نفسه أياماً قبل اتخاذ القرار لأهمية الأسرة وخطورة مثل هذا القرار.ثم أنه بعد ذلك قيده بقيد آخر هو أن جعل للرجل على زوجته ثلاث طلقات لا غير وذلك حتى يتأنى قبل اتخاذ هذا القرار ويحسب عواقبه وإذا كان الطلاق قد كثر في مثل هذه الأيام فإنه في نظري لم يصبح ظاهرة،ومع ذلك فإن الواجب الانتباه مع جميع الأفراد لبحث أسبابه وتلافي مسبباته بإمعان النظر في ذلك نلاحظ تنوع الأسباب المؤدية إلى الطلاق ومنها: أسباب اجتماعية وأسباب ثقافية وأسباب اقتصادية.[c1] ويضيف القاضي الحجي أن أهم الأسباب الاجتماعية هي:-[/c]أولا:الزواج قبل النضج:من المعلوم شرعاً أن الصغير والصغيرة حتى ولو بلغ سن التمييز لا يمكنه إدارة أمواله إدارة كاملة بل يبقى تحت إشراف وليه أو الوصي أو القيم خشية أن يعبث بأمواله كونه لا يعي ما يفعل ولا يحسب عواقب ما يصنع حتى يبلغ رشده،إذ كان حاله كذلك فمن الغريب القول بجوار زواجه أو زواجها وهو مازال صغيراً لا يعي ما الأسرة وما حقوقها وما واجباته نحوها،ومن لا يؤمن على ماله كيف يؤمن على النفس وعلى بناء الأسرة وبناء مجتمع.ومن الغريب القول بأن الشرع قد أجاز الزواج بالصغيرة قياساً على زواج النبي صلى الله عليه وسلم بأم المؤمنين عائشة رضي الله عنها فالقياس مع الفارق للأسباب التالية:أن الرسول صلى الله عليه وسلم له خصوصياته ومنها على سبيل المثال جواز الجمع بين تسع نساء مع أنه لا يجوز لسائر المسلمين.أن الرسول صلى الله عليه وسلم أرق الناس وأكثرهم حكمة ولن يكون فلان أو علان من الناس شيئاً إذ قورن بالرسول صلى الله عليه وسلم.أن زمان الرسول صلى الله عليه وسلم غير زماننا نجد أن الطفلة تواصل التعليم في المدارس،وتخيل معي أثر ما تحكيه الطفلة التي تزوجت لزميلاتها الصغار في الصف.وأما السبب الثاني في نظري: فهو سوء التربية: التربية عامل مهم في بناء شخصية الإنسان ذكر كان أم أنثى والمفترض أن التربية في المجتمع الإسلامي تقوم على رعاية الشباب والاهتمام بتنشئتهم تنشئة سليمة وقويمة ليكون عضواً فاعلاً في المجتمع يألف ويؤلف غير أن حدوث خلل في هذه التربية يؤدي إلى بلوغ الشاب أو الشابة مشوباً بالعيوب مما يؤدي إلى عدم تمكنه من بناء أسرة وتنتهي بالطلاق.وسبب حدوث الخلل في التربية أمران:الأول / الدلال الزائد: الدلال الزائد للطفل أو الطفلة يجعل الطفل ينشأ نشأة معيبة ظاناً كل شيء ملكاً له يعبث به كيف يشاء فينشأ الطفل أو الطفلة مصاباً بعقدة الأنانية المفرطة التي تجعله ينظر إلى الطرف الآخر وكأنه سلعة ملكه يسيرها ويسخرها كيف شاء فيؤدي إلى عدم التوافق بين الطرفين ومن ثم الفراق.والثاني على عكس الأول هو الإهمال الزائد: فالإهمال الزائد للطفلة أو الطفل يجعله ينشأ نشأة معيبة لا يبالي فيما يصنع ولا يراعي ما يقول وغالباً ما يحاكي السلوكيات المختلة فيبلغ وهو على تلك السلوكيات فما أن يتزوج حتى يحاول مواجهة النصف الآخر بتلك السلوكيات المشينة الأمر الذي يؤدي إلى عدم التوافق ومن ثم الفراق.[c1]وأما الأسباب الثقافية فأهمها سببان أولها الفوارق العلمية والتعليمية:[/c]فالفوارق العلمية بين الطرفين يؤدي إلى عدم انسجام الطرفين لا سيما إذا كانت المرأة قد بلغت قدراً كبيراً في التعليم والزوج محدود المستوى مما يصيبها بالغرور ويؤدي إلى قيام الخلاف بين الطرفين.والسبب الثاني:المحاكاة للقنوات الفضائية الدخيلة والتأثر بها وما أكثر الفضائيات في هذا الزمان سواء من قبل الزوج أو الزوجة،فترى أحدهما يتأثر بما يبث في تلك القنوات ويحاول انتقاد الطرف الآخر بأنه يشبه ذلك العارض أو تلك العارضة و.و..إلخ مما يؤدي إلى الخلاف بينهما.وكذا التأثر بالثقافات الغربية ومحاولة تقليدها رغم عدم اتفاقها مع ديننا ومعتقداتنا وعاداتنا مما ينتج عن ذلك خلاف بين الزوجين.بالإضافة إلى ذلك فإنه غالباً ما يؤثر قلة دخل الفرد في علاقة الزوجين ويؤدي إلى قيام نزاعات وخلافات بينهما لا سيما إذا كانت الزوجة كثيرة الطلبات،وتتأثر بإيحاءات قريباتها وتحاول تقليد جاراتها ما يثقل كاهل الزوج ويؤدي إلى التنافر بين الطرفين.وما ظهر من زيجات في هذا الزمان والتي حاول بعض الفقهاء القول بجوازها مثل زواج المسيار- وزواج الفرند- والزواج السياحي،سببها العامل الاقتصادي أولاً ثم العوامل الثقافية الأخرى والشروط والعادات المستوردة من الغرب فمن لا يتمكن من إيجاد شقة للسكن يلجأ إلى هذا النوع من الزواج،والمجتمع الذي يعاني من الظروف الاقتصادية الصعبة ينتشر فيه الزواج السياحي.وكل هذه الأنواع من الزواج تخالف القواعد الشرعية والغاية من الزواج وهي بناء الأسرة والمجتمع السليم المتماسك،وكأن القائلين بجواز هذه الأنواع لا ينظرون إلى الزواج إلا من جانب واحد هو إشباع الغرائز وقضاء النزوات،وبإمعان النظر في تلك الزيجات في الدول التي قالت بجوازها نجد أن معظمها ينتهي بالطلاق.ففي السعودية ينتهي زواج المسيار بالطلاق في(90%)من حالاته وفي البحرين وبعض محافظات اليمن ينتهي الزواج السياحي بالطلاق في(99%) من حالاته ومن تلك الزيجات في نظري هي الوجه الآخر لزواج المتعة المنهي عنه شرعاً.وعن الحلول والمعالجات المناسبة لهذه المسألة يقول القاضي الحجي أهم وسائل العلاج في نظري هي ما يلي:-1 الاهتمام بالتربية السليمة المتزنة للأطفال ذكوراً وإناثاً فينشؤون نشأة سليمة قائمة على روح المحبة والتراحم وخلق روح القناعة بينهم والبعد عن الأنانية.-2العمل على نشر العلم بين الصنفين وحثهم على بلوغ أعلى مستويات العلم قبل الزواج.-3البعد عن زواج الصغار ذكوراً وإناثاً.-4 التأكيد على عدم جواز الزيجات المبتدعة مثل زواج المسيار والفرند والسياحي ودراسة المسببات الداعية إلى ذلك والعمل على علاجها بخلق روح القناعة بقين أفراد المجتمع والبعد عن الشروط المجحفة كالشقة وغيرها ما يدفع الشباب إلى اللجوء إلى الزواج بطرق ما أنزل الله بها من سلطان.[c1]الإشتراطات الربانية للزواج[/c][c1]* أما الدكتور /سالم الشوافي فقد تحدث من جانبه وقال:[/c]قبل الحديث عن الطلاق،ينبغي الحديث أولاً عن الزواج،فإذا كان الزواج قائماً وفقاً للشروط والقواعد التي وضعها الإسلام،فسيكون من ثماره المودة والمحبة،والخلل في مسألة الطلاق يعود إلى عدم تحكيم تلك الاشتراطات الربانية التي جعلها الله على لسان نبيه الخاتم صلوات الله عليه وعلى آله ولا أظن أن أحداً من المسلمين لم يسمع بحديث المصطفى (تنكح المرأة لأربع لمالها ولجمالها ولحسبها ولدينها فاظفر بالذات الدين تربت يداك).وأضاف بأن المتتبع لوقائع حالات الطلاق في نطاق المجتمعات الضيقة والمحدودة كالقرى والحارات الصغيرة وهي مجتمعات لا تختفي منها الوقائع ومسبباتها لا يحدث فيها الطلاق فجأة بل يكون له مقدمات وجرت محاولة إصلاح وتقريب بين الزوجين للإبقاء على رباط الزوجية ومنع الأسرة من التفكك غير أن المتتبع لحالات الطلاق في محيطه الضيق،يجد القاسم المشترك فيها جميعاً هو التساهل في شروط الاختيار وفقاً لقواعد الإسلام في الاختيار.وكل ما يمكن أن يكون سبباً آخر،مثل المسألة الاقتصادية والإطماع والبخل،والخلافات الأسرية الضاغطة على الزوج أو الزوجة وغير ذلك من الأسباب والمسببات التي تتعدد بتعدد حالات الطلاق وهي على تعددها تعود إلى غياب الفهم والتربية على أساس المنهج القرآني والهدي النبوي في بناء الأسرة،نواة المجتمع والأمة الإسلامية التي قال فيها الحق سبحانه وتعالى(كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله).