استطلاع / ابتسام العسيري البصر من أهم الحواس التي يمتلكها الإنسان وفقدانه يؤثر سلبا عليه وعلى أسرته وبيئته، وهناك كثير من الناس يتساهلون في علاج أعينهم إذا ما أصابها شيء إما لعدم قدرتهم المادية على العلاج أو لجهلهم بإمكانية العلاج والشفاء ، فمتى ما فقدوا بصرهم يرمون بحملهم على القدر وبصمت يتعايشون مع قدرهم خاصة في المناطق النائية خارج المدن. وما تقوم به المخيمات الطبية المجانية في جانب البصر كان له دور فعال ليس فقط في علاج الناس بل في توعيتهم وتنبيههم لخطورة تجاهل مرض العمى وخاصة مرض المياه البيضاء الذي يعاني منه غالبية المرضى وهي مشكلة يمكن علاجها. إذا ما اكتشفت مبكراًو ضمن برنامج لمكافحة العمى نفذت مؤسسة البصر الخيرية بدعم من مؤسسة سبل التنموية الخيرية مخيمها رقم 42 في اليمن ، وكانت الحديدة وجهتهم هذه المرة لإقامة هذا المخيم لأن نسبة العمى بين الناس فيها تزيد على 25 % بسبب نسبة الفقر الكبيرة المنتشرة فيها والتي تعتبر عائقا يحول دون القدرة العلاجية وكذا لطبيعة الحديدة كونها محافظة تتميز بارتفاع درجة الحرارة، سطوع الشمس .. وفي هذا المخيم الذي رافقناه استطلعنا عمله وعرفنا المشكلة على ارض الواقع . [c1]قبل العملية [/c]تعاني بلاسم احمد عياش إحدى زائرات المخيم من عتامة الرؤية في إحدى عينيها وصداع في رأسها جراء هذا، تقول بلاسم أعاقتني قدراتي المادية عن إجراء عملية لعيني وقد أتاح لي هذا المخيم أخيرا إجراء هذه العملية .وتشاركها الأم لولة حسن ناصر من الحديدة بأن عينها ترمش وتدمع منذ ثمانية أشهر، تقول الأم لولة وكلها أمل بالشفاء : ذهبت إلى مستشفى الثورة هنا في الحديدة وقرروا لي عملية ولكن لم اقدر على إجرائها ، واخبرني أهل الخير بأن آتي إلى هذا المخيم وهم سيجرون لي العملية .وقالت فاطمة احمد محمد : أجريت لي عملية في العين اليسرى في المخيم السابق العام الماضي في نفس المخيم ورجع لي بصري والحمد لله ، وهذا العام سيجرون لي عملية في العين اليمنى لأن البصر فيها ضعيف مضيفة : كانوا في العام الماضي قد أعطوني نظارة شمسية لأني اعمل في المزرعة تحت الشمس لساعات كثيرة ولكني لم استخدمها وهذا ما اضعف عيني اليمنى . ويقول سعيد عياش احد المرضى : أعاني من حكة ودموع منذ عام كامل وما قدرت أعالجها بسبب قلة الإمكانات المادية وعندما سمعت بإقامة هذا المخيم حضرت . ويضيف محمد صغير حميدي : عيناي تؤلماني منذ أربع سنوات ولم استطع معالجتهما بسبب ظروفي الصعبة ومع انه تقام المخيمات إلا أنه لم يكن يخبرني احد عنها لأني اسكن في القرية ، وهذه المرة وزعت إعلانات في قريتنا في السوق . أما محمد صالح معرقي قال : لا أرى لمسافة بعيدة ولم يقرر لي الأطباء عملية وإنما صرفوا لي دواء قطرا في العين ، إلى قبل 15 يوما ذهبت إلى احد المستشفيات وقالوا لي إن عندي مياه بيضاء تحتاج لعملية ومتى ما رغبت ممكن اعمل العملية إلا أني لم اعملها لأنني ما عندي فلوس ، وعن طريق الأوراق التي تم توزيعها في زبيد عرفت بإقامة هذا المخيم فأتيت والآن قرروا لي عملية .وبينما كنا نتجول بين المرضى صادفنا الطفل عامر الذي يبلغ من العمر ستة عشر عاما ينتظر دوره في الكشف فقال : أعاني من مياه بيضاء منذ ولادتي ومن خلال مخيم العام الماضي أجريت لي عملية في العين اليمنى وجئت هذا العام لإجراء عملية للعين الأخرى .