أبو ظبي - دولة الإمارات العربية المتحدة - علي الصباحي: أجريت مؤخراً في مدينة الشيخ خليفة الطبية بإدارة كليفلاند كلينيك جراحة معقدة باستخدام الأشعة السينية التداخلية بنجاح لمريضة تبلغ من العمر 20 عاماً تعاني من متلازمة بود-كياري (انسداد وريدي في الكبد). فبعد سفرها إلى سنغافورة لتلقي علاجٍ مستعجلٍ، عادت المريضة إلى أبوظبي حيث تقيم، وراجعت مستشفى المفرق لمعاناتها جراء المرض. وبعد استقرار حالتها وتشخيصها تشخيصاً صحيحاً في المستشفى، قام مستشفى المفرق بتحويلها إلى مدينة الشيخ خليفة الطبية لحاجتها لإجراء جراحة معقدة أنقذت حياتها. ومن الجدير بالذكر أن كلاً من مدينة الشيخ خليفة الطبية ومستشفى المفرق هما جزء من منشآت شركة أبوظبي للخدمات الصحية «صحة» المسؤولة عن كافة الأنشطة العلاجية في المستشفيات والعيادات الحكومية في إمارة أبوظبي. وكانت المريضة،( فلسطينية،) تعاني من انسداد شديد في أوردتها الكبدية وبعض فروع الوريد البابي، وتجمع ضخم للسوائل في بطنها، وسوء التغذية، إضافة إلى اليرقان، وقد سافرت إلى سنغافورة لإجراء جراحة معقدة تسمى وصل الدورة الدموية البابية داخل الكبد عبر الوريد الوداجي (وريد العنق)، حيث تُصنع قناة صناعية في الكبد باستخدام أوعية دموية تؤخذ من المريض نفسه، ويجري مثل هذه العمليات أختصاصي أشعة تداخلية تلقى تدريباً مكثفاً، ويستخدم فيها التصوير بالأشعة الفلورية وأنبوب قسطرة وإبرة تمر في منطقة الانسداد في الكبد عبر الوريد الوداجي (وريد العنق).خلال هذه الجراحة يصل الطبيب وريداً ذا ضغط عالٍ في الكبد (الوريد البابي) بالدورة الدموية الجهازية (الصغرى) للأوردة ذات الضغط المنخفض وبذلك يحرر الضغط من الأوردة البطنية. وبإنشاء هذه «الوصلة» تقل كمية كبيرة من الضغط على خلايا الكبد، وتختفي دوالي الأوردة المتضخمة، وهي عبارة عن تجمع لأوردة منتفخة تشبه دوالي الساقين إلا أنها توجد داخل البطن وفي المريء، وتبدأ السوائل المتجمعة داخل تجويف البطن بالتقلص. لذلك يزول خطر حدوث نزيف معدي معوي مميت، وتحسن في أعراض انتفاخ البطن، وتحسن عام في حالة المريض بتحسن وظائف الكبد.راجعت المريضة في البداية مركزاً طبياً متطوراً في سنغافورة، لكن للأسف لم يكن الأطباء هناك قادرين على وضع الوصلة، وقد اعتبرت العملية معقدة للغاية لوجود تخثر في الوريد البابي أو انسداد في الوريد بسبب تخثر الدم. وبدلاً من ذلك، تم تصريف السوائل من البطن بطريقة قديمة تعتمد على وضع أنبوب عبر المريء يصرف السوائل إلى الوريد الأجوف العلوي مباشرة إلى القلب.بعدها عادت المريضة إلى منزلها في أبوظبي، وراجعت مستشفى المفرق أحد منشآت (صحة )والذي تقطن بالقرب منه، وقد اكتشف الأطباء هنالك أن تخثراً تكوّن حول أنبوب التفريغ وتحرك إلى الأوردة الرئوية مهدداً حياتها. وسد هذا واحداً من الأفرع الصغيرة للأوردة الرئوية التي تغذي الرئتين مسبباً ضيقاً في التنفس. وبعد استقرار حالة المريضة في مستشفى المفرق تم تحويلها إلى مدينة الشيخ خليفة الطبية لإجراء جراحة وصل الدورة الدموية البابية داخل الكبد عبر الوريد الوداجي، حيث تعتبر مدينة الشيخ خليفة الطبية المركز الرئيسي لإجراء مثل هذه الجراحة في الدولة.وفي المدينة الطبية، قام الدكتور محمد الزعابي، استشاري نقل وزراعة الكبد بإدخال المريضة إلى المستشفى وإعادة تقييم حالتها الصحية، وبعد عدة تحاليل طبية قرر الأطباء إجراء جراحة وصل الدورة الدموية البابية داخل الكبد عبر الوريد الوداجي لمعرفة احتمالية تكون خثرات وريدية، ولإزالة أنبوب التصريف القديم، وبعدها البدء بإعطاء دواء فعّال لتمييع الدم قبل السماح لها بالخروج من المستشفى. وقد ساهم فريق متعدد التخصصات في علاج المريضة أثناء إقامتها في المستشفى، وضم هذا الفريق أختصاصي في أمراض الكبد، وأختصاصيين أشعة تداخلية، وجراحي كبد وقنوات مرارية، وأختصاصيين في أمراض الدم، إضافة إلى عدد كبير من الأختصائيين، والأطباء المقيمين، وأختصاصيين في العناية المشددة، وممرضين، وأختصاصيين اجتماعيين، وصيادلة.قام بإجراء هذه العملية المعقدة الدكتور جمال القطيش، استشاري أشعة تداخلية في مدينة الشيخ خليفة الطبية التي استغرقت ما يقارب ساعتين ونصف الساعة، وكانت عملية وضع الوصلة معقدة للغاية لوجود التخثر في الجهاز الوريدي البابي، ولكن بفضل المهارة الفائقة والمثابرة العظيمة تمت العملية بنجاح دون مضاعفات.