من سير السابقين الأولين إلى ال إسلام:-
قبل ظهور الإسلام عاش في اليمن رجل عربي يسمى “ياسر بن عامر” وفكر بالرحيل إلى “مكة” يبحث عن أخ له فاستقر فيها وعاش غريباً بين أهلها ولذلك أراد أن يحمي نفسه ويطمئن على حياته فالتجأ إلى شخص اسمه “أبو حذيقة” وهو أحد رؤساء بني مخزوم وتحالف معه لينصره في حالتي السلم والحرب ثم تزوج ياسر من سمية جارية أبي حذيفة فولدت له اولاداًمنهم “عمار” وتكونت الأسرة من ياسر وزوجته سمية وابنه عمار وأطلق عليها “آل ياسر” وفي حين كان النبي صلى الله عليه وسلم يدعو إلى الإسلام سراً في أول الأمر سمع آل ياسر خبر هذه الدعوة ومال قلب عمار إليها فذهب إلى النبي صلى الله عليه وسلم واستمع إلى قوله حتى شرح الله صدره للإسلام فأسلم ثم رجع عمار إلى أبيه وأمه ناقلاً إليهما ما سمع من قولٍ محمد صلى الله عليه وسلم محبباً إليهما الدخول في دينه “دين التوحيد” والحق في القول،والمساواة بين الناس،فأسلم أبو عمار وراحه وأصبح آل عمار جميعاً من السابقين الأوائل إلى الإسلام وكان عدد المسلمين في ذلك الوقت قليلاً لم يتجاوز الأربعين وعندها سمعت قريش عن إسلام آل ياسر غضبت وأخذت تعذبهم لتردهم عن دينهم،إذ كانت تخرج عماراً وأمه وأباه إلى صحراء مكة وفي حر الظهيرة وتطرحهم على الرمال وهي تلتهب من أشعة الشمس الحامية وأحياناً تحرقهم بالنار حتى تترك آثارها على ظهورهم وكان النبي صلى الله عليه وسلم)يمر عليهم في محنتهم فيثبتهم ويبشرهم بالثواب العظيم ويقول لهم:”صبراً آل ياسر موعدك الجنة”.ومع هذا العذاب الشديد ثث آل ياسر على إسلامهم وتمسكوا بعقيدتهم لأنهم اقتنعوا بها وآمنوا بأنها الدين الحق ومات ياسر في هذه الفترة وماتت زوجه “سمية” بحربة رماها بها أبو جهل فكانت أول شهيدة في الإسلام ثم شدد الكفار العذاب على عمار بوضع الصخر على صدره وكسر أحد أضلاعه كل ذلك وهو ثابت على إيمانه لم يتزعزع ولعمار تاريخ طويل مملوء بالبطولات والتضحية في سبيل الدين فقد هاجر من مكة حفاظاً على دينه مرتين هاجر أولاً إلى الحبشة لما أذن النبي للمؤمنين بالهجرة إليها فراراً من أذى المشركين كما كان من أوائل المهاجرين إلى المدينة واشترك في بناء مسجد الرسول بالمدينة مجتهداً مخلصاً إذ كان القوم يحملون لبنة لبنة ويحمل هو لبنتين لبنتين حتى قال بعض الناس: “ليموتن عمار اليوم” فسمعهم الرسول وكان يمسح التراب عن رأسه في طف وحنان كذلك صحب عمار رسول الله صلى الله عليه وسلم)في حياته واستفاد من أخلاقه النبوية العالية وحفظ كثيراً من أحاديثه النبوية الشريفة ومن جهاده مع النبي صلى الله عليه وسلم)اشتراكه في غزوة بدر وأحد والخندق،وتبوك وظل وفياً له عليه السلام حتى وفاته.وبعد وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم)استمر عمار على إخلاصه لدينه وجهاده في سبيله فاشترك في عهد أبي بكر مع جيش المسلمين الذي حارب مسيلمة الكذاب والمرتدين عن الإسلام كما حضر موقعة اليمامة وجاهد فيها جهاداً عظيماً حتى قطعت أذنه.وكان عمر الخطاب يعرف عن عمار صدق إيمانه وإخلاصه للدين والحق ولهذا فقد جعله والياً على الكوفة،كما أن عثمان بن عفان اختاره بين أربعة من الصحابة أرسلهم إلى البلاد الإسلامية ليتعرفوا على متطلبات الناس وينقلوها إلى الخليفة عثمان بن عفان وكان عمار هو الصحابي الذي أرسل إلى مصر.كما شهد عمار وهو في سن الثالثة والتسعين من عمره موقعة “صفين” بين الإمام علي ومعاوية ومع كبر سنه إلا انه ظل يصول ويجول في هذه الموقعة قائلاً:“الجنة تحت أطراف الرماح اليوم ألقى الأحبة،اليوم ألقى محمداً وحزبه” وما زال يقاتل في هذه المعركة حتى قتل رحمه الله وكان ذلك في سنة سبع وثلاثين من الهجرة.وهكذا نعرف من سيرة “آل ياسر” أنهم عاشوا مجاهدين في سبيل دينهم صابرين عن ما لحق بهم من التعذيب والأذى ولكنهم تحملوا وثبتوا على دينهم ولم تتزعزع عقيدتهم كما نعرف أن عمار عاش مخلصاً لدينه متمسكاً به وبمبادئه حتى قال فيه النبي صلى الله عليه وسلم “اقتدوا بالذين من بعدي:أبي بكر وعمر،واهتدوا بهدي عمار”ومن سيرته يتبنى لنا أن أسرة عمار كانت أسرة فقيرة وأمه جارية وأبوه مستضعفاً ومع ذلك فقد ارتفعت منزلته في الإسلام فأحبه الرسول وقربه إليه وبشره بالجنة وأحبه الخلفاء ووثقوا به حتى رفعه عمر إلى مرتبة الولاية وهذا يدلنا على أن الإسلام دين مساواة وعدالة لا يميز أحداً لغنى أو شرف أسرته ولكنه يجعل الإيمان والعمل الصالح هما أساس التمييز والتفعيل قال تعالى “إن أكرمكم عند الله اتقاكم”.