ويشاركهم الأخ يوسف حسن المصعبي احد المنتظرين لدوره في المعاينة : أعاني من ضعف في الرؤية منذ أربع سنوات لم أعالجها بسبب عدم ثقتي بمهارة الأطباء هنا لأن هذه عين لا تساهل فيها ، ومن خلال هذه المخيمات التي تضم فرقا طبية مؤهلة وأجنبية حضرت العام الماضي وعملت عملية لإحدى عيني والآن سيجرون لي عملية للأخرى ، وأضاف : أن هذه المخيمات أزاحت حملا ثقيلا علينا ونحن نشكرهم على ذلك.وأشار الأخ يوسف إلى أن : مثل هذه المخيمات تلعب دورا كبيرا في مكافحة الأمراض المنتشرة كالعمى الذي لاحظنا من خلال هذا الإقبال على المخيم بأنه منتشر بشكل كبير أذهلنا وناشد بأن تكون هناك حملات توعية في القرى والأرياف للحضور إلى مثل هذه المخيمات للعلاج . [c1]بعد العملية [/c]عمر كليب جعفر احد المرضى الذين أجريت لهم عمليات علق قائلا : قبل العملية كنت أعاني من حكة ولم أكن أرى بعيني اليسرى نهائيا والآن بعد ما فتحوا الضمادات من عيني بدأت أرى الضوء جيدا والحمد لله .أما عياش محمد نجار الذي كان يعاني من عتامة في الرؤية قال : كنت استخدم دواء قطر للعين وصفه لي الطبيب منذ 3 سنوات ولكنه لم يأت بأي نتيجة ، وعندما جئت إلى الطبيب في المخيم قال : أن هذه القطر ضرت عيني كثيرا ولم يكن هناك داع لإستعمالها مع أنها كانت غالية قليلا ، فقرر الطبيب عملية والآن الحمد لله اشعر بتحسن كبير .ونحن نجري اللقاءات قابلنا احد المرضى وقد فتحت له ضمادات العملية للتو وشكر الدكتورة ريم التي أجرت له العملية : يقول إبراهيم علي حسن كانت حالتي مياه بيضاء بسبب السهر وعمل الليل ، وقد أجرت الدكتورة ريم العملية لي بدون أن اشعر بأي شيء والآن عيناي تحسنتا كثيرا وأنا ممتن لها وأوجه دعوة للإخوة في وزارة الصحة والمستشفيات بأن الكادر اليمني مبدع ولديه قدرات ومهارات لا يستهان بها ، فأنا من مواليد المملكة العربية السعودية وكنت اعمل حارسا عسكريا في الحرم هناك وحاولت اعمل العملية هناك ولكن ظروفي المادية لم تسمح لي لأنها باهضة الثمن و رجعت اليمن منذ سنتين واعمل في الفندق الذي يسكن فيه أطباء المخيم ، ولاحظت الفرق بين أطبائنا في اليمن وبين الأطباء في الخارج واجزم بأن العلاج في اليمن أسهل ووصل لمستوى متطور، فأتمنى الاهتمام بالكوادر المحلية . ويقول د. رياض داد اختصاصي عيون التقيناه وقت فتح أعين المرضى الذين أجريت لهم عمليات بأن أكثر المرضى يعانون من المياه البيضاء التي تسبب لهم العمى ، والآن بعد العمليات التي أجريت لهم صاروا يرون والحمد لله [c1]وزارة الصحة [/c]الدكتور أكرم الجنيد مدير إدارة المنظمات الدولية بديوان عام وزارة الصحة والسكان قال : تقوم وزارة الصحة وديوانها أيضا باتخاذ الإجراءات المناسبة على مستوى الجمهورية في إطلالة منها لتشجيع القطاعات المختلفة وأنشطتها لما فيه الصالح العام ، وقال : هذه المخيمات تأتي ضمن خطط سنوية يتم إعدادها من قبل القائمين عليها في وزارة الصحة والإدارات المعنية وكذا من هذه المنظمات الدولية التي يتم توجيهها من وزارة الصحة إلى المناطق ذات الاحتياج وبحسب الأولوية ويتم الاستفادة منها بحسب الاحتياجات المرفوعة لوزارة الصحة عبر مكاتبها وكذا عبر الإعداد الجيد لمثل هذه المنظمات باستخدام الدعاية والإعلان لإتاحة وقت كاف قبل إقامة هذه المخيمات ، وأضاف بحسب الإحصاءات المرفوعة بالنسبة لمحافظة الحديدة هناك مناطق توجد فيها أوبئة أكثر من مناطق أخرى مثل مشاكل البصر وكما هو معروف منطقة تهامة تعاني من نسبة عمى كبيرة ، إلا أن وزارة الصحة تعمل جاهدة حسب الإمكانيات المتاحة والمتوفرة لها بتوجيه هذه المنظمات للتخصص في هذا المجال الذي يقل ويندر فيه التخصص لمنظمات دولية عاملة فيه مثل مؤسسة البصر، وهناك منظمة « السي بي إم « التي ستأتي وتعمل مخيمات طبية مماثلة .وأوضح الدكتور أكرم الجنيد : بأن المناطق الريفية والبعيدة عن التجمعات السكانية من أكثر المناطق التي تعاني من انتشار مثل هذه الأمراض ولذا نحاول توفير مناخات تمكن من تقديم خدماتنا الصحية إليها وهذه ليست مهمة سهلة . وبقدر المستطاع نقوم بتوزيع مثل هذه المخيمات بحيث تشمل اكبر قدر من المناطق الريفية لافتا إلى أن من إحدى أوليات مكاتب الصحة عمل الحملات التوعوية والتنسيق مع كل الجهات الداعمة ومثال على ذلك المخيم السابق الذي أقيم في باجل والآن اقتربنا وهاهو المخيم في الحديدة ، والمخيم الثالث إن شاء الله سيكون بعد شهرين وهكذا بحسب قدرتنا واستطاعتنا لافتا إلى دور وسائل الإعلام في توعية الناس . ويقول الدكتور محمد العجوري نائب مدير عام التعاون الفني والعلاقات الدولية مدير التعاون الثنائي في مكتب وزارة الصحة : إقبال الناس بهذا الكم على المخيم يدل على احتياج كبير في جانب أمراض العيون استوعبه الجميع ، ونحن بدورنا نقوم في الوزارة عبر إدارة المخيمات بالتنسيق لمثل هذه المخيمات وتسهيل مهمتها ، بالإضافة إلى ما تقوم به مؤسسة البصر من تنسيق من جانبها وهي مؤسسة معروفة في مجال مكافحة العمى وتعمل منذ سنوات كما أن لديها كادرا متخصصا باكستانيا وأجنبيا ويمنيا ، ما جعلها تمتلك الكفاءة في إقامة المخيمات الطبية وكذا تنفيذ العمليات المجانية وعملية الإشراف والمتابعة ما بين مخيم وآخر، وأشار الأخ العجوري إلى أن هذه المخيمات من شأنها أن تفيد الكادر الطبي الذي يعمل في المستشفيات التي تستضيفها أيضا . [c1]الداعمون [/c]محمد الحميري الممثل الإقليمي لمؤسسة البصر الخيرية في اليمن يرجع أكثر أسباب أمراض المياه البيضاء التي يعاني منها أبناء الحديدة إلى الفقر وقلة التغذية وقلة الوعي الثقافي لدى الناس وجهلهم بخطورة تجاهل المياه البيضاء في أعينهم حتى تتجمع وتصبح عمى كليا لا يمكن علاجه ، مضيفا بأن العناية بالعين ووقايتها من الأتربة والتعرض للشمس مهم لتفادي مثل هذه الأمراض مشيرا إلى أن مرض المياه البيضاء ينتشر بين كبار السن في محافظة الحديدة بنسبة 25 - 30 % ، لافتا إلى أن الإعلام يلعب دورا فعالا في تثقيف وتوعية الناس ، حتى وان لم تكن لدى هؤلاء الناس قدرة على العلاج فهناك رجال خيرين وجمعيات تقدم خدمات صحية في مجال البصر ، منها مؤسسة البصر الخيرية العالمية التي نفذت 42 مخيماً في اليمن حتى الآن إضافة إلى مستشفياتها في المكلا وعدن وأيضا مستشفى جبلة في اب التي دشن بناؤها خلال الشهر الماضي وكلها مستشفيات بكافة تجهيزاتها وطاقمها الطبية سواء الأجنبية أو المحلية تقدم خدمات كبيرة في مجال البصر بأسعار رمزية إضافة إلى المخيمات المجانية التي تقيمها ، وأشار الحميري إلى أن دور هذه المؤسسات ليس مقصورا على تقديم الخدمات الصحية بل نقوم كذلك بتأهيل الكوادر الطبية المحلية على أيدي أساتذة من الخارج. [c1]أطباء متطوعون [/c]الدكتور جمال سيف اختصاصي عيون في مستشفى الجمهورية ومتطوع في مستشفى مكة قال : يعتبر هذا أول مخيم أشارك فيه ضمن المخيمات التي تنفذها مؤسسة البصر وهو مخيم كبير وتنظيمه رائع جدا ، وإمكانيته كبيرة مقارنة بما هو موجود في المستشفيات العامة ، لافتا إلى أن الجانب التطبيقي والمهارة والجودة الطبية متوفرة أيضا في المستشفيات العامة إلا أنها تفتقر للإمكانيات ، موضحا بأن الميزانية الكافية تلعب دورا مهما في تحسين أداء الخدمات الصحية داخل المستشفيات ، مشيرا إلى أن ما يقدمه مستشفى مكة من خدمات صحية ومخيمات مجانية يؤدي دورا فعالا في مساعدة الناس والتخفيف عنهم في مجال أمراض العيون. وتشاركه الدكتورة ريم الخضر صالح حمزة اختصاصية عيون وأستاذ مساعد في جامعة عدن ومن العاملين في مستشفى مكة قائلة : لاحظنا بحسب خبراتنا السابقة في المخيمات بأن أكثر الأمراض السائدة هي المياه البيضاء وهي أكبر سبب للعمى في العالم ويأتي بعدها المياه الزرقاء وهي ارتفاع ضغط العين ويعتبر من الأمراض الصامتة التي تؤدي إلى العمى بالإضافة إلى التغييرات في الشبكية التي تحدث عند الناس الذين يعانون من ارتفاع السكر وارتفاع ضغط الدم ، وهذه الأمراض تنتشر في معظم المناطق في اليمن ولكن محافظة الحديدة تزداد فيها نسبة الناس المصابين بالعمى بحسب المخيمات التي أقمناها سابقا ، مشيرة إلى أن هذا بسبب تعرض الناس للشمس لفترة طويلة ، وهذا عامل يؤدي إلى المياه البيضاء ، وأوضحت بأن مثل هذه المخيمات تلقى رواجا كبيرا من قبل الناس المحتاجين الذين يعيشون في المناطق النائية التي تنعدم فيها الخدمات الصحية المناسبة ، كما أن البعض من المصابين بالعمى الدائم في هذه المناطق يعانون من جهل يجعلهم يتقاعسون عن علاج أعينهم لاعتقادهم بأنهم لن يعالجوا وان هذا قدر مكتوب عليهم من الله ولا شفاء منه ، فيظلون مصابين بالعمى لفترات طويلة قد تستمر أكثر من 15 عاما وعندما يتم علاجهم يندمون لأنهم لم يحاولوا العلاج منذ البداية . [c1]مستشفى السلخانة [/c]يقول الدكتور توفيق ثابت تلعب هذه المخيمات دورا في مساعدة الناس المحتاجين وهذا ما لاحظناه من خلال الإقبال الكبير للناس على المخيم لافتا إلى أن المخيم استقبل خلال يومين أكثر من 5000 حالة معاينة ومازال التدفق مستمراً، بالرغم من أن المخيم قد استوفى عدد الحالات المحددة التي تحتاج لعمليات وهو 1300عملية إلا أن الناس مازالت تتدفق على المستشفى وهذا يدل على أن مرض المياه البيضاء منتشر بكثرة لوجود عدد من الأسباب سواء البيئية أو الفقر وغيرها ، وأشار إلى أن المستشفى قد استقبل المخيم نفسه قبل أربعة أشهر بحسب توجيهات من وزارة الصحة ، مشيرا إلى أن الاستفادة من هذا المخيم كبيرة بالنسبة للناس وكذا الأطباء لأن العمليات كبيرة ويقوم بها أساتذة كبار وهذا من شأنه أن يؤهل كوادرنا الطبية المحلية.[c1]لمحة [/c]منذ صباح اليوم الأول فوجئنا بالتدفق الكبير للناس على المخيم ، وأذهلتنا أرواح العاملين من أطباء وفنيين وداعمين.. الجميع كان يعمل بنشاط يملؤه حب المساعدة وصدق المشاعر تجاه هؤلاء الناس الذين جاؤوا من كل مكان واضعين ثقتهم وأملهم فيهم بعد الله في علاج أعينهم ورد بصرهم ، وما أدهشنا أكثر هو كل هذا التواضع والكرم من قبل الشيخ عبد العزيز جاسم الثاني رئيس جمعية سبل الخيرية ومحمد الحميري ممثل مؤسسة البصر العالمية وهما يتجولان بين الناس يقومان بعملية التنظيم والإشراف .. ويبقى لنا القول إن الأعداد الكبيرة التي توافدت على المخيم أبرزت نسبة كبيرة للمصابين بالعمى أو ضعاف البصر وكأنها ظاهرة تدق جرس إنذار للالتفات إلى هذه المشكلة ورصدها ومكافحتها من خلال توفر الخدمات الصحية الأساسية عبر مكاتب الصحة وكذا عمل حملات توعية عبر مراكز التثقيف الصحي في المناطق البعيدة كالحملات التي تقام من اجل مكافحة الملاريا وحملات التحصين ، بالإضافة إلى دور وسائل الإعلام خاصة المسموعة التي تصل إلى غالبية الناس لتوعيتهم بأهمية الحفاظ على نظرهم وفحصه دوريا وتجنب العوامل المسببة للعمى قدر الإمكان .