وصرح الدكتور محمد الزعابي، «لم تؤدِ هذه الجراحة إلى إنقاذ حياة المريضة فقط، بل ساهمت أيضاً في تحسين أسلوب حياتها بشكل عظيم. لقد استلزم إجراؤها أيادٍ ماهرة لوجود تخثر في الوريد البابي. فقد أجريت عمليات قليلة فقط في نفس هذه التعقيدات والظروف لوصل الدورة الدموية البابية داخل الكبد عبر الوريد الوداجي حول العالم. وإنني على ثقة بأننا محظوظون لوجود الدكتور جمال القطيش معنا ضمن الفريق الطبي».وقال الدكتور جمال القطيش، «لقد اختفت الدوالي الوريدية في معدة المريضة ومريئها في الحال، واستعادت عيناها الصفراوتان لونهما الأبيض، وأصبحت تأكل الطعام بشكل أفضل كما اختفت السوائل من بطنها بالتدريج. وخلال الأشهر القليلة التالية، تحسنت تغذيتها بشكل كبير حيث ازداد وزنها بمعدل 10 كلغم. وقد حضر خطيبها من غزة في فلسطين لمساندتها ورفع معنوياتها خلال هذه الفترة» .وعلق الدكتور القطيش قائلاً، «نحن في غاية الرضا برؤيتنا والديها اللذين كانا في غاية القلق والإحباط قبل إجراء العملية قد أصبحا الآن في قمة السعادة والسرور». وأضاف الدكتور القطيش قائلاً: «تمت الجراحة بنجاح دون مضاعفات من خلال جرح صغير للغاية (أقل من 5 ملم) في قاعدة عنق المريضة، وأجريت باستخدام تخدير جزئي واستغرقت ساعتين ونصف الساعة. وتتمتع المريضة الآن بصحة جيدة وتراجعنا كل فترة لإجراء فحوصات شاملة. إننا معتادون على إجراء جراحة وصل الدورة الدموية البابية داخل الكبد عبر الوريد الوداجي في المدينة الطبية لعدة حالات ومشاكل صحية للراشدين والأطفال. إن إجراء هذه الجراحة لهذه الحالة البالغة التعقيد لهو إنجاز يضاف إلى خبراتنا، وتعتبر هذه الجراحة إحدى الجراحات القليلة التي أجريت بنجاح في المنطقة».وبعد ذلك خرجت المريضة من المستشفى بعد إزالة أنبوب التصريف القديم، وتلقي الدعم الغذائي والجسدي، وبعد علاج دمها لمنع حدوث أي تخثر في المستقبل والمحافظة على تدفق الدم في الوصلة الجديدة.من جهته قال السيد كارل ستانيفر، الرئيس التنفيذي لشركة أبوظبي للخدمات الصحية - صحة، «إن التوسع المستمر والنجاح المتواصل للرعاية الطبية والجراحية هما خطوتان في غاية الأهمية نحو توفير رعاية صحية تضاهي أفضل مثيلاتها في العالم. وبوجود هذه الخدمة، فإن مدينة الشيخ خليفة الطبية قادرة على علاج المرضى الذين يعانون من متلازمة بود-كياري وفرط ضغط الدم البابي في الدولة بدلاً من إرسالهم خارج الدولة للعلاج. ونتيجة لذلك فإننا نخفف من تكبد المرضى عناء السفر للخارج والبقاء محاطين بعائلتهم ودعم المجتمع الذي يحتاجونه، إضافة إلى ذلك فإن البقاء في دولة الإمارات العربية المتحدة يزيد من الراحة بشكل كبير لوجود عائلة المريض بجانبه، ويسهل على المريض القدوم للمراجعة».أما الدكتور تيج مايني، الرئيس التنفيذي للمدينة الطبية فقد علق على ذلك قائلاً، «إننا نواصل توسيع إمكاناتنا للقيام بالإجراءات النادرة والمعقدة لمرضانا. وفي حقيقة الأمر إن أهم نتيجة نحصل عليها نحن وأطباؤنا هي رؤية التحسن الذي طرأ على حياة هذه السيدة ورؤيتها تتعافى بعد العلاج وتعود إلى منزلها وهي تتمتع بالصحة والعافية».من جانبه صرح الدكتور أتول ميهتا، رئيس إدارة الخدمات الطبية في المدينة الطبية قائلاً، «لقد بدأنا بإجراء جراحة وصل الدورة الدموية البابية داخل الكبد عبر الوريد الوداجي عام 2007، وهي جراحة تجرى لمرضى معينين يعانون من فرط ضغط الدم البابي مصاحب بتورم للأوردة المعدية-المريئية، وحالة تجمع للسوائل التي لا تستجيب للعلاج. ومنذ ذلك الحين قام أختصاصي الأشعة التداخلية الخبير، الدكتور جمال القطيش بإجراء أكثر من 20 جراحة من هذا النوع بمساعدة الفريق الطبي ذو الكفاءة العالية. إننا نواصل جهودنا لخلق وابتكار سبلٍ جديدة لرعاية المرضى باستخدام إجراءات رائدة في الدولة شبيهة بهذا الإجراء.»يشارالى أن جراحة وصل الدورة الدموية البابية داخل الكبد عبر الوريد الوداجي أكثر إجراءات الأشعة التداخلية تعقيداً، كما تعتبر إجراءً يساهم في إنقاذ حياة المرضى الذين يعانون من نزيف دوالي المعدة والمريء بسبب فرط ضغط الدم البابي.