فضاء
محمد عبدالجليلالصورة النهائية لعالم نموذجي يعيشه البشر على وجه الارض لم تتشكل حتى الآن ، ولكن لا ننفي أنه قد تراكم قدر كبير من الانجازات في حياة البشر ، هنا وهناك ، رغم التفاوت في نسبة هذه الانجازات ، وفي المستوى الحضاري والثقافي الذي بلغوه ، وقد تحقق ذلك ليس عن طريق صراع الحضارات ، كما يدعي البعض ، بل بتكامل الحضارات والثقافات الانسانية الواحدة .والصورة الوردية التي عاشها البشر فيما مضى كانت في عهود المشاعية البدائية ، وعندما ظهر من يقول هذا حقي وحدي، بدأت النزاعات والاقتتال والحروب والثأر ، وهكذا برزت ثلاثية الشر في العالم المتمثلة بالعائلة المتضخمة والملكية الخاصة المتضخمة أيضاً ومعها أدواتها القمعية من سجون ومعتقلات وقتل وتجويع واستعباد واستغلال لقوة عمل الآخرين وحشدهم في حروب لا نهاية لها ، وموت بالمجان لبقاء حفنات من البشر تستأثر بالثروة والسلطة ، وتحرم الشعوب من كل شيء حصل هذا في مراحل الاقطاع واستمر حدوثه مع الرأسمالية والذي لا زال قائماً حتى الآن .ولهذه الحالة غير السوية وغير العادلة في وضع عالمنا اليوم ، ليست نهاية التاريخ ويقدم لنا الفكر الانساني جملة من الاستخلاصات والاستنتاجات والتوصيات لبناء عالم جديد يشاع فيه الخير للجميع ، عالم تسود فيه المحبة والسلام ، عبر التكامل الاقتصادي والاجتماعي والثقافي والحضاري بين شعوب الارض بعيداً عن نزعات التعالي والغطرسة ونزعات الهيمنة والطغيان والاستغلال والاستبداد والاستعباد، ولن يتحقق ذلك إلاّ إذا صارت مهمة كل الشعوب في العالم قاطبة لأن هذا الامر لايمكن معالجته بصورة جزئية في نطاق جغرافي محدود ، على المستوى الوطني أو القومي ، بل على مستوى كوني كامل .وفي سياق هذا المنظور ، لابد من الانطلاق من أن الارض وبما فيها وما عليها من ثروات هي ملك لكل البشر وهي حصيلة جهودهم جميعاً ، ولذا لا بد أن تعود بالخير والفائدة على الجميع ، وأن لا تبقى هذه الثروات حكراً على بعض العائلات أو المؤسسات والشركات ، وأن تتخلص الشعوب من دونيتها وبأنها مجرد جيوش جرارة من عبيد العمل المأجور ، أو مجرد مستخدمين أو مستعملين عند تلك الطبقات المسيطرة على الملكية أو الشركات والمؤسسات الخاصة وإنهم باتوا أحراراً وأسياد أنفسهم ، وقوة عملهم ليست سلعة رخيصة للبيع كيفما جاء وإنه قد آن الاوان الآن لنفض غبار الاستكانة والخوف والذل من على أكتافهم ، ومن عقولهم وقلوبهم .وقد برزت الى السطح اليوم ، آليات ومعطيات جديدة لنضال الشعوب من أجل انعتاقها واستقلالها ، ورفض التبعية لمستغليها أياً كانوا وبالذات مع تطور وسائل الاتصالات والمواصلات واتساع رقعة التعليم والعلم والمعرفة بين الشعوب ، وظهور الاحزاب المؤطرة لقواهم وطاقاتهم في الوصول الى المجتمع المدني الخالي من وسائل القمع والقهر وفي ممارسة الحريات العامة والخاصة ونيل الحقوق السياسية والمدنية ، وكذا الحقوق الاقتصادية والثقافية بصورة تجعل نهاية التاريخ أجمل وأروع وأكثر استقراراً مما هو عليه اليوم .وهنا فقط يمكن لعالمنا أن يودع الحروب والصراعات والنزاعات على اختلافها ونكف عن قتل بعضنا البعض ونحمي حضارتنا الانسانية من الدمار والخراب ونعيش الرفاهية والسعادة بسلاسة وبصورة طبيعية .