أمين عبدالله إبراهيملا يزال الجدل حول علاقة النمو السكاني بالنمو الاقتصادي مستمراً، ولم يحسم حتى الآن. فهناك من يعتقد أن النمو السكاني يعيق عملية التنمية ويحول دون تطوير مستوى معيشة السكان وتحسين أوضاعهم، وحججهم في ذلك أن النمو السكاني السريع يضع عقبات في طريق تراكم رأس المال وتعيقه لزيادة نصيب الفرد منه، ومن ثم فإنه مع بقاء العوامل الأخرى ثابتة على ما هي عليه (الآلات والمعدات والتجهيزات وغيرها) فإن نصيب العامل الجديد من رأس المال اللازم لزيادة الإنتاج يتناقص باستمرار، مؤدياً إلى تراجع الإنتاجية ومن ثم النمو الاقتصادي. كما يؤدي النمو السكاني إلى تنامي عدد الباحثين عن عمل، ما يزيد من مشكلة البطالة في المجتمع أكثر مما يؤدي لزيادة مستوى الناتج في المجتمع.ويضيف هؤلاء المعارضون أن نمو السكان المتزايد يؤثر على المدخرات حيث يرفع من معدل إعالة السكان الذين يستهلكون ولا ينتجون وبالتالي يقلل من حجم المدخرات وموارد التمويل اللازمة للنمو الاقتصادي وزيادة الناتج والدخل.وهناك فريق آخر يرى العكس من ذلك، ويعتقد أنصاره أن النمو السكاني ـ في إطار ظروف اقتصادية وسياسية معينة ـ يوفر شروطاً ملائمة لإمكانية زيادة حجم القوى البشرية ومن ثم زيادة القوى العاملة التي تسمح بإمكانية أوسع لاستغلال موارد البلاد وثرواته، ورفع مستوى الإنتاج والدخل والتسريع من عملية التنمية الاقتصادية والاجتماعية.ويؤكدون أنه من الناحية التاريخية كانت فترات نمو السكان سابقة وممهدة للنمو الاقتصادي، وأن الضغط السكاني يؤثر على الحوافز الفردية ويشجع على تحسين أساليب وطرق الإنتاج دائماً وبالتالي تحسين مستوى الإنتاج ونموه المستمر، كما يعتقدون ايضاً أن الضغط السكاني كان وراء الثورة الخضراء لمواجهة مشكلة نقص الغذاء، وكان وراء عملية التسريع بالتصنيع، ويؤكد هذا الفريق المؤيد للنمو السكاني أن توسيع الأسواق وتوسيع حجم الاقتصاديات يرتبط بالنمو السكاني، وهو ما يؤدي إلى زيادة الناتج والدخل ورفع مستوى المعيشة.وفي الحقيقة يصعب الحديث عن علاقة النمو الاقتصادي بالنمو السكاني من دون تحديد مرحلة التطور الاقتصادي والتنموي التي يمر بها المجتمع والدولة محل الدراسة والتقييم، نظراً لتباين آثار النمو السكاني على مجموعة البلدان المتقدمة مقارنة بالبلدان النامية، ففي البلدان المتقدمة يسهم في زيادة الإنتاج. إذ أن الزيادة في القوى العاملة تؤدي إلى ارتفاع الإنتاجية المادية لاتساع نطاق تقسيم العمل وتوفر رأس المال وارتفاع المستوى التكنولوجي، بحيث تؤدي في هذه الاقتصادات التي تمر بمرحلة متقدمة من التطور الصناعي إلى تطابق قانون تزايد الغلة، ومعنى ذلك أن الإضافات الجديدة من السكان والقوى العاملة تدعم النمو والتقدم الاقتصادي.من ناحية أخرى، تترتب على تزايد السكان في الاقتصاد المتقدم آثار أخرى كبيرة ومهمة تتعلق بحجم الطلب الفعلي في جانبيه أي الطلب على أموال الاستثمار والطلب على الاستهلاك إذ يحفز تزايد الطلب على أموال الإستثمار بما يرفع من تكوين الرأسمال الطلب الاستهلاكي الناجم عن النمو السكاني على تزايد رؤوس الأموال العينية اللازمة لخلق الاستثمارات الجديدة. خلاصة القول إن زيادة السكان في هذه المجتمعات تؤدي إلى زيادة الإمكانيات المادية والاقتصادية للإنتاج في الاقتصاد المتقدم بسبب تطور ومرونة جهازه الإنتاجي وما يتوفر من عوامل وعناصر أخرى تسهم في الاستفادة القصوى من قوة العمل التي تترتب عن النمو السكاني.أما في مجموعة البلدان النامية التي تتميز بضعف الموارد والإمكانات مقارنة باحتياجات السكان فإن الزيادة السكانية تؤدي ـ مع انخفاض مستوى الإنتاج او ندرة رؤوس الأموال العينية ـ إلى تحقيق نتائج اقتصادية معاكسة تتمثل في ظهور البطالة السافرة والمقنعة وانخفاض إنتاجية العمل، وسريان قانون تناقص الغلة ما ينجم عنه في الأخير تراجع نصيب الفرد من الدخل القومي السنوي وبالتالي يعقد ويزيد من تحديات وصعوبات التنمية الاقتصادية والاجتماعية .. بعبارة أخرى فإنه مادامت الزيادة السكانية في البلدان النامية لا تقابلها زيادة مماثلة في الموارد والإمكانيات فلابد في الأخير من انخفاض متوسط نصيب الفرد من الدخل القومي وانخفاض معدل تكوين رأس المال، ومن ثم تراجع معدلات النمو والتنمية في المجتمع النامي، وإذا ما أضفنا إلى ذلك أن الإمكانات اللازمة لإستغلال الموارد المحدودة في مثل هذه البلدان هي بدورها مقيدة بعدم كفاية رؤوس الأموال وبانخفاض مستوى الفن الإنتاجي فإن الاستنتاج الأخير هو أن تزايد السكان يمثل عقبة للتنمية الاقتصادية في المجتمعات النامية.وأخيراً ـ يمكننا التأكد بوجه عام أن النمو السكاني لا يتعارض مع النمو الاقتصادي والتنمية طالما توافرت للبلد الموارد الاقتصادية أو كانت هناك موارد غير مستغلة، ففي هذه الحالة يساعد نمو الأعداد البشرية وتنمية قدراتها ومهاراتها على استغلال الموارد المتاحة وتوظيفها التوظيف الكامل ما ينتج عنه دفع عجلة النمو والتنمية الاقتصادية وتحسين مستوى المعيشة، وللتدليل على ذلك نذكر هنا حالة البلدان الغنية بمواردها النفطية التي تعاني من مشكلة خفة السكان بالنسبة للموارد ما يجعل العدد القليل من السكان عاجزاً عن استغلال الموارد الاقتصادية المتاحة بصورة كاملة، كما يمكن التدليل على ذلك أيضاً بذكر حالة البلدان المتقدمة التي يؤدي حسن الاستغلال للعنصر البشري فيها إلى تطوير قدرتها الإنتاجية وتوظيفها على نحو كامل بما يحقق أقصى استفادة ممكنة لمواردها الاقتصادية المتاحة، ويساعدها في ذلك تبنيها وتنفيذها المستمر للبرامج الموجهة نحو البحث والتطوير، وتبني الأساليب والطرق العلمية والتكنولوجيا الحديثة في التعامل مع مشكلة الموارد المحدودة ورفع إنتاجيتها ، بعبارة أخرى يصبح من مصلحة الدولة تشجيع النمو السكاني أو استقطاب الهجرة إليها من أجل تحسين فرص استغلالها لمواردها وزيادة معدلات النمو الاقتصادي والتنمية فيها.
جدلية النمو السكاني والنمو الاقتصادي
أخبار متعلقة