الكوكبة والتنمية المستقلة
القاهرة/14اكتوبر/ أيمن رفعت: مؤلف هذا الكتاب ، هو د. إسماعيل صبري عبدالله ، الحاصل علي ليسانس الحقوق من جامعة القاهرة في عام 1946، ونال درجة الدكتوراة من فرنسا في1951، اشتغل بالعديد من الوظائف ، قام بتدريس الاقتصاد بجامعة القاهرة والإسكندرية ، عمل مستشاراً للشؤون الاقتصادية والمالية بمكتب رئيس الوزراء 1955، ثم دخل مجلس الوزراء عام 1971 كنائب وزير التخطيط ثم وزير دولة للتخطيط ثم وزير للتخطيط في 1974 حيث رأس اللجنة الوزارية للإنتاج والشئون الاقتصادية .للمؤلف الكثير من الأعمال العلمية المنشورة ، فمنها كتب باللغة العربية نذكر منها : دروس في الاقتصاد السياسي ، محاضرات في الاقتصاد ، مدخل لدراسة الاقتصاد الاشتراكي ، في مواجهة إسرائيل ، وله العديد من المقالات المنشورة والدراسات في المجال المالي والاقتصاد والمؤلف حاصل على جائزة الدولة التقديرية في العلوم الاجتماعية 1986 .أما في كتابه الحالي “ الكوكبة والتنمية المستقلة والمواجهة العربية لإسرائيل “ فيؤكد المؤلف أن ثمة ظواهر تكونت بصفة خاصة في العقود الأربعة الماضية ، وينتظر أن تتطور في اتجاهها الموجود حالياً إلي ثلاثة أو أربعة عقود من القرن الحادي والعشرين ، والعامل الحاكم في تلك الظواهر هو الكوكبة وما صاحبها من ثورة معرفية وتراجع مكانة الدولة القومية ، وأشكال استقطاب جديدة ، وتأتي الشركات متعددة الجنسيات أو الكونية قوية فاعلة في هذه التطورات ، وبناء علي ذلك تحولت الرأسمالية العالمية من الرأسمالية القومية إلي رأسمالية ما وراء كل الحدود القومية ، وتلك هي ما نسمي “ الشركات المتعدية الجنسية” وهي ليست متعددة الجنسيات بحال من الأحوال وإنما هي تتعدي القوميات وهو ما يفيد الذي يستخدم في نحو اللغات الأوروبية اسماً للفعل المتعدي في لغة العرب ونحن لا نبالغ في دور هذه الشركات في ظاهرة الكوكبة.ويلخص المؤلف أبرز سمات الشركات متعدية الجنسيات ، قائلاً : أول سمات الشركة متعدية الجنسية ضخامة الحجم ولا يقاس الحجم بمقدار رأس المال ولا برقم العمالة ، لأن تلك الشركات ولدت في أجواء ثورة تكنولوجية رفعت إنتاجية العمل فيها إلي مستويات غير مسبوقة .وتنوع الأنشطة من سمات الشركة متعدية الجنسيات ، لأنها لا تقتصر علي إنتاج سلعة واحدة رئيسية تصطحب أحياناً بمنتجات ثانوية، والانتشار الجغرافي بحيث تنشط الشركة متعدية الجنسية بالتعريف في عدد من الأقطار ، والاعتماد علي المدخرات العالمية ، أما عن تراجع مكانة الدولة، فيقول المؤلف : فقدت الدولة رمزاً أساسياً لسيادتها هو خلق النقود ، فأيام العملة المعدنية كان حق “ سك العملة” بيد الملك دون غيره من أمراء الإقطاع ثم انتقل إلي يد الدولة القومية وحدها لا يشاركها فيه أحد ولا تتنازل عنه لأية جهة ، وظهرت النقود الورقية واحتفظت الدولة بحقها في إصدارها وظلت كل دولة حريصة علي تثبيت سعر صرف عملتها ، وكان ارتفاع ذلك السعر دليلاً علي النجاح الاقتصادي .أما الآن فلا توجد عملة واحدة ذات سعر صرف ثابت ، فكل العملات اليوم عائمة ، بل إن الدولة تحرص أحياناً علي انخفاض سعر صرف عملتها الوطنية بهدف زيادة الصادرات أو تقليل الواردات من بلاد معينة.ويضيف المؤلف : ومن انعكاسات الكوكبة الصعوبات التي تحمد من قدرة الحكومة علي وضع وتنفيذ السياسة الاقتصادية الكلية التي تراها صالحة للاقتصاد القومي إذا لم تشاركها القوي المتمثلة في الشركات متعدية الجنسيات ، التي نتمني تاريخياً لها أو التي تعمل في أرضها مع وجود الإدارة العليا في بلد آخر ، وتخلي الدولة عن المرافق العامة ، المقصود هنا هو السلع والخدمات الحيوية التي تشكل البنية الأساسية للمجتمع والتي يغلب عليها طابع الاحتكار بطبيعتها أو بنص القانون والتي يجب توفيرها حتي دون تحقيق ربح أصلاً أو بربح محدود·ومن انعكاسات الكوكبة - أيضاً - تآكل نظم التأمين الاجتماعي ، فقد عانت نظم التأمين الاجتماعي في السنوات الأخيرة من عجز متزايد ، وعدم كفاية الموارد لتغطية كل النفقات وساعد أمران علي تفاقم هذا العجز: الأمر الأول : هو الزيادة المتوالية في العمر المتوقع عند الولادة ( بين75 و80 سنة حالياً ) وبالتالي وجود شريحة من السكان تحصل علي معاش وتحتاج خدمات صحية كثيفة ، والأمر الثاني: هو ارتفاع نسبة البطالة لسنوات متوالية وبصفة خاصة بين الشباب .[c1]التنمية المستقلة[/c]أما في الفصل الثالث فيتحدث المؤلف عن التنمية المستقلة ، قاذلاً : منذ أن بدأ الحديث في الغرب عن “ التنمية “ اقترن بذلك اللفظ حكم قيمي إيجابي مؤداه أن التنمية أمر طيب ومقصد شريف وغايةتسعي إليها كل شعوب العالم الثالث لعلها تدرك منها حظاً ، وكانت الفرضية التي يستند إليها ذلك الزعم هي أن التنمية الاقتصادية ستجر في أذيالها حتماً التنمية الاجتماعية والتقدم العلمي والثقافي ، وحتي حين خيبت نتائج جهود التنمية ما كان معلقاً عليها من آمال ، كان الهجوم الحاد الذي بدأ في أواسط الستينيات ومازال مستمراً يركز علي نقد “ استراتيجيات التنمية” ولم يتعرض أحدفيما نعلم لنقد مفهوم التنمية المتضمن لحكم قيمي إيجابي وكانت غاية النقد أن كتب مؤلفون من أهل الغرب الرأسمالي أن نمط النمو التاريخي للغرب ( في شقه لرأسمالي أساساً ، وإلي حد ما في شقه الاشتراكي ) ليس غير صالح لبلدان العالم الثالث فحسب ، ولكنه أيضاً غير مرض بالنسبة إلي شعوب الغرب ذاتها .[c1]النضال الوطني[/c]ويرى المؤلف أن الاعتماد علي النفس هو التنمية الطيبة ، فوهذه التنمية هي في الأساس الامتداد الطبيعي للنضال الوطني فيما وراء الاستقلال السياسي بهدف تحقيق التحرر الاقتصادي والاجتماعي والحضاري وهي نضال يصفي من التبعية والاستغلال الامبريالي ويقيم بُنَي الاستقلال الكامل والعدل الاجتماعي وتجديد شباب الهوية الحضارية وهذه التنمية المستقلة تقام دعائمها في مواجهة دائمة مع قوي السيطرة والاستغلال ، وليس بالتعاون معها أو الاعتماد على معونتها .وبالرغم مما سبق ذكره ، فإن الانسلاخ الكامل عن النظام العالمي مقصد غير عملي ، وثمة دول مارسته بالفعل مثل بورما وولم تحقق نجاحاً يذكر ، وإذا كان كل من الاتحاد السوفيتي والصين قد عاش فترة معينة من حالة انسلاخ شبه كامل عن النظام العالمي وحقق أعلي درجة من الاعتماد علي النفس ، فلا يجوز أن ننسي أن لكل من الدولتين أبعاداً قارية بما يعنيه ذلك من إمكانات غير متاحة للدول الصغيرة والمتوسطة .. ومن هنا تبرز أهمية الاعتماد الجماعي علي النفس ، فما يكاد يكون محالاً أمام قطر صغير وحتي متوسط لمجموعة أقطار متجاورة تعتمد التنمية المستقلة المشتركة لمجموع شعوبها .أما الفصل الرابع فيتحدث المؤلف فيه عن المخطط الصهيوني ، فيقول : من يتأمل التطور التاريخي لتنفيذ المخطط الصهيوني يري بوضوح منهج الصهيونية في التوسع ، فقدت بدأت الحركة الصهيونية بالدعوة بين اليهود في أوروبا الشرقية ، وبالذات في روسيا القيصرية ، للهجرة إلي فلسطين ، وبدأت بالفعل وفود من المهاجرين تفد إلي الأرض المقدسة دون أي سند ، وكانت الخطوة التالية الحصول من المستعمر البريطاني علي ترخيص بإنشاء “وطن قومي “ في فلسطين ، ثم تأكيد هذا الترخيص بقرار من عصبة الأمم التي كانت تسيطر عليها الدول الاستعمارية سيطرة كاملة ، وكانت الخطوة اللاحقة هي أن يطرد المواطن الجديد المفروض بقوة الجيش البريطاني ، المواطن الأصلي من أرض آبائه وأجداده ، ولم يكن من المتصور أن تطرد الصهيونية الفلسطينيين من أرضهم دفعةواحدة ، ولذلك كان من الطبيعي أن ترفع شعار التقسيم ، وصدر قرار التقسيم عن الجمعية العامة لهيئة الأمم المتحدة في نوفمبر 1947 وقبلته الصهيونية ، الذي لم يكن في نظر قادتها إلا الخطوة الأولي ، ولذلك فإنهم لم ينفذوا منه إلا ما كان في صالحهم .[c1]مصلحة إسرائيل[/c]ويتطرق المؤلف إلي اتفاقات الهدنة سنة 1949 ، فيذكر أن الرأي السائد في الدوائر الصهيونية هو أن من مصلحة إسرائيل ألا تتقرر لها حدود دولية معترف بها لأن حدودها التي انتهت إليه حرب 1948في نظرهم مؤقتة فمساحة إسرائيل في حدود هدنة عام 1949 لا تزيد علي 21.000 كم2 .ومن ناحية أخري تتميز أراضي إسرائيل في المناطق القابلة للزراعة بالفقر الشديد ، فليس بها وليا خصبة ،ولا تربة غنية والموارد المائية محدودة للغاية ومشروعات الري التي قامت بها الحكومة الصهيونية باهظة التكاليف ولم تسمح باستصلاح مساحات واسعة ، وبالرغم من كل تلك الظروف غير المواتية ، نجحت إسرائيل خلال الفترة من 1950 إلي 1965 في تحقيق معدل نمو اقتصادي يلي مباشرة ما حققته اليابان .وهكذا يتحدث الصهاينة عن المعجزة التي صنعتها إسرائيل ، ولكن الاقتصاد لايعرف المعجزات وكل ظاهرة اقتصادية تجد تفسيرها في الواقع الاقتصادي ذاته ، والمعجزة الإسرائيلية تجد تفسيرها في الموارد المالية الهائلة التي حصلت عليها الدولة الصهيونية ، وهي موارد لم يسبق لها مثيل ولم تحظ بمثلها أية دولة وبجانب ذلك بدأت إسرائيل حياتها بعملية نهب استعماري تقليدي ، تمثلت في الاستيلاء علي ممتلكات الفلسطينيين الذين طردتهم من أراضيهم.وفي خاتمة الكتاب ، يري المؤلف أن تخطيط إستراتيجية للنضال العربي ضد مخططات الصهيونية والاستعمار ليس أمراً سهلاً ، فيجب أن يكون الواجب الأول للقوي الثورية العربية هو تحديد استراتيجية لهذا النضال ، وأهم خطوط تلك الاستراتيجية ، لابد أن ينحصر في تلك العناصر ، وهو دور الشعب الفلسطيني ، فهو الضحية الأولي ، وصاحب الحق الهضوم ، ونضاله من أجل وطنه قضية واضحة لا يمكن طمسها بحال .. ثم تأتي محاصرة إسرائيل ، ومايعنيه ذلك من عدم الاعتراف بها وعدم المفاوضة معها ، وتشديد النضال ضد الاستعمار ، وفضح الصهاينة وحكام إسرائيل أمام الجماهير الإسرائيلية وأمام اليهود بصفة عامة·· وعرض قضيتنا علي الرأي العام العالمي ومن أهم هذه العناصر ، هو اليقطة والقدرة علي الردع ، مع بناء الوطن العربي اقتصادياً وسياسياً وثقافياً وعسكرياً .[c1]- الكتاب : الكوكبة والتنمية المستقلة- الكاتب : د· إسماعيل صبري عبدالله-الناشر :مكتبة الأسرة -الطبعة : سنة 2007-الصفحات :298 صفحة من الحجم الكبير[/c]