د. سليمان صالح لا يمكن أن يتحقق التقدم إلا إذا توافرت مجموعة من الشروط من أهمها احترام حقوق الإنسان.. فالشعب الخائف الذي لا يتمتع بحقوقه لا يمكن أن يصنع التقدم. ولقد كان توصل الغرب إلى صيغة للعلاقة بين الإنسان والدولة من أهم العوامل التي أدت إلى زيادة قوة الحضارة الغربية وتقدمها. استثمار طويل المدى واحترام حقوق الإنسان هو استثمار اقتصادي وسياسي وثقافي طويل المدى، فهو يتيح إمكانيات كبيرة لاستخدام الثروة البشرية في عملية إنتاج الثروة بأشكالها المختلفة. ولأن البشر هم الذين يصنعون التقدم ليتمتعوا بثماره، فإنه كلما شعر الإنسان بأن هذا التقدم يتم لصالحه، وأنه صاحب هذا التقدم وصانعه فإنه يبدع في المساهمة في تحقيقه. لذلك فإن الأمة التي تريد أن تتقدم لابد أن تكفل لشعبها حقوقه وتحمي هذه الحقوق لتتيح لهذا الشعب أن يتفرغ للإبداع والإنتاج. احترام حقوق الإنسان يخرج منه أفضل مميزاته ومواهبه وقدراته، ويجعله يتطلع دائماً للمستقبل بأمل، أما الإنسان الخائف الذي لا تحترم حقوقه فإنه يميل دائماً إلى أن يسير بجانب الحائط أو حتى داخله، ويخاف أن يعرض أفكاره على الآخرين مهما كانت أهمية هذه الأفكار، وهكذا يحرم المجتمع من أفكار جديدة جريئة يمكن أن تنقله إلى عصر جديد، وتحقق له التنمية والتقدم. استثمار العقول احترام حقوق الإنسان هو استثمار للعقول البشرية التي تستطيع أن تفكر وتبحث وتكتشف كلما أمنت على حقوقها.. وانتهاك حقوق الإنسان يحرم الدولة من إنتاج الكثير من العقول الإنسانية، وبالتالي يحرمها من تحقيق النهضة والتقدم. الدولة التي تنتهك حقوق الإنسان ترغم الكثير من العقول على الصمت، ولكي يتقدم المجتمع لابد أن يتكلم الناس بحرية، ولابد أن ينتقدوا الوضع الراهن ليتمكنوا من تغييره إلى الأفضل. الإنسان لابد أن يعبر عن أفكاره بحرية ليساهم في تحقيق التقدم، أما إذا أجبر على الصمت، فإن الأمل يموت.. وكذلك الأحلام والأفكار. لا يمكن أن يفكر الإنسان ويبدع ويساهم في تقدم المجتمع وهو يعلم أن وراءه سوط، وأمامه سجن، ويتبع خطواته العسس. كثير من العقول في أوطاننا هاجرت خارج الوطن أو هاجرت داخله، فأما الذين هاجروا فقد أعطوا للغرب ثروة ضخمة، وساهموا في تقدمه، وأما الذين هاجروا داخل الوطن فقد صمتوا وآثروا السلامة، وفي الحالتين خسرت المجتمعات العربية الكثير من الإمكانيات للتقدم والنهضة. من بدد ثرواتنا؟!! منذ بداية الخمسينيات هاجر الآلاف من العلماء العرب من أوطان لم تحترم حريتهم وحقوقهم بعد أن أدركوا أن البديل هو الصمت. وبذلك هبطت على الغرب ثروة بشرية تحولت إلى ثروات علمية واقتصادية وثقافية فازداد تقدم الغرب، وفشلت خطط التنمية في أوطاننا، وكل عام يخسر الوطن العربي مليارات الدولارات بسبب هجرة العقول، وإذا قيمنا الثروة البشرية التي فقدناها بالمال لأدركنا أننا خسرنا مئات المليارات من الدولارات، مع أن كل عقل يساوي وحده مئات المليارات. ويوماً قالوا: إن الإنسان العربي يتفوق في الغرب ويبدع وينجح، وحاول البعض أن يفسر هذه الظاهرة بأن الغرب يوفر بيئة مناسبة للنجاح والإبداع والتفوق، وأنه توجد هناك المعامل والإمكانيات المادية، وقد يكون ذلك إلى حد ما صحيحاً.. لكن الحرية هي التي تشحذ عقل الإنسان وتحفز قدراته. وكان هؤلاء جميعاً من المتفوقين. لكن أوطانهم لم تحترم حقوقهم وحرياتهم فقدمتهم هدية للغرب لأنها كانت تخاف من أفكارهم وعقولهم، ولا تريد للأوطان تقدماً ولا نهضة. كان كل ما يهمها هو الاستقرار حتي لو كان على فقر وتخلف. مئات المليارات قدمها وطننا العربي هدية للغرب، وتقف بعض الدول العربية تمد يدها لمعونات أو ديون من ذلك الغرب الذي ساهمت آلاف العقول العربية في صنع تقدمه. وكانت تلك إحدى أخطر النتائج لممارسات السلطات العربية منذ الخمسينيات، وانتهاكاً لحقوق الإنسان، وسيادة العقلية البوليسية. إذا أضفنا إلى تلك الثروة آلاف العلماء الذين خافوا وصمتوا وهاجروا داخل الوطن أو تحولوا إلى شعراء مديح للسلطات العربية طمعاً في ذهبها أو خوفاً من سيوفها وسجونها وسياطها وجلاديها.. عندئذ يمكن أن نعرف بوضوح الإجابة على سؤال مهم: هو لماذا فشلت خطط التنمية في الوطن العربي منذ الخمسينيات حتى الآن؟ ولماذا يقل الدخل القومي للدول العربية مجتمعة عن الدخل القومي لدولة أوروبية.. ؟ ولعرفنا أيضاً أننا لن نتقدم إلا إذا احترمنا حرية الإنسان وحقوقه، واحترمنا حرمة جسده وماله وعرضه. ثقافة حقوق الإنسان لكي نتقدم لابد أن نتوصل إلى ميثاق جديد لحقوق الإنسان العربي، وأن نبدأ عصراً جديداً بنشر ثقافة حقوق الإنسان، وأن نعلم هذه الثقافة للأجيال الجديدة في المدارس والجامعات. ثقافة حقوق الإنسان هي البداية الصحيحة لمشروع حضاري عربي جديد يتحقق في ظله التقدم السياسي والاقتصادي والثقافي والحضاري. ولكن كيف نبدع صياغة جديدة لحقوق الإنسان، ونشكل ثقافة عربية لهذه الحقوق؟ كيف نحرر ثقافة حقوق الإنسان من التبعية للغرب لتكون أداة لتحريرنا من الاستعمار والاستبداد والتخلف، ووسيلة لتحقيق النهضة والتنمية والتقدم. إننا نحتاج إلى إرادة سياسية لنشكل عصراً عربياً جديداً تحترم فيه حقوق الإنسان، وتصان كرامته ليتمكن من صناعة النهضة. العقل العربي لابد أن يكافح داخل الوطن ليحمي حقوقه، وليفتح أمام الأمة آفاق مستقبل جديد يقوم على احترام حقوق الإنسان، وعندئذ لن يضطر العقل العربي إلى الهجرة خارج الوطن أو داخله، وسيصنع النهضة والتقدم. عن « الشرق القطرية »
احترام حقوق الإنسان شرط للتقدم
أخبار متعلقة