منبر التراث
محمد زكرياوخرجت عدن عن بكرة أبيهافي صباح ذات يوم من شتاء عام ( 1337هـ / 1920م ) خرج أهل عدن عن بكرة أبيها لتستقبل الزعيم المصري الكبير سعد زغلول قائد ثورة 1919 م الذي فجر في وجه الإمبراطورية البريطانية في مصر أعظم ثورة شهدها المصريين بل والبلدان العربية والإسلامية وسرى نارها في طول وعرض وارتفاع قراها ومدنها وفي تلك الثورة الرائعة وقف كل المصريين بمختلف فئاتهم الاجتماعية , وتنوع مشاربهم السياسية , وتباين أديانهم وراء الزعيم سعد زغلول الذي طلب لمصروالمصريين بعد الحرب العالمية الأولى ( 1914 ــ 1918م ) بالاستقلال التام عن التاج البريطاني . وكان في ذلك الوقت المندوب السامي والحاكم الفعلي لمصر هو اللورد كرومر والذي قبض على البلاد بيد من حديد . مما أدى أن ينفى سعد زغلول هو ورفاقه إلى جزيرة سيشيل الواقعة في المحيط الهندي . وكان من الطبيعي أن تمر السفينة التي على متنها الزعيم المصري سعد زغلول هو ورفاقه المتجه نحو جزيرة سيشيل على ميناء عدن الذي يطل على الطريق البحري بين السويس والهند.القبائل تزحف على عدن والحقيقة أن أخبار السفينة التي على متنها الزعيم المصري سعد زغلول ورفاقه التي ستتوقف في عدن , ترامت إلى أسماع أهل عدن ولحج. وقيل أن الكثير من القبائل التابعة للسلطنة الفضلية ( أبين ) . وفي لحج خرج الكثير من أمراء العبادل وكان سلطانها ــ وقتئذ ـــ السلطان عبد الكريم فضل بن علي ( الثاني) المتوفى سنة ( 1365 هـ / 1947 م ) فزحفوا على عدن وذلك لتستقبل الزعيم المصري سعد زغلول الذي سيمكث يوم وليلة في عدن , وعلى وجه التحديد في جبل حديد التي سترسو سفينته أمام الجبل . وبعدها تبحر إلى جزيرة سيشيل منفى الزعيم سعد زغلول ورفاقه . مقترح والحقيقة أنه بمجرد انتشار خبر مجيء سعد زغلول إلى عدن , وأنه من المتوقع وصول سفينته في غضون يومين حتى أستعد الناس جميعا وقيل أن الناس كانوا في عيدا . فقد لبس الصغار ، والشباب ، والكهول ملابس جديدة . وقيل أن الطوائف الصوفية على تباين طرقها استعدت استعدادا كبيرا لتكون في مقدمة المستقبلين والترحيب به وبرفاقه. ويقال أن أصحاب الطبول ، والمزامير توجهوا إلى جبل حديد , وأخذوا بين الحين والأخرى في قرع الطبول , ويغنون الأهازيج التي تتحدث عن الشجاعة ، والقوة ، والبطولة . وكانت الأهازيج يتردد صداها في جبل حديد . وخرجت ــ أيضا ــ الكثير من القبائل والتي ذكرناها من قبل ومعها الكباش لتذبحها عند وصول سعد زغلول ورفاقه المنفيين إلى جزيرة . وظن الكثير من وجهاء عدن ، أنه في أمكان استضافة الزعيم سعد زغلول في بيوتهم لأن ذلك يعد شرفا كبيرا لهم , وسيكون يوما تاريخيا في حياتهم.في مدرسة أبناء سلاطين لحج وفي الواقع أن السلطات البريطانية في عدن . قد أعدت لذلك الحدث الهام عدته . فإنها قررت أن ينزل سعد زغلول في مدرسة أبناء سلاطين لحج المتربعة قمة جبل حديد من ناحية وألا تسمح له بمغادرة ذلك المكان إلى داخل عدن من ناحية أخرى. ولكنها سمحت لوجهاء عدن بمقابلته ـــ وكذلك ـــ سمحت للناس أن يرحبوا به عند سفح الجبل. عندما ظهر سعد زغلولوعندما وصلت السفينة البريطانية وعلى متنها سعد زغلول ورفاقه ورست بميناء جبل حديد حتى ارتفعت الأصوات إلى عنان السماء ، وامتلأ الغبار كل مكان من جبل الحديد وذلك من جراء تسابق الناس إلى رؤية ذلك الزعيم البطل الذي دوخ الإمبراطورية البريطانية وجعل أرض مصر تميد من تحتها . وذبحت الذبائح ، وأنشد الصوفية الأغاني الدينية ، وقرعت الطبول , ونفخت المزامير ، وأخذ الراقصين يرقصون على إيقاعها . وابتسم سعد زغلولوقيل أن الزعيم المصري سعد زغلول ورفاقه ارتسمت على وجوهم الرصينة ابتسامة مشرقة لما شاهدوه من تلك الحفاوة الكبيرة من أهالي عدن , والقبائل التي زحفت من الداخل ( سلطنة الفضلي , وسلطنة لحج ) . وقيل أن سعد زغلول استقبل في مدرسة أبناء السلاطين الكثير من وجهاء عدن . ودار حديث بينه وبينهم عن الثورة التي اندلعت في وجه البريطانيين في مصر . وأستمر الناس ينشدون و يقرعون الطبول ، ويعدون الطعام حتى وقت متأخر من الليل . وفي صباح اليوم التالي غادر الزعيم المصري سعد زغلول هو ورفاقه عدن متوجهين إلى جزيرة سيشيل . مقترحوخلاصة القول ، أن جبل حديد يمثل في الواقع حدثا تاريخيا هاما في حياة عدن وأهلها بصفة خاصة واليمن بصفة عامة ولذلك نقترح على الجمعية اليمنية للتاريخ والآثار في عدن بالتنسيق مع محافظة عدن أن تضع نصبا أو متحفا في سفح جبل حديد يبين فيه زيارة الزعيم المصري سعد زغلول مفجر ثورة 1919 م التي زلزلت أركان الإمبراطورية البريطانية التي لم تغيب عنها الشمس ــ وقتئذ ـــ زلزالا شديدا . ويجب إلا يقتصر عمل الجمعية على حماية الآثار والمعالم التاريخية والطبيعية في عدن فحسب بل عليها أعادت المواقع الأثرية و التاريخية الهامة والعظيمة مرة أخرى إلى سطح الحياة . والشيء بالشيء يذكر ـــ قلنا سابقا أن مدرسة أبناء سلاطين لحج تتربع قمة جبل حديد. ولقد أهملت تلك المدرسة إهمالا كبيرا حيث لم تمتد لها يد الصيانة والترميم منذ الاستقلال بالرغم أنها تمثل معلم هام من معالم تاريخ عدن . والحقيقة الذي أصابنا بالذعر والخوف عندما رأينا بالقرب من تلك المدرسة التاريخية الحفارات تحفر بالقرب منها مما سيسبب عواقب وخيمة للمدرسة المتآكلة أصلا بفعل غوائل الزمان , والإهمال وبفعل الاهتزاز التي تحدثها تلك الحفارات . وبناء عليه نرى من محافظة عدن وقف تلك الحفريات التي تزيد من تصدع مدرسة أبناء سلاطين لحج. فعلينا الإسراع بترميمها وصيانتها وأعادت الحياة والحيوية لها ونجعلها متحفا تاريخيا يروي قصة تاريخ المدرسة , وما أحاطتها من أوضاع سياسية واجتماعية . فهل نستطيع تحقيق ذلك المقترح ؟ .