عوض الشقاعكنا ننحدر إليها صغاراً من شارع المتنبي ( حارة الشريف ) نعبر طريق العيدروس الصاعد نحو ( الجبل ) و(الشعب ) من هناك تلوح المئذنة العريقة لمسجد العيدروس .. هناك تقوم مدرسة بازرعة بمبناها المتواضع المهيب تطل من الجانب الآخر على جلال ورهبة المساحات التي تشغلها مقبرة القطيع .. فتبدو المدرسة وهي تحتضن الناشئة وكأنما تطمئن الراحلين على أبنائهم وأحفادهم .. وكأنما تحفر في نفوس النشء مآثر الماضين .. وكأنما هي منارة لحوار دائب بين أجيال وأجيال ظلت تتسرب في الطريق المدلهم بين الحياة والموت .واحدة من أعرق المدارس في مدينة عدن إن لم تكن أعرقها على الإطلاق المدرسة التي ظلت طوال عقود منارة للعلم والمعرفة وإحدى قلاع التربية الوطنية والفكرية في اليمن ، وهي مثال خلاق لدور العمل الأهلي الخيري والنهضوي في خدمة الأوطان وخدمة الأجيال في اشد ظروف البلاد تخلفاً عن الحضارة والعصر .مدرسة بازرعة التي استعادت اسمها الحقيقي بعد الوحدة المباركة كانت كنفاً تربوياً وتعليمياً للناشئة من أبناء اليمن من جميع مناطقه وكان فضل منشئيها كبيراً في بنائها على أساس قويم من حيث المستوى الرفيع لمدرسيها ، والسعي المستمر لاستقدام الكفاءات العلمية والأدبية والفكرية للعمل بها والتدريس فيها ، واختيار الهامات العالية من الشخصيات التربوية والعلمية لإدارتها .وإذا كنت وأقراني من أبناء هذه المدرسة العريقة التي نفخر بأننا من أبنائها ، قد التحقنا بها في الستينات التي شهدت في أواخرها تغيرات كبيرة مست جوانب كثيرة في الحياة والمجتمع وقد أدرك مدرسة بازرعة الكثير من هذه التغيرات اذ تحولت من مدرسة أهلية خيرية إلى مدرسة حكومية لينالها ما نال التربية والتعليم من تبدلات كبيرة لم تكن نحو الأفضل مع الأسف الشديد ، أقول إذا كنا نحن نكاد مثل الدفعة الأخيرة من طلاب مدرسة بازرعة في عهدها العريق ، فإننا نشعر بأننا كنا محظوظين أن أدركنا مرحلة من تقاليد هذه المدرسة ومن مدرسيها النوابغ ومربيها الإفاضل الذين كانوا حقاً أمثلة في المستوى التعليمي الرفيع والسلوك التربوي القويم وفي الوعي الوطني الأصيل . كانت مدرسة بازرعة مصنعاً حقيقياً للرجال ، فإلى جانب المنهج التعليمي الرفيع والمادة العلمية الغزيرة الهادفة والمستوى المتميز لمدرسيها الذين أجزم أنهم يتفوقون على كثير من أساتذة الجامعة اليوم مع العلم أن المدرسة فيها كانت قاصرة على المرحلة الابتدائية والمتوسطة إلى جانب ذلك ففي هذه المدرسة كان التلاميذ يجدون دائماً بدايات الطريق نحو الاهتمامات الأدبية والفكرية والفنية ، ومن منهل المناخ الثقافي والفكري تبدأ الانشغالات بالهم الوطني والأوضاع السياسية الوطنية والقومية .كان مناخ المدرسة حقاً هو مناخ العلم والأدب والشعر ، يبعث على التطوير الذاتي ، وعلى التنافس الايجابي ، كان الوضع كله يحث على الإجادة والتفرد ، من خلال توجيه المدرسين ومن خلال الأنشطة المختلفة للمدرسة الثقافية والفنية والرياضية ومن خلال المسابقات والحوافز المستمرة ، لذلك فلم يكن غريباً أن نرى الطالب في المرحلة الابتدائية حينها يبدأ علاقته بالكتاب وبمتابعة الصحف اليومية والاهتمام بالأحداث العالمية والقومية والمحلية .. فقد مثلت مدرسة بازرعة نموذجاً أصيلاً لما تعنيه كلمتا التربية والتعليم التي لا نزال نكررها ولا نرى لها وجودا .قلنا إن مدرسة بازرعة كانت ملاذاً للطلاب من أبناء الوطن سواء من أبناء مدينة عدن او من ابناء المناطق المختلفة في الشمال والجنوب وقد كانت كذلك بالفعل ، إلا أنها كانت كذلك ملاذاً للعلماء والأدباء يعملون ويؤدون رسالتهم الإنسانية من خلالها ، في حين ضاقت ظروف العيش بالأحرار من ثوار الشمال حينذاك الذين كانوا يقيمون في عدن توجهوا إلى الشيخ بازرعة وإلى الشيخ علي باحميش الذين كان مديراً للمدرسة فتم ضمهم إلى هيئة التدريس في المدرسة وهم خالدو الذكر الشهيد الزبيري والشهيد زيد الموشكي والشيخ احمد النعمان والأستاذ احمد الشامي وغيرهم.وهنا تجدر الإشارة فبالإضافة إلى هؤلاء الأعلام فإن مدرسة بازرعة قد احتضنت خلال تاريخها المشرف الكثير من الرموز سواء طلاباً او معلمين ، فهناك الشيخ علي محمد باحميش الذي كان معلماً وعمل مديراً بها ، وهناك التربوي القدير الاستاذ الصائغ وأستاذنا القدير عمر عبدالله باناجة الذي كان معلماً وعمل مديراً لفترة طويلة وكذلك السيد مطهر القرباني والشيخ احمد مهيوب والشيخ سالم عبده نصر والشيخ علي السليماني والشيخ عبدالرحمن هائل ، والأستاذ يحيى مكي والفنان احمد قاسم ومحمد عبده زيدي وابوبكر بلفقيه والأستاذان عبدالله وعلي عبدالرزاق باذيب والشاعر القرشي عبدالرحيم سلام والصحفي فضل النقيب ، ولقد كان لنا شرف التتلمذ على عدد كبير جداً من الأساتذة الاجلاء الذين يضيق المجال لذكرهم منهم الأستاذ / احمد العنسي والأستاذ احمد سعيد والأستاذ عبدالرحمن بامسعود والأستاذ فيصل محمد احمد والأستاذ محمود مدي والأستاذ الفنان عبدالحميد فارع وصالح حسن .. هؤلاء وغيرهم كثير كان لهم علينا الفضل الكبير الذي يعجز لسان الشكر عن أدائه .هؤلاء بعض من عرفنا وبعض من سمعنا عنهم ، وهم غيض من فيض هذه المدرسة التاريخية التي ولاشك أن أجيالا كثيرة قد حملت عنها خيراً كثيراً وعلماً نافعاً والتي ولاشك أن خيرها قد عم اليمن كله ولعقود طويلة ، وأنا أجزم أن رموزاً آخرين في هذه المدرسة .. ولكن هذه معرفتنا فقط .هذه تحية من القلب لهذه المدرسة التي لاتحصى أفضالها على أجيال متلاحقة من أبناء وطننا تصحبها الدعوات بأن يستعيد هذا الصرح التربوي دوره التاريخي في خدمة هذا الوطن وفي خدمة أبنائه .
|
ثقافة
مدرسة بازرعة
أخبار متعلقة