أضواء
هناك سحر في العملية الديمقراطية، يترجم بأنه تحوّل الأصوات الشعبية إلى سلطة. ويشقى المرشحون لنيل أصوات العامة من أجل تمكينهم من الدفاع عن قضاياهم الكبرى والمشتركة، لا الجانبية ولا الشخصية. القضية الأهم في عالمنا الثالثي هي: كيف تستخدَم هذه السلطة، وإلى أي غرض توجه؟ السلطة المستمدة من الناس، في العالم الديمقراطي، توجَّه إلى مصالح الناس وإلى المحافظة على مستقبلهم، أو إذا أتى السياسي أو السياسيون بأمر خارج المألوف أصيب الرأي العام بالدهشة التي تقود إلى التساؤل ثم الاحتجاج.ونحن نستخدم السلطة التي أفرزتها الديمقراطية في الغالب لتحقيق مصالح ضيّقة وأنانية، ولا يصاب كثير منا بالدهشة إذا ارتُكب عملٌ من أعمال الانحراف. وعلى سبيل المثال لا الحصر، الحكومات تُمثّل القوى السياسية، وأية قوة سياسية أو تكتل يدخل ممثله الحكومة، يعني بالضرورة أن هذا التكتل يناصر سياسات الحكومة ويدعمها، إلا في الكويت، إذ تمثَّل التيارات المختلفة في الحكومة، وتقوم بمعارضتها في الوقت نفسه، ولا يصاب أحد بالدهشة! الانكماش الاقتصادي الذي يسبب الذعر في أوصال العالم، وتتنادى له الأمم لتجمع أقطابها، في محاولة للفهم ثم تقديم بعض الحلول لأكبر مشكلة مالية واقتصادية تصيب العالم منذ قرن من الزمان، وتهدد مستقبل البشرية، هذا الانكماش لا يعني الشيء الكثير لدى أغلب مشرّعينا، لأن لديهم مشاكل أكبر من ذلك، مثل: كيف يجرؤ البعض على إزالة المباني المخالفة للقانون، ويسمونها الديوانيات، ولا يصاب أحد منا بالدهشة؟! النفط تتراجع أسعاره، والأحوال تنبئ بانخفاض أكبر نتيجة الأزمة المالية العالمية المستحكمة، وما يتبع ذلك من تقليص للإنفاق على مشروعات حيوية وحياتية، وبعض مشرعينا لا يعنيهم إلا شيء واحد، هو تعويم المعسرين وشراء مديونياتهم، فيما يسمى بإسقاط القروض، ولا يصاب أحد بالدهشة! العالم يتلقى بفرح التغيير الكبير في الولايات المتحدة، ووصول أول رئيس ملون إلى القمة السياسية الأميركية، وبعض مشرعينا لديهم أولوية أخرى هي إعاقة تنصيب النساء وزيرات، وإن تم ذلك فإن ملابسهن تبقى مشكلة سياسية، هل تتفق مع الضوابط أم مخالفة لها؟ وأيضاً منع اليوتيوب والبلايستيشن من شبكة الإنترنت!! ولا يصاب أحد منا بالدهشة! البورصة الكويتية تنزف بغزارة، وقد خسرت في شهر واحد (شهر أكتوبر الماضي) أكثر من عشرة مليارات دينار «اقرأ الرقم من جديد»، مقارنة مع شهر سبتمبر، ومنذ بداية العام خمسة عشر ملياراً ونصف المليار دينار «أكرر: اقرأ الرقم من جديد»، أي ما يقارب عوائد الدولة النفطية في عام كامل، والمشكلة الأولى لدى بعض مشرّعينا هي: من نعيّن مسؤولاً عن الرياضة؟ وهل نقبل بخمسة مندوبين يمثلوننا في الفيفا -كما يقول قانونها- أم باثني عشر مندوباً، كما ينص قانوننا؟ ولا يصاب أحد بالدهشة! جارة كبيرة تدخل في معركة دولية من أجل الحصول على الطاقة النووية، كي تنتج الكهرباء وتحافظ على المخزون النفطي، ويتفرغ بعض مشرعينا لمعركة اسمها «العلاج بالخارج»، وتنصيب أو عدم تنصيب شخص بعينه وكيلاً أو مساعداً للوكيل! ونصرف اليوم ثلاثمئة وخمسين ألف برميل من الوقود المكافئ سنوياً (نفط وغاز) تكلّفنا ثلاثة مليارات ونصف المليار دينار كل عام «اقرأ الرقم من جديد»، حتى نحصل على طاقة كهربائية تنير منازلنا، ومن المتوقع أن تزيد بعد اثني عشر عاماً لا غير إلى ثلاثة أضعاف، لتبتلع ثلث المنتج النفطي المقدر في الكويت، ويختلف عدد من مشرعينا أو أكثرهم: هل تذهب المصفاة الرابعة (التي هي ضرورية لإنتاج الطاقة الكهربائية وتأمين المستقبل) إلى لجنة المناقصات أم إلى ديوان المحاسبة؟! ولا يصاب أحد بالدهشة بعد كل هذا التعطيل! تشكّل اللجان البرلمانية لدراسة المستقبل وما يفرضه من تحديات، ونحن نشكّل لجنة للظواهر السلبية! ولا يصاب أحد بالدهشة! الحكومة تشكّل لجنة تحوط لمواجهة «التسونامي المالي»، ونختلف حول أشخاصها!! المشكل الكبير والضخم أن آثار الأزمة المالية لم تصلنا بعد، ومن أربعة إلى ستة أشهر ستضربنا بقوة، ومع ذلك لا نرى من مشرّعينا أولوية، بنفس قدر المشكلة وعظمها، لأن الدهشة سُرقت من عقولنا!! [c1]*عن/ صحيفة «أوان» الكويتية [/c]