إعداد/ وهيبة العريقي تقتضي مرحلة ما بعد الولادة رعاية مكتملة الجوانب نفسياً وغذائياً وصحياً، وكذا قسطاً وافراً من الراحة لتستعيد النفساء عافيتها وتتهيأ لتحمل أعباء رعاية وليدها وإرضاعه والعناية به لوحدها دون مساعدة من أحد.مع الأسف قلما تحصل النساء الوالدات في مجتمعنا كغيره من المجتمعات التي تشيع فيها الأمية على رعاية كهذه لاسيما من الناحية الصحية، وهو ما يمكن وصفه بالحلقة المفقودة، لما يترتب على غياب هذه العناية ـ أحياناً ـ من تداعيات ومشاكل رضية يشار إليها في أسوأ الأحوال باصابع الاتهام في التسبب في وفاة الكثير من الأمهات خلال فترة النفاس.والضرورة هنا تقتضي لتلافي ما لايحمد عقباه أن تكون الأسرة والمجتمع على قدر من الوعي والمعرفة بمظاهر وعلامات المضاعفات المحتمل حدوثها بعد الوضع مباشرة، كونها لاتقل خطراً عن المضاعفات والمخاطر التي تهدد صحة وسلامة الامهات واحمالهن خلال الحمل والولادة. وتلك المخاطر تبدأ في المراحل الأخيرة من الوضع «المخاض»، وتستمر أحياناً حتى إكمال مرحلة النفاس مدة «24 يوماً».فقد تعاني المرأة النفساء من مخاطر ومضاعفات مثل:ـ النزيف بغزارة (نزيف مستمر، أو خروج كتل متخثرة بحجم قبضة اليد).ـ الضعف والدوار والدوخة وفقدان الوعي.ـ الحمى وأحياناً برودة الجسم.ـ تأخر خروج المشيمة بعد نصف ساعة من الولادة.ـ إفرازات من مجرى الولادة «المهبل» برائحة كريهة، إذ من المحتمل هنا إصابة النفساء بحمى النفاس «الانتان النفاسي» واعراضها حمى شديدة، الم في الحوض، إفرازات مهبلية ذات رائحة كريهة وتأخر في عودة الرحم إلى وضعه الطبيعي في الحوض خلال فترة النفاس.ـ الصداع والاضطرابات في الرؤية «الغشاوة».ـ التشنجات والتصلب.ـ الشعور بألم في البطن.ـ عدم القدرة على التبول خلال الثمان الساعات الأولى بعد الولادة.وهذه المضاعفات في معظمها إذا لم يتم تداركها بإحالة النفساء سريعاً إلى المرفق الصحي الملائم أو المستشفى فإنها تؤدي بحياة الكثيرات وخصوصاً خلال الأيام الثلاثة الأولى على الولادة، ما يفرض على الزوج ومن يتولى شؤون رعاية الأم النفساء تأمين رعاية وعناية وفائقة منذ الوهلة الأولى على ولادتها ووضعها، نفسياً وغذائياً وان تحظى بالراحة حتى تستعيد عافيتها، وأيضاً لابد لها من الحصول على إشراف ومتابعة ومراقبة منتظمة من قبل الطبيبة أو على الأقل من قبل القابلة المهارة المدربة التي قامت بالتوليد وذلك للاطمئنان على صحتها وللتمكن من ملاحظة أي مضاعفات ـ إذا سأل حال النفساء صحياً ـ ومن ثم فرض التدخل السريع ونقلها بصورة عاجلة إلى أقرب مرفق صحي أو مستشفى تتوفر فيه طوارئ توليدية، بغية اتخاذ التدابير اللازمة حفاظا على صحتها وسلامتها.فالشعور بألأم شديد في البطن يمكن أن يكون ناجم عن تمزق الرحم بعد الولادة، وعادة هذا الألم يصاحب الولادة المتعسرة أو لدى محاولة إخراج المشيمة أو بسبب حدوث تشوهات في الرحم، كحدوث ندبة الرحم ناتجة عن تدخل جراحي سابق أو انتقاب الرحم بعد عملية تنظيف سابقة.كما أن حدوثة وارد لدى المرأة في سن الإنجاب المتأخر أو في حال الإنجاب المتكرر والمتتابع دون فاصل زمني أقله عامان.والنزيف الشديد بطبيعة الحال يؤدي إلى وفاة المرأة النفاس مالم تنتقل فوراً إلى أقرب مرفق صحي، وينجم ـ أساساً ـ عن تمزقات في مجرى الولادة لاسيما عند حدوث تمزقات في عنق الرحم جراء دفع المرأة الحامل أثناء الوضع «عند المخاض» قبل أن يتوسع عنق الرحم تماماً.بالإضافة إلى إن بالإمكان حدوث نزيف شديد في مرحلتي انفكاك المشيمة أو طرحها.وأود التنبيه هنا إلى ان النزيف خلال فترة النفاس بكميات مقبولة وضع لا مشكلة فيه، أما إذا تغير الوضع وزادت كمية النزيف، فالواجب حيال ذلك نقل النفساء بسرعة إلى أقرب مرفق صحي ملائم لما لذلك من دلالة ومؤشر على وجود مشكلة قد تشكل خطراً على حياة النفساء.لذا يتعين الاتفاق مع مقدم أو مقدمة الخدمة الصحية لتنظيم زيارات متابعة عقب الولادة بغية الاطمئنان على الوضع الصحي للأم الوالدة، فخلال اليوم الأول للولادة لابد من تنظيم زيارات متابعة بواقع ربع ساعة خلال الساعة الأولى على الولادة، وكل نصف ساعة خلال الساعتين التاليتين، يليها بعد ذلك زيارات متابعة بعد (6 ساعات لبقية اليوم، ومن الخطأ جداً أن تترك الأم وحيدة بعد الولادة مالم يمر على ولادتها مدة «24 ساعة»).وخلال الأسبوع الأول بعد الولادة تتطلب النفساء زيارة واحدة على الأقل أو زيارتين للاطمئنان على صحتها وسلامتها ومدها بالنصائح والإرشادات اللازمة.كما تتيح زيارة المتابعة بعد أسبوع على الولادة معرفة مدى حدوث النزيف المهبلي والخياطة وما إذا وجد احمراراً أو تقيح أو انتفاخ في منطقة التوسيع «قص العجان».أضف إلى أهمية زيارة مقدمة الخدمة الصحية للمرأة النفساء عند انقضا الأربعين يوماً على الولادة من أجل:ـ مناقشة الرضاعة الطبيعية الخالصة، والحصول على النصائح والإرشادات عنها.,ـ متابعة تحصين الطفل والاطمئنان على صحته ونموه الطبيعي.ـ الحصول على المشورة، حيث يفضل تقديمها بحضور الزوج.ـ تصحيح المفاهيم والعادات والتقاليد الخاطئة ذات العلاقة بالأم والمولود.ويتعين على القائمة بالرعاية المنزلية للأم النفساء ضرورة:ـ الاهتمام بالنفساء وبغذائها من بعد الولادة مباشرة وابقاء الوليد بجوارها بشكل دائم ودعمها نفسياً ومعنوياً للبدء والاستمرار في الرضاعة الطبيعية.ـ الاهتمام بالنظافة الشخصية للنفساء والباسها الملابس النظيفة واعطائها الحفاظات «الفوط الصحية النظيفة» بدلاً من قطع القماش الملوثة التي تؤدي فيما بعد إلى الالتهابات.ـ الطلب إلى الأم النفساء أن تتأكد من افرازات المهبل التي تكون حمراء حتى اكمال اليوم الرابع، ثم بنية اللون حتى اليوم العاشر، ثم بيضاء مصفرة حتى اليوم العشرين، والتوجه بها إلى المرفق الصحي إذا كانت الافرازات غزيرة ـأو ذات رائحة كريهة.ومن ناحية التغذية يتعين على الأم النفساء ومن يتولى شؤون رعايتها خلال مرحلة النفاس معرفة التغذية المفيدة والمناسبة خلال هذه المرحلة، وأهم ما يلزمها في التغذية.ـ الزيادة من المواد البر وتينه، كاللحوم بأنواعها والألبان والبقوليات والمكسرات والسكريات كالتمر والعسل، وكذلك المواد النشوية مثل الحبوب والأرز.ـ تناول الخضروات والفواكه المغذية لغناها بالفيتامينات والعناصر المغضية ويفضل للنفساء كذلك تناول اقراص الحديد وحمض الفوليك بعد الولادة وخلال فترة الرضاعة، فهي مهمة وضرورية لها لاسيما إذا كانت تعاني من فقر الدم الناجم عن عوز التغذية.ـ يفضل كثيراً للمرأة النفساء كي تحصل على تغذية صحية مثالية أن تتناول زيت السمك «زيت كبد الحوت» الذي يمد الأم وضيعها بالطاقة ويفيد في نمو دماغ المولود بشكل أفضل.ـ من باب أولى يفضل استخدام الدهون النباتية مثل الزيوت لدى اعداد وطهي الطعام بدلاً عن الدهون الحيوانية مثل السمن البلدي والزبدة.ـ لا ينصح بتناول البصل والثوم لاحداثهما تغير في طعم الحليب.ـ وجوب تحري سلامة الاغذية وعدم تلوثها بالمبيدات الزراعية، لاثرها السيء على الأم والطفل، وكذا عدم تعاطي العقاقير الطبية أو العلاجات المهدئة للاعصاب خلال القيام بالرضاعة الطبيعية إلا إذا اقتضت الضرورة وتحت اشراف طبي.ـ تناول السوائل بكثرة بمقدار لايقل عن لترين في اليوم الواحد، مؤلفة من فنجان من الحليب وكأس من العصير الطازج والماء النقي، وعلى النفساء أيضاً الاقلال من تناول الشاي والقهوة والشوكولاتة السائلة.في الأخير .. أتوجه بالنصح للأزواج والقائمات على رعاية الأمهات في فترة النفاس بأن يحرصوا على استدعاء الطبيبة المختصة أو القابلة المدربة والماهرة ثلاث مرات على الأقل خلال فترة النفاس، لتدارك أية مشكلة قبل تفاقمها ـ لاقدر الله ـ وتلافي حدوث أي مضاعفات من أي نوع.
قواعد السلامة والرعاية الصحية للأمهات بعد الولادة
أخبار متعلقة