قصة صغيرة
كان يا مكان في قديم الزمان كانت هناك شجرة كبيرة من التفاح في غاية الضخامة والشموخ خضرة الأغصان كثيرة الأثمار طويلة الساق بديعة السحر والجمال تسر الناظرين بمنظرها الخلاب وكان هناك طفل صغير يأتي إليها ويلعب معها ويدور حولها ويسمعها أطلال ضحكاته وروح براءته وكان عندما يتعب ويرهق من اللعب حولها يستلقي تحتها مستظلاً بظلها مستمتعاً بضخامتها ومداعباً نسيم هوائها وكانت تلك الشجرة تحب اللعب معه وتستمتع بظله الخفيف حولها، وبعد فترة من الزمن غاب عنها الطفل وجاء إليها وقد صار ولداً ففرحت الشجرة لقدومه وقالت له : تعال وألعب معي، فقال لها الولد : لا فلم أعد طفلاً لألعب حولك فقد أصبحت ولداً وأريد ألعاباً لألعب بها ولكني لا أملك المال لأشتريها فقالت له الشجرة وهي حزينة ومتأسفة : إني آسفة فلا أملك مالاً لأعطيك إياه ولكن بإمكانك أن تقوم بقطف التفاح مني وجمعه ثم بيعه والاستفادة من ماله لتشتري به ألعاباً، ففرح الولد وابتسم لها وصعد على الشجرة متلهفاً يجمع التفاح منها فأخذها ورحل بعيداً ولم يعد بعد ذلك، وغاب عنها فترة من الزمن فأصبحت الشجرة متأثرة وحزينة من غيابه.وفجأة بعد مدة طويلة من الزمن عاد إليها الولد وقد صار رجلاً ففرحت الشجرة لعودته وقالت له مرة أخرى : تعال وألعب معي، فقال لها الولد : لا فلم أعد ولداً لألعب معك أو حولك فقد أصبحت رجلاً متزوجاً ولدي ولدان وأريد بيتاً لأعيش وأسكن فيه، فحزنت الشجرة على حزنه وقالت له وهي حزينة : إني آسفة فلا أملك بيتاً لأعطيك إياه ولكن بإمكانك قطع جميع أغصاني وأخذ أوراقي لتبني بها لك بيتاً وتسكن فيه ففرح الرجل وقام بقطع أغصانها وأوراقها وكانت الشجرة سعيدة لفرحته فأخذ منها أغصانها وأوراقها ورحل مرة أخرى بعيداً ولم يعد بعد ذلك، وغاب عنها مرة أخرى فترة من الزمن فأصبحت الشجرة في غاية الحزن عليه مرة أخرى وهي ناظرة خالية من ثمارها وأغصانها وأوراقها الباهرة.ولكن بعد مرور فترة أخرى أيضاً من الزمن عاد إليها مرة ثانية هذا الرجل ولكنه قد صار شيخاً ففرحت الشجرة لقدومه وقالت له مرة أخرى : تعال وألعب معي، فقال لها الشيخ : لا فلم أعد رجلاً لألعب حولك أو معك فقد أصبحت شيخاً كبيراً مسناً بدا عليّ التعب وتقدم السن وأريد مركباً لأركب به وأبحر إلى مكان بعيد وأنعم فيه براحة البال وسكون وهدوء النفس فحزنت عليه الشجرة مرة ثانية وقالت له : إني آسفة فلا أملك أي مركباً لأعطيك إياه ولكن بإمكانك أن تقوم بأخذ وقطع ساقي وجذعي وتصنع منه مركباً لتبحر به أينما تشاء ففرح الشيخ وقام بقطع ساق وجذع الشجرة وصنع منه مركبه وأبحر به إلى مكان بعيد ورحل بعيداً ولم يعد بعد ذلك وغاب عنها مرة أخرى مدة من الزمن فأصبحت الشجرة حزينة مرة أخرى على فراقه وبعده عنها.ولكن أيضاً بعد مرور فترة من الدهر عاد هذا الشيخ مرة أخرى وقد اشتدت عليه آثار الشيخوخة وتقدم السن فصار شيخاً كبيراً عجوزاً ففرحت الشجرة مرة أخرى لرجوعه وقالت له وهي تدمع من فرحتها به عند رؤيته مرة أخرى : تعال وألعب معي، فقال لها العجوز : لا فلم أعد طفلاً ولا ولداً ولا رجلاً لألعب معك أو حولك فقد أصبحت رجلاً كبيراً وشيخاً عجوزاً متقدماً بالسن متعباً من مشاغل الحياة فأريد مكاناً آوي إليه وأطرح رأسي عليه وأنام عنده بسكون وطمأنينة وراحة البال، فقالت له الشجرة وهي فرحة وحزينة لقد أصبحت شجرة كبيرة وعجوزة لا أملك سوى جذعي وجذوري هذا الشيب المتبقي على هذه الأرض فتعال وأنزل عندي فإنك لن تجد مكاناً أفضل وانسب من جذع هذه الشجرة العجوز وبعد ثوانٍ نزل إليها الرجل متأثراً - في أحضانها مستلقياً عند جذعها العجوز فشملته هذه الشجرة بعطفها وحنانها وهي تبكي وتدمع من شدة فرحتها لعودته وبقائه معها فنعم بالحياة الطيبة.وهكذا انتهت هذه الحكاية بين شجرة التفاح والصبي الصغير بالنهاية الحزينة والمؤثرة والسعيدة في نفسهما.إذن يا ترى : هل عرفت من هي هذه الشجرة